وهكذا بدأ الإسلام يستولي على القلوب في مكة رويدا رويدا، ثم انتشر بين بعض سكان يثرب (المدينة المنورة)، وازدياد إيذاء المشركين للمسلمين واضطروهم إلى هجر وطنهم فرارا بدينهم.
وفتحت المدينة المنورة صدرها رحبا للمسلمين، وبدأت الدولة الإسلامية تنتظم أمورها برياسة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وانتشر خبر الإسلام في أطراف الجزيرة، ولم تمنع أضاليل المشركين العرب من الدخول في دين الله، دين العدالة والمساواة، عقيدة سهلة سامية، إيمان بالله ، وطاعة لرسول الله، وعبادات تدخل السعادة والطمأنينة إلى النفوس، نظام يضبط الجماعة ويؤمن حقوق الأفراد ...
كل هذا جعل القبائل العربية تتهافت إلى المدينة من كل حدب وصوب، يعلنون إسلامهم، وعم الإسلام الجزيرة العربية بعد الفتح الأكبر، ودخل الناس في دين الله أفواجا، وانقلبت مكة والمدينة بل الجزيرة العربية إلى موطن إسلامي متماسك تنبع منه أشعة الهداية لتنير العالم.
وقد تم ذلك للرسول الكريم خلال اثنتين وعشرين سنة وبضعة أشهر.
وهكذا خرج العرب باعتناقهم هذا الدين الحنيف من نطاق القبيلة الضيق المغلق إلى صعيد الإنسانية الواسع، ومن إطار الصحراء إلى العالم الشاسع، وانقلبت رابطة الدم والقرابة إلى الأخوة في الدين، وانتهى نظام القبيلة وحل مكانه نظام الدولة الإسلامية في مختلف مرافق الحياة، وانتقلت حميتهم للقبيلة إلى نصرة الحق، والأخذ بيد المظلوم وإنصافه، وأصبح اعتزازهم بالإسلام وبما يقدمونه من تضحيات وخدمات في سبيل ذلك بدلا من اعتزازهم بالأنساب، واتجه حبهم للأمجاد والبطولات صعدا إلى تحقيق ما يرضي الله ورسوله، وتحولت شجاعتهم وجرأتهم المحصورة في النطاق القبلي إلى شجاعة وجرأة في سبيل نشر الدين الجديد، وتحول كرمهم الذي بلغ حد السرف إلى إعانة الفقراء وإغاثة الملهوفين، وتزويد الجيوش للدفاع عن معتقداتهم وعن إخوانهم في الدين، وتحرير
Shafi 15