جيء بهؤلاء السود من أفريقيا منذ عهد الاستعمار ليكونوا زراعا وخدما لمن نزل بأرض أمريكا من الأوروبيين، وعلى الأخص في الولايات الجنوبية؛ حيث تصلح التربة للزراعة في مساحات واسعة مكشوفة، وحيث يقسو المناخ على المستعمرين فيحد نشاطهم ويقلل عزمهم، وأخذ يزداد عدد هؤلاء السود في الجنوب منذ نشط المستعمرون في زراعة القطن والطباق في بطاح مترامية خصبة، واشتدت الحاجة إلى العبيد بعد ذلك إبان الانقلاب الصناعي؛ إذ ازداد طلب القطن تبعا لسرعة حلجه وغزله.
أما في الشمال فكان هؤلاء السود خدما في المنازل وقل استخدامهم في الزراعة؛ إذ كانت الزراعة هناك محصورة في مساحات ضيقة، ولم يزرع إلا ما يطلب الناس من حب وبقل، وعني الناس بالصناعة في الشمال، وكان الصناع من البيض؛ لأنهم أجدر أن يمهروا فيها.
على هذا الوضع كان اقتناء العبيد في الجنوب أمرا لا محيص عنه، بينما كان في الشمال أمرا قليل الأهمية، ولكن الظروف ما لبثت أن جعلت من وجود العبيد مشكلة معقدة بين أهل الجنوب وأهل الشمال.
كان أمرا طبيعيا أن يتألم أبطال الاستقلال الذين أعلنوا حقوق الإنسان من وجود العبيد بينهم؛ فإن من ينفر من استعباد غيره إياه خليق أن يكره أن يستعبد هو غيره، وكان جفرسون من أكثر الزعماء بغضا لوجود العبيد؛ إذ لا يتفق وجودهم وما كان يدعو إليه من ديمقراطية وحرية.
ولكن المسألة بدت من أول الأمر أعسر من أن تجرى فيها دعوة أساطين الحرية؛ فقد جعل أهل الجنوب أصابعهم في آذانهم عند كل دعوة يدعوها المتأثمون من حال السود وهم إخوانهم في الإنسانية، ولم يكن ذلك لأن الديمقراطية كانت أحب إلى قلوب الشماليين منها إلى قلوب أهل الجنوب؛ فإن هؤلاء الشماليين كانوا رحماء بينهم أشداء على السود، وكانوا إذا رغبوا في التخلص منهم باعوهم لمن يقتني العبيد في الجنوب، وإنما كان الأمر عند الجنوبيين أمر حياة أو موت، فالقضاء على العبيد عندهم معناه ثورة اجتماعية تقضي على مصالحهم الاقتصادية وتصيبهم بنكبة لا يبرءون منها إلا في أجيال.
من أجل ذلك وقف زعماء الاستقلال وأبطال حقوق الإنسان حيارى تلقاء هذا الأمر وإن باتوا له كارهين، على أنه لم تنته حرب الاستقلال حتى قضي على هذا الوضع في جميع الجهات الكائنة وراء حدود ماري لاند الشمالية. وفي سنة 1877 نجح جفرسون في حمل المؤتمر العام على إصدار قرار يحرم وجود العبيد في الجهات الواقعة في الشمال الغربي لنهر الأهايو.
وظل أهل الجنوب متمسكين باقتناء السود فما تزحزحهم الدعوات قيد شعرة، وما هم بمنكري دعوة الداعين من ناحيتها الإنسانية، بل إنهم يوافقون على أن الرق أمر بغيض، وأنه لا يتفق ومبادئ الديمقراطية والعدالة والحرية، ولكنهم لا يستطيعون من هذا الشر خلاصا، وليس في وسعهم إلا أن يأملوا أن يخلصوا في المستقبل منه.
ولما بدأ واضعو دستور الاتحاد عملهم وجدوا أنفسهم أمام عقبة كئود، سببها وجود هؤلاء السود، وكان عليهم أن يتخطوا هذه العقبة سراعا وإلا ذهبت جهودهم هباء، وكانت هذه العقبة هي كيفية التمثيل في مجلس النواب، فإنهم اتفقوا على أن يكون لكل ولاية أعضاء بنسبة عدد سكانها، وعلى ذلك فهل يعد البيض وحدهم أم يعد البيض والسود جميعا؟ وإذا عد البيض والسود عظم نفوذ أهل الجنوب في الاتحاد، ولن يرضى بذلك أهل الشمال، بينما يذهب نصف هذا النفوذ إذا عد البيض وحدهم؛ فإن السود كانوا يساوونهم عددا أو يزيدون عنهم في بعض الجهات.
وهداهم تفكيرهم إلى حل رضي الطرفان عنه، فليعد البيض جميعا وثلاثة أخماس السود؛ وهكذا يصبح اقتناء العبيد أمرا مشروعا بما تضمن الدستور !
على أنهم لم يتخطوا هذه العقبة حتى كانوا تلقاء عقبة أخرى؛ فإذا كان الدستور قد أقر وجود العبيد في ولاية وحرمه في أخرى، فماذا يكون حال من يفر من العبيد إلى ولاية حرة؟ أيحرره الفرار أم يجبر على العودة إلى حيث كان؟ فإنه إن كان الرأي الأول ازداد الفرار وسهلت الحرية، وفي ذلك الضرر كل الضرر على أهل الجنوب؛ ولهذا كان لا مناص من الأخذ على مضض بثاني الرأيين، فنص عنه كما يأتي: «إن من يفر من الأشخاص المكلفين بالخدمة أو العمل إلى ولاية أخرى يجبرون على العودة إلى من كانت تلك الخدمة أو ذلك العمل حقا لهم.»
Shafi da ba'a sani ba