يزعمون أننا نخشى الجمعية الوطنية؛ لأنها لو دعيت للاجتماع لاتخذت من القرارات ما لا يتفق مع ميول الحكومة، نريد بالاقتصار على تأليف لجنة أن تتحكم في النظام الدستوري، وأن تحول بين الأمة وبين إبداء رغباتها، وأقول: إن بيننا وبين الأمة عهدا يحدد جوهر ما يختلف فيه الآن، لنا برنامج قطعنا فيه على أنفسنا أننا سنراعي في الدستور الذي نضعه أحدث مبادئ القانون العام، وعلى الأخص المسئولية الوزارية أمام البرلمان. أترى يشكون في مبادئ القانون العام الحديث نفسها، أم يجهلون أن مبدأ المسئولية الوزارية هو محور النظام الدستوري وجوهره ولبابه، والأمان الكافي ضد خروج السلطات عن حدودها، والأساس الصالح للتعاون بين الأمة والحكومة، أو يجهلون أن ما خلا هذا المبدأ لا يبلغ أهميته وأن هذا المبدأ ضابط لأحكام الدستور نفسه؟!
قالوا: إن وضع الدستور بهذه الطريقة لن يجعل للأمة سبيلا إلى تغيير شيء من أحكامه. على أنني لا أدري مبلغ هذا التكهن من الصحة، فإن ما أعلمه عن القواعد الدستورية - وهي التي أشرت إليها في برنامج الوزارة - أن الدستور يشتمل عادة على نص يحتفظ به بسبيل يكون من حق للأمة مشخصة في إدخال ما يرى ضرورة إدخاله من التعديلات. سيرى الناس إذا انتظروا قليلا أن محاولة عرقلة الحكومة في أعمالها لم يكن من مصلحة البلاد في شيء، وأن الحكومة ما توخت ولن تتوخى شيئا غير مصلحة الوطن القائمة التي تتلاشى أمامها الأعراض الزائلة والأوهام الباطلة.
سيرى الناس يوم يصبح الدستور حقيقة واقعة بأن التهمة التي وجهت للحكومة غير صادقة، وأن يرون أنفسهم أمام نظام يسمح للإرادة العامة بأن يكون لها مظهر حقيقي وأثر فعلي في تصريف الأعمال العامة وفي كل شيء يتعلق بمستقبل البلاد.
قالوا إننا خرجنا عن برنامج وزارة عدلي باشا الذي كنا متضامنين معه فيه، ولكنهم نسوا أو تناسوا أن مهمة الجمعية الوطنية بحسب ذلك البرنامج لم تكن في الأصل وضع دستور للبلاد، وإنما كانت مهمتها النظر في الاتفاق الذي تألفت وزارة عدلي باشا للمفاوضات فيه، ثم وضع الدستور المبني على نصوص هذا الاتفاق بعد ذلك.
فالمهمتان لا تقبلان التجزئة، وكان يجب على الجمعية إذا هي أقرت الاتفاق أن تراعي في وضع الدستور ما يكون قد تضمنه من الشروط والقيود، أما اليوم فإن وضع الدستور متقدم على الاتفاق، وإذا كان لا يبنى عليه فإنه يجب على أي حال أن لا يسد الطريق للوصول إليه.
هذه هي الحقائق التي أردت أن أبسطها أمام حضراتكم، وأن ما تعرفه الحكومة في حضراتكم من الكفاءة والكفاية لهذا العمل أحسن ضمان لأن يكون عملكم خير مرشد وهاد إلى رغبات البلاد وحاجاتها.
ولا أريد أن أختم كلامي بغير إشارة إلى التضحية الكبيرة التي قدمها حضرة صاحب الدولة رشدي باشا بقبول الاشتراك في عمل هذه اللجنة، ولا أخفي على حضراتكم أن فكرة إسناد الرئاسة لدولته قد خطرت مرارا على بالي من أول يوم فكرت فيه الحكومة في تأليف اللجنة.
ولكن علمنا بمقدار ما يبذله من نفسه وصحته في أداء الواجب الذي يدعوه إليه الوطن ومصلحته، وحبنا لشخصه، ورغبتنا في تمتعه بالصحة التامة، كل ذلك جعلنا نتردد عن مخاطبته في الأمر.
غير أنني لما خاطبت بعد ذلك أحدا من حضراتكم إلا وسألني عما إذا كان رشدي باشا مشتركا في عمل اللجنة، وأظهر رغبته في أن يراه على رأسها، فلم أجد بدا أمام هذا الإجماع من إيصال هذه الرغبة إلى علمه.
فتقدم كعادته إلى الخدمة الوطنية غير ملتفت إلى ما يكلفه ذلك من تحميل صحته هذه المتاعب الجديدة، ولكنه اشترط شرطا لم يكن في وسعي قبوله، وتركت لدولته الحرية في أن يقدمه بنفسه لحضراتكم؛ لتتصرفوا فيه كما تريدون ... وأختم القول بتكرار التحية لحضراتكم، وتوجيه الرجاء إلى المولى - عز وجل - أن يلهمكم السداد، وأن يوفقنا جميعا إلى ما فيه الخير للبلاد. (12) شروط ثروت باشا لتأليف الوزارة (نقلا عن مقطم 31 يناير سنة 1922)
Shafi da ba'a sani ba