وممَّا يدلُّ على تستُّره على اسم الملك قوله بعد ذلك: ﴿لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ﴾ لا إلى الملك، أو لعلَّه أخفى اسم الملك لظنِّه أنَّ هذه الرُّؤيا لا تتعلَّق بالملك وحده، وإنَّما تعمُّ النَّاس، ولذلك عَمَّم، فقال: ﴿لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (٤٦)﴾ مكانَك وشأنك، فيكون ذلك سببًا لخروجك من السِّجن.
وكرَّر (لعلَّ) الَّتي تفيد الرَّجاء، فهو يرجو أن يرجع بتعبير الرّؤيا إلى الملك؛ لينال عنده منزلة، فهذا معنى قوله: ﴿لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ﴾ فالنَّاس الملك أوَّلهم، وقوله: ﴿لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (٤٦)﴾ جاء تتميمًا للمعنى وتقريرًا له، وهو توقُّع النَّاس ورجاؤهم في معرفة تعبير هذه الرّؤيا وتأويلها، فالكلام إذا تكرَّر تقرَّر.
تأويل يوسف - ﵇ - رؤيا الملك
فلمَّا سَمِعَ يُوسُفُ منه الرُّؤيا أجابه إلى طلبه على الفَوْر دون قيد ولا شرط، فالعِلْم لا يُكْتَمُ، والعَالم لا يصيرُ جاهلًا، والكريم لا يصيرُ بخيلًا، فأوَّل له البقرات السِّمان والسُّنبلات الخضر سنين مخصبة، والبقرات العجاف والسُّنبلات اليابسات سنين مُجْدِبة.
وأنَّ عليهم أنْ يواظبوا على الزِّراعة في السِّنين السَّبع المخْصِبة، ويدَّخروا فيها ليواجهوا خَطَرَ السِّنين المُجْدِبة، ثمَّ تنقضي السُّنون المجدبة التي تأتي على ما ادَّخروا، ويعقبُها عامُ رَخَاءٍ وخير وبركة، وهو العام الخامس عشر.
فقال - ﵇ - على وجه النُّصح والإرشاد: ﴿تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا﴾ متوالية بجدٍّ واجتهاد، وهي السُّنون السَّبع المخصبة المرموز لها بالبقرات السِّمان والسُّنبلات الخضر. وقوله: ﴿تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا﴾ هو من إطلاق الخبر بمعنى الأمر، فالمعنى: ازرعوا سبع سنين دأبًا، بدليل قوله بعد ذلك: ﴿فَذَرُوهُ﴾.