ورواية هذه اللفظة بالخاء المعجمة والفاء هو المشهور في كتب الأدب والتاريخ، وقد رويت بالباء الموحدة في نسختي نفح الطيب المطبوعتين بمصر، ووردت في التي طبعت بأوروبا بالحاء المهملة والباء الموحدة، ورواية البيت فيها:
لقد عقدت محبتها بقلبي
كما عقد الحليب بحنبشار
إلا أن المصحح ذكر بالحاشية ورودها في بعض النسخ بالخاء المعجمة والباء الموحدة؛ وفي أخرى بالخاء أيضا والفاء، وهو الصواب على ما ترجح عندي، وما عداه محرف عنه. وسببه أن صاحب نفح الطيب تلمساني كما هو معلوم، وقاعدة المغاربة في الكتابة نقط الفاء بنقطة من تحت، فيظهر أن نسخة الأصل كتبت بخط مغربي، وطمس الكاتب رأس الفاء، فظهرت بصورة الباء لمكان النقطة التحتية، وتصحيف الخاء المعجمة بالحاء المهملة قريب. وإنما رجحت هذا الوجه؛ لاشتهاره في سائر الكتب كما ذكرت آنفا. ويجوز أن يكون الصواب في أحد الوجهين الآخرين، إلا أن مثل هذا لا يثبت إلا بنص، ولم أقف على نص فيه. والخطب أسهل من أن نطيل فيه الكلام؛ لأن الظاهر من مفاد القصة أن الكلمة مخترعة. والله أعلم.
هوامش
فصل في ثروته وزهده
قد علمت مما تقدم أن أبا العلاء كان من بيت ثراء وغنى، والمتبادر في مثله أن يكون مثريا كأهله، ولكنك لو تتبعت بقية أخباره، وأنعمت النظر في أقواله عن نفسه، سواء كانت نثرا أو شعرا، ظهر لك أنه كان على العكس من ذلك. وحسبك تصريحه في إحدى رسائله إلى داعي الدعاة، بأن الذي له في السنة نيف وعشرون دينارا يشاركه خادمه في معظمها. وسيمر بك في هذا الفصل شيء من أشعاره المنبئة عن إملاقه وحاجته. والحقيقة المزيلة للبس أنه كان على شيء من الثروة نكب فيه قبل قفوله من بغداد، فعاش بعد ذلك في كفاف، بدليل قوله:
أثراني عنكم أمران: والدة
لم ألقها وثراء عاد مسفوتا
1
Shafi da ba'a sani ba