ولم يطل المطال بغياب الأم، فعادت من بيت السيد رضوان بوجه تلوح فيه أمارات الجد، وقالت وهي تخلع ملاءتها: لم يوافق السيد أبدا.
ثم قصت عليها ما دار بينها وبين السيد رضوان، وكيف قال لها وهو بصدد المقارنة بين الرجلين: إن الحلو شاب، والسيد سليم شيخ، وإن الحلو من طبقتها، والسيد من طبقة أخرى، وإن زواج رجل كالسيد من فتاة مثل ابنتها لا بد محدث متاعب ومشكلات لا يبعد أن يصيب الفتاة بعض من رشاشها، وكيف ختم حديثه بقوله: «الحلو شاب طيب، وقد هاجر في سبيل الرزق طامحا لهذا الزواج، فهو رجلها المفضل، وما عليك إلا أن تنتظري، فإذا عاد خائبا - لا قدر الله - كان من حقك بلا جدال أن تزوجيها ممن تختارين.»
وأصغت الفتاة إليها والشرر يتطاير من عينيها، ثم صاحت بصوت جاف فضح الغضب قبحه: السيد رضوان ولي من أولياء الله، أو هذا ما يحب أن يتظاهر به أمام الناس، فإذا قال رأيا لم يبال مصلحة الناس في سبيل اكتساب الأولياء أمثاله، فسعادتي لا تهمه في كثير أو قليل، ولعله تأثر بقراءة الفاتحة كما ينبغي لرجل يرسل لحيته مترين، فلا تسألي السيد عن زواجي، وسليه إن شئت عن تفسير آية أو سورة .. أما والله لو كان طيبا كما تزعمون لما رزأه الله في أبنائه جميعا.
وارتاعت المرأة، وقالت لها بإنكار وألم: أهذا كلام يقال عن أكرم الناس وأفضلهم؟
فصاحت الفتاة بحدة وقد أنذرت حالتها بشر مستطير: هو فاضل إن أردت، وولي من أولياء الله إن شئت، ونبي أيضا إن أحببت، ولكنه لن يقف حجر عثرة في سبيل سعادتي.
وتألمت المرأة للإهانة التي لحقت السيد؛ لا دفاعا عن رأيه الذي كانت لا توافق عليه في باطنها، ومع ذلك قالت مدفوعة برغبة في إغاظة الفتاة والانتقام من سوء خلقها: ولكنك مخطوبة.
فضحكت حميدة ساخرة وقالت: إن الفتاة حرة حتى يعقد عليها، وليس بيننا وبينه إلا كلام وصينية بسبوسة. - والفاتحة؟ - المسامح كريم. - الفاتحة ذنبها كبير.
فصاحت باستهانة: بليها واشربي ماءها!
فضربت المرأة صدرها وقالت: آه يا بنت الثعبان!
ولاحظت حميدة بوادر الإذعان تلوح في عيني أمها، فقالت ضاحكة: تزوجيه أنت.
Page inconnue