وكانت رياسة منرو عهد هدوء؛ إذ خفت حدة التنافس الحزبي بزوال حزب الاتحاديين، وكان الحزب الجمهوري الجديد ديمقراطي النزعة، وفي عهد الرئيس منرو وضعت اتفاقية مسوري
1
الشهيرة في مسألة العبيد، فقضى بها على سبب من أهم أسباب الخلاف بين الولايات.
وقد اختير منرو للرياسة مرة ثانية وأعلن في عهد رياسته الثانية مبدأ منرو الشهير، الذي يحول بين الأوروبيين وبين التدخل في شئون أمريكا، والذي أصبح قاعدة تحرص أمريكا عليها كجزء هام من سياستها. وسبب إعلان هذا المبدأ هو أن دول التحالف الرباعي في أوروبا أرادت التدخل لحمل مستعمرات إسبانيا الثائرة على الإذعان لها، وكانت إنجلترة قد انسحبت من التحالف وقد غاظها أن تستعين الحكومة الإسبانية بالجيش الفرنسي للقضاء على الثورة الدستورية في إسبانيا بإذن من دول التحالف، وفطنت إلى ما يترتب على ذلك من امتداد النفوذ التجاري الفرنسي إلى مستعمرات إسبانيا حول خليج المكسيك، فأشار كاننج وزير خارجية إنجلترة على الرئيس منرو، فخطا هذه الخطوة التي جعلت الولايات المتحدة هي المسئولة عن شئون العالم الأمريكي.
وخلف من بعد منرو سنة 1824 جون كونسي آدم ابن جون آدم الرئيس الذي خلف وشنطون، وقد حدث في انتخابه أنه لم يفز بالأغلبية المطلقة لأعضاء الهيئة الانتخابية، كما أنه لم يفز بها كذلك أحد غيره، وفي مثل هذه الحالة يختار مجلس النواب وفقا للدستور واحدا من الثلاثة الذين حصلوا على أكثر الأصوات، وقد تخطى المجلس أندرو جاكسون، وكان أكثر الثلاثة أصواتا واختار كونسي آدم.
وأذعن جاكسون لحكم الدستور، بيد أنه ما لبث أن جرت إشاعة مؤداها أن فوز آدم على جاكسون إنما يرجع إلى تأثير هنري كليي من كبار زعماء الكونجرس، فلقد دأب هذا الرجل حتى ظفر بإقناع من استطاع إقناعهم من أعضاء مجلس النواب معتمدا على فصاحته ونفوذه ودهائه، وكان هنري يخشى من اختيار جاكسون الجندي للرياسة، مدعيا - فيما ادعى من أسباب - أنه يشفق أن تتجدد باختياره مأساة يوليوس قيصر.
ولكن شعور السخط يملأ البلاد؛ إذ إنها ترى آدم يختار هنري وزيرا للدولة، وقال الناس إن هذا هو الثمن والأمر مبيت من قبل، وإن المصالح الشخصية بدأت تتسرب إلى السياسة العليا للبلاد ... وحمل جاكسون حملة عنيفة على آدم وصاحبه، وكان جاكسون أقرب الزعماء إلى قلوب الناس، يتمتع بينهم بمحبة لم يظفر بمثلها إلا وشنطون، فلما حل موعد الانتخاب للرياسة سنة 1828 فاز جاكسون بأغلبية كبرى، وولي الرياسة رجل يعد في تاريخ أمريكا من أكبر زعماء الديمقراطية، وفي تاريخ الاتحاد مؤسسه الثاني، وفي تاريخ التطور السياسي للبلاد علما من أبرز الأعلام.
كان جاكسون جنديا لا يعرف الالتواء أو اللين، وكان صريح الطبع لا يماري في صداقة أو خصومة، كما كان صادق العزيمة، إذا هم بأمر يعتقد صوابه لا يثنيه عنه شيء إلا الموت، وقد اتصف بالإقدام والهمة، وتجلى ذلك في الحرب ضد الإنجليز سنة 1812، كما تجلى في حرب الاستقلال من قبل.
وكان جاكسون من أصقاع الحدود، وليس لتلك الأصقاع مثل ما للشرق في أمريكا من ثروة ومدنية، ولكنها كانت صادقة الديمقراطية؛ لأن الناس هناك يكادون أن يكونوا سواسية، والناس هناك أهل جلد وعزيمة وأصحاب فطرة سليمة في الجملة، لم تؤثر فيهم تقاليد الحضارة وأوضاع المدنية أثرا كبيرا كما حدث في الولايات القديمة في الشرق.
وكان جاكسون يؤمن بالديمقراطية إيمان جفرسون، أو لعله كان أشد إيمانا بها، وكان يدين بمبدأ سيادة الشعب وأنه مصدر كل سلطة، فلن تقوم حكومة مشروعة إلا إذا رضي عنها الناس وواجبها أن تفعل بمشيئة الناس على ما فيه صالحهم.
Shafi da ba'a sani ba