50

وأبخل في المحافل بافتراري

هؤلاء كلهم يا بني فارون من المنطق والكلام، جبناء يهربون من الميدان إلى السمت الذي تدعوه طاعة أو تدعوه شجاعة، وما هو من الطاعة والشجاعة إلا كالرجل وصورته في المرآة. •••

قال التلميذ: وإجمال ذلك كله في كلمة واحدة يا مولاي.

قال أبو العلاء: إجمال ذلك كله يا بني في بيت واحد، وهو:

ساس الأنام شياطين مسلطة

في كل أرض من الوالين شيطان

وانفض بذلك الجدال بين الشيخ وتلميذه، وهما قافلان من بلاد الحاكمين العسكريين.

المستشرقون

هؤلاء الذين استغربت أمرهم يا مولاي، هم من سميناهم نحن بالمستشرقين! وهم أناس لم يسمع بهم الأستاذ لأنهم نشأوا أول نشأتهم في عصره، فكان أقدمهم يتعلم العربية والحكمة على عرب المغرب يوم كان الأستاذ يملي دروسه القيمة في المعرة قبل عشرة قرون، وكانوا قسيسين ورهبانا يدرسون علوم العرب ليفقهوا أسرار القرآن ويستعدوا لها بالحجة والبرهان، ثم شاع أمر الدولة المسيحية وأمر الخلاف على الأناجيل بين حبرها الأعظم ومن خرجوا عليه واعتزلوه. فمن ثم كثرت طوائفهم في بلاد الجرمان ولا يزالون أكثر ما يكونون بين هؤلاء القوم، ولا سيما وهم قوم مشغوفون باللغات والبحث في الأصل واللهجات. فهذا علة ما استغربه الأستاذ من شيوع الاستعراب هنا حيث نحن الآن مقيمون، وأنهم من أجل هذا يحومون حول هذا الورد ويغتنمون هذه السانحة، ولا يريدون أن يعبر بهم حكيم المعرة دون أن يوسعوه حفاوة وسؤالا ويتخذوا من كلامه بيانا يعتصمون به ودعاية يدعون إليها. فإن شاء الأستاذ أن يصابرهم ويستقصي خبرهم فله الرأي الأعلى فيما يشاء.

ذلك كان حديث التلميذ لأستاذه بعد رحلة ليست بالقصيرة قضياها في بلاد الجرمان، ولقيا فيها فئات من المستشرقين سمعوا برهين المحبسين فزاروه واستزاروه، وسألوه وأجابوه، وعجب أبو العلاء من شأنهم في بلاد الغرب فسأل تلميذه عنهم على سبيل الاستطلاع أو على سبيل القصاص، لكثرة ما أطال عليه من سؤال، وكثرة ما التمس عنده من فائدة، وكثرة ما كلفه من تجوال.

Shafi da ba'a sani ba