وكانت المرأة آلفة سخطه، معتادة سماع سبابه للزقاق وأهله، وكانت تراه - كأبيه - سفيها لا يصح أن تحتفي بهذيانه، فسكتت عنه وهي تغمغم: اللهم تب علي من هذه الحياة!
ولكن حسين عاد يقول وقد تطاير الشرر من عينيه الصغيرتين واربد وجهه الضارب للسواد: هذه الحياة لا تطاق، ولن أحتملها بعد اليوم!
ولم يكن في وسعها أن تلزم الصمت طويلا حيال هياج أحد، فنفد صبرها الرقيق وصاحت به بصوت دل على أن صوته متوارث عنها: ما لك؟! ما لك يابن اللئيم؟
فقال الشاب بازدراء: لا بد من هجر هذا الزقاق.
فحدجته بحنق، وانتهرته قائلة: أجننت يابن المجنون؟!
فشبك ذراعيه على صدره وقال: بل ثبت إلى رشدي بعد جنون طويل. افهميني جيدا، فلست ألقي القول على عواهنه، ولكني أعني ما أقول، ولقد جمعت ثيابي في البقجة ولم يبق الآن إلا أن أستودعك الله .. بيت قذر .. زقاق نتن، أناس بهائم!
وحدجته بنظرة متفحصة لتقرأ عينيه، فخبلها عزمه المتوثب وصاحت به: ماذا تقول؟
فعاد يقول وكأنه يخاطب نفسه: بيت قذر، زقاق نتن، أناس بهائم.
فهزت رأسها ساخرة وقالت: مرحبا بك يابن الأماثل! يابن كرشة باشا ! - كرشة قطران .. كرشة المشبوه .. أف أف، ألم تعلمي بأن فضيحتنا زكمت الأنوف جميعا؟! .. يغمزونني في كل مكان، يقولون: هربت أخته مع واحد، وسيهرب أبوه مع واحد آخر! وضرب الأرض بقدمه حتى طقطق زجاج النافذة وصرخ غاضبا: ماذا يضطرني إلى البقاء في هذه الحياة؟ سأحمل ثيابي وأذهب إلى غير رجعة.
وضربت المرأة صدرها بيدها وقالت: جننت والله، أورثك الحشاش جنونه؛ ولكني سأدعوه ليردك إلى عقلك.
Page inconnue