96

لا يؤدي إلى غناء اجتهاد

وكانت للأمر في أول عهده بالقوم جدة وغرابة، فكان يحتمل المجامع والمحافل ما بقيت الجدة والغرابة، ثم نصلت الطلاوة وزالت الغشاوة فإذا الجديد كالقديم وإذا العجم كالعرب، وإذا الدنيا هي الدنيا والناس هم الناس والحياة هي الحياة! وكل يوم دعوة، وكل يوم خروج على غير طائل، أو على ضجة ما كان أغنى عنها تينك الأذنين اللتين حجبهما الرجل عن الصوت، بعد أن حجبت الأقدار عينيه عن الضياء.

قال يوما لصاحبه: كنت أحسب الدنيا بنية مطمورة في القدم فكلما غاص الإنسان فيها كان أدنى إلى حقائقها وأسرارها، فلما بعثت في هذا العصر الحديث حسبتها منجما مقبلا كلما أمعن الإنسان في غده بعد يومه كان أدنى إلى تلك الحقائق والأسرار.

فأسرع صاحبه يسأله: فالآن ماذا تحسبها؟

قال: أحسبها متاهة مغلقة، فكلما رجعت فيها أو تقدمت فأنت في مكان واحد من المدخل أو من المخرج، وقد أغلقت فلا مدخل ولا مخرج هناك.

وكان صاحبه أو تلميذه من أبناء العصر المنشئين على تربيته وعاداته: كل دعوة تأتيه فإما لحضور وإما لاعتذار، وكانت عنده دعوة من مؤتمر الفلسفة والأديان، ينتظر أصحابها الإجابة من حكيم العرب وحكيم القرون الوسطى، فبماذا يجيب؟ والحكيم لا يريد الحضور ولا يريد الاعتذار؟ •••

تلك فرصة سانحة يوم عرض الحكيم للدنيا وشبهها تارة بالبنية المطمورة وتارة بالمنجم المحفور، وتارة بالمتاهة المغلقة.

فعاد التلميذ إلى المفاتحة في أمر الدعوة إلى مؤتمر الفلسفة والأديان، وعاد الحكيم إلى الرفض والإعراض وزاد متهكما ساخرا: مؤتمر يشاور فيه بعضهم بعضا فيما يدينون به من عقيدة! ليوشك القوم غدا أن يتشاوروا فيما يحبون من وجه جميل وفيما يأكلون من فاكهة لذة! وهل يرجع المرء فيما يحبه من جمال وفيما يشعر به من لذاذة وفيما يعتقده من طمأنينة اليقين إلى مشاورة الآخرين؟

فعلم التلميذ أن نوبة النفور أصلح هنا للخوض في مسائل المؤتمر من نوبة الإقبال والموافقة، واقترح على الشيخ أن يسأله وأن يدون جوابه، وأن يستخلص من الحديث ما يلقيه على المؤتمرين، نائبا عن الشيخ، والشيخ معافى من مشقة الذهاب ومشقة السؤال والجواب.

قال التلميذ : أأنت من العقليين يا مولاي أم من الفطريين؟

Shafi da ba'a sani ba