سأتصورك عليلا لأشفيك، مصابا لأعزيك، مطرودا مرذولا لأكون لك وطنا وأهل وطن، سجينا لأشهدك بأي تهور يجازف الإخلاص، ثم أبصرك متفوقا فريدا؛ لأفاخر بك وأركن إليك.
وسأتخيل ألف ألف مرة كيف أنت تطرب، وكيف تشتاق، وكيف تحزن، وكيف تتغلب على عادي الانفعال برزانة وشهامة؛ لتستسلم ببسالة وحرارة إلا الانفعال النبيل، وسأتخيل ألف ألف مرة إلى أي درجة تستطيع أنت أن تقسو، وإلى أي درجة تستطيع أنت أن ترفق؛ لأعرف إلى أي درجة تستطيع أنت أن تحب.
وفي أعماق نفسي يتصاعد الشكر لك بخورا؛ لأنك أوحيت إلي ما عجز دونه الآخرون.
أتعلم ذلك، أنت الذي لا تعلم؟ أتعلم ذلك، أنت الذي لا أريد أن تعلم؟
قرب منعطف السبيل
قرب منعطف السبيل، عندما تمثلت انقضاء الماضي، وجمود الحاضر، واستحالة السير إلى الأمام، لم يبق لي سوى اختيار إحدى الميتتين: ميتة طويلة مفعمة بحشرجة القنوط، وميتة الانتحار السريعة المنقذة.
فاخترت هذه على أن أجعلها كيسة مأنوسة لا تلطخها الدماء، ولا تتلوى فيها الأعضاء، واهتديت إلى الأزهار المزعوفة التي تطعم منعها العطر بالسم ولهاث الردى. ولكن، هناك، في تلك الزاوية الضائقة حيث أقام القدر من دواهيه على صدري جدران الحديد ومعاقل الرصاص، هناك قرب حلول الشفق برزت فجأة أمامي.
وأخذت تتكلم عن معان اختفت طي المعاني، وأشياء توارت في الأشياء، وممكنات حجبت في المستحيلات، وخير حصحص وراء الشر، ونور أشرق في لجج الظلام، وسمو تجلى جلال الحقارة.
وكانت يدك تتحرك متريثة متأنية، فبدت منها الإشارات سحرية ساهية، كأنما هي انعكاس إشارات خفية على المرايا المتبحرة في مهجور القصور، وضاء الجو حولي بلألاء الشرف والأبهة والسؤدد، ومشي نظرك توا إلي يكتشف في جديد العوالم.
نظرت، فعلمتني إعزاز الوجود، وأدركت أني ما تخليت أجلي - عند حينه إلا لأتشدد وأتحضر لوثبة كبيرة - كما يتنفس المتسابقون منتعشين متجددين قبيل خطير الأشواط.
Page inconnue