أسماء المشخصين
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
أسماء المشخصين
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الظلوم
الظلوم
تأليف
سليم خليل النقاش
الظلوم (دعجاء؛ أي أولها محزن وآخرها مفرح، ذات خمسة فصول.)
أسماء المشخصين
الملك:
متوسط السن.
وزيره:
متقدم بالسن.
إسكندر:
شاب، يظن به أنه ابن الملك.
لبنى:
عجوز، قابلة حرم الملك.
أسما:
صبية، محبة سليم، يظن بها أنها يتيمة.
سليم:
شاب، محب أسما، يظن به أنه ابن أخت لبنى.
بواب:
في قصر الملك.
حرس:
في خدمة الملك وابنه.
سجان:
على أبواب السجون.
مقدام اللصوص:
بطل شجاع.
لصوص:
عددهم من الأربعة فما فوق.
مقدام العساكر:
بطل شجاع.
عساكر:
عددهم أكثر من عدد اللصوص.
الفصل الأول
(في بيت لبنى.)
الجزء الأول (أسما (نائمة))
أسما (لنفسها) :
حبيبي سليم، لماذا أنت حزين؟ أمرتاب أنت في حبي؟ آه من ظلم الإسكندر، لا لا، لا أرضى سواك ولو كان ملكا أو أميرا في راحة بال.
رضعت هواك يا ذا الحس
ن عن صغر مع اللبن
جرى بمفاصلي كدمي
فأحياني وأنعشني
غرامك أصل تغذيتي
وتعزيتي لدى الشجن
فلا أسلو وحاشا أن
ني أسلوك في زمني
ولا أسلوك حتى بع
د فصل الروح من بدني
الجزء الثاني (أسما (نائمة) - لبنى)
لبنى (لنفسها) :
سبحان ربي لا أحد
يحبه بين الورى
فظ وذو طبع أحد
من حد سيف أبترا
لا يعرف الإنصاف لا
ولا الولا بين الملا
طباعه لا تحتمل
وظلمه أضحى مثل
خاب فيه أملي
ناب عنه مللي
1
نعم، لا أحبه، ولو كان ابن أختي بغير علمه وعلم أحد، فإن طباعه تجعل الناس تنفر منه كل النفور، آه لو تممت إرادة الوزير لكان أوفق (تلتفت نحو أسما) مسكينة أنت يا أسما، فإن حظك قليل ولا يعرف أحد غيري سبب قلة حظك، آه لو كنت أكشف الأسرار كما هي على علاتها، لكنت أنال نعما وافرة، ولكن، لا، ربما كنت ...
أسما (لنفسها) :
لو ملكوني ملكه
كيما أتمم قصده
لرضيت ذلا فيك عن
عز ومجد عنده
2
لبنى (لنفسها) :
أنا أعرف جيدا أنك لا تريدين إلا سليما، وهو لا يريد سواك، وكلاكما ذو حق في ذلك، غير أني أرى الموانع كثيرة؛ ولهذا قد بت في شر حيرة.
أسما (لنفسها، نائمة) :
روحي سليم لا تخف
موتي فلا أرضى سواك
بل أي شيء يا ترى
أحلى لقلبي من هواك
3
لبنى (لنفسها) :
مسكين سليم مسكين، أنا قد ظلمته وهو لم يعلم.
أسما (لنفسها) :
أبدا أبدا لا تتعبوا بلا فائدة.
لبنى (لنفسها) :
بسم الله الحي، من تعني؟ (تتقدم نحو أسما.)
أسما (لنفسها) :
نعم اقتلوني ولا تجبروني على أن أرضى سواه. (تقوم مرعوبة)
نعم نعم، اقتلوني، نعم نعم، اقتلوني وأريحوني.
لبنى :
أسما أسما، ما بالك؟
أسما :
آه يا أماه، رأيت في نومي رجالا ولصوصا كثيرين يريدون قتلي.
لبنى :
لا ترتعبي يا ابنتي لا تخافي. نعم إن اللصوص كثيرون، ولكن بهمة الحكومة سيلقى القبض عليهم قريبا؛ لأن الملك قد اغتاظ من عملهم، فقد توصلوا إلى نهب خزينته بالذات، فصدرت إرادته أن ينادي المنادي أن من يأتيه بهم يغنيه بالمال والأنعام، وقد ذهبت العساكر للتفتيش عليهم، ولا بد من أن يمسكوهم.
أسما :
وهل عددهم كثير يا أماه؟
لبنى :
غير معلوم، ومقرهم أيضا غير معروف.
الجزء الثالث (أسما - لبنى - سليم)
سليم :
ألا بشراك يا أسما
بسعد كامل أسمى
أسما :
ألا ماذا تبشرني
ودهري ظل يقهرني
فما سعدي بغير هواك
وما قصدي بغير رضاك
4
لبنى (بذاتها) :
إني أخاف أن يصل الوزير الآن، وهما هنا، فلا يعود يمكننا أن نأخذ حريتنا كما يجب.
سليم :
أبشرك يا أسما بسعد أكمل وحظ أوفر، وهو أن ابن الملك يريد أن يتخذك امرأة له.
أسما :
لا لا، أنا لا أرضى سواك أبدا، وقد أخبرتني أمي بذلك من خمسة أيام، وكتمته عنك لكي لا أحزنك، ورفضت قبول ابن الملك كل الرفض.
سليم :
وأنا أيضا أخفيت عنك أمر عزلي من وظيفتي منذ ثلاثة أيام لكي لا أغمك، وبعد البحث والتدقيق علمت بأن ابن الملك أمر بعزلي من وظيفتي؛ ليظهر لك ولي عظم اقتداره، وبأنه مزمع على أن يقاصصني شر قصاص إذا كنت لا أتركك، أو أجعلك تبغضينني وتميلين إليه، وأنت تعلمين يا أسما أني لا أقدر أن أقاوم الملوك.
نعم إن لي في الحرب صولة ضيغم
تحكم في قلب العدا الرعب والذعرا
وإن جالت الفرسان لم أر منهم
وجوها ومني لا يرى أحد ظهرا
ولكن معاداة الملوك عسيرة
يرى العسر من يعصي لهم في الورى أمرا
ومن الجهة الثانية أرى نصيبك بابن الملك نعم النصيب؛ ولهذا أتيتك مبشرا وعزمت على أن أهيم في البراري والقفار ولا أعود.
أسما :
لا لا، بئس الرأي. كأنك تشك في محبتي يا سليم.
سليم :
أحسنت، إذن فلنتعاهد على حفظ الوداد.
أسما :
لا حاجة لتجديد العهد فقديمه ثابت الأركان، ومع ذلك هاك يدي (تضع يدها بيده) .
الاثنان :
عاهدت ربي أنني
على عهودك ألبث
لا خير فيمن ينثني
عن عهده أو ينكث
حتى ولا بالرغم لا
نخون عهدا بيننا
كذاك نبقى في الولا
حتى نلاقي بيننا
نبقى نبقى نبقى نبقى في حفظ العهود
حقا حقا حقا حقا لا عاش الجحود
5
سليم :
يا خالتاه، من أين اهتدى ابن الملك إلى أسما؟ أما يكفيه ما عنده من البنات والجواري؟
لبنى :
يا ولدي قد رآها منذ عشرة أيام، فسأل عنها فأخبروه بها، فأرسل يطلبها مني سرا، فأخبرت أسما فأبت، وإلى الآن لا أعلم كيف أعمل. فمن جهة محبتكما في قلبي لا تقدر، وأريد كل ما يرضيكما ويسركما، ومن جهة ثانية فابن الملك عنيد ظالم حقود.
فظ عنيد كاسر
قرم مريد غاشم
عات حقود معجب
قاس جحود ظالم
6
سليم :
نعم نعم، شتان بينه وبين أبيه. أبوه في كل أسبوع يزور السجون، ويتفقد أحوال المسجونين، رحوم حليم شفوق، ولكن حاشا لله أن يكون ابن أبيه. فكم وكم ممن أضر بهم ظلمه يحيون الليل بالدعاء عليه، وكم بظلمه من أثر في الرعية.
أسما (لنفسها) :
آه آه من ظلمه، ولكن لا يفلح الظالمون (وتذهب) .
الجزء الرابع (لبنى - سليم)
سليم :
يا أماه، ومن كلف خاطره وأخبر ابن الملك بأحوال أسما؟
لبنى :
لا أعلم يا ولدي، والذي أعرفه أنهم أخبروه بقصتنا على التمام، وكيف أن أم أسما كانت جارتي وتوفيت تاركة أسما طفلة لا أهل لها ولا من يسأل عنها، وكيف أني أخذتها إلى بيتي وربيتها معك وأنت وقتئذ قد فقدت والدتك، أعني المرحومة، وأخبروه أيضا بأنك تحب أسما وأن أسما تحبك، وبالجملة فإن عنده جميع القصة من أولها إلى آخرها.
سليم :
وكيف الطريقة الآن؟
لبنى :
الطريقة؟ لا أعلم.
سليم :
لا تعلمين! آه من قلة حظي! (ويذهب بسرعة.)
لبنى :
تعال، إلى أين؟
الجزء الخامس (لبنى)
لبنى (لنفسها) :
مسكين قلبي يتوجع عليه وعلى أسما، ولكن ما من سبيل إلى تخليصهما من شرك ذاك الظالم؟ (تفتكر قليلا) قد أبطأ الوزير ما عساه يريد يا ترى بمقابلتي سرا؟ مسكين الآخر مغشوش وغير عالم بحقيقة الحال، ولو علم لكان بلا شك ينتقم مني، يا ربي كيف تكون النهاية.
الجزء السادس (لبنى - وزير (بزي درويش))
وزير :
يا لبنى، هل من أحد يرانا أو يسمعنا؟
لبنى :
كلا يا سيدي.
وزير :
قد أتيت لأظهر لك أن إسكندر قد عدم رشده في هوى أسما، وقد عجزنا ولم نقدر على إرجاعه عن عزمه، ويريد أن يتخذها امرأة له، وقد أظهر استعداده لإجراء كل الوسائط الممكنة ليحصل عليها، ولو كلفه الأمر فقد حياته، ولأجل هذا كنت توجهت في صباح هذا اليوم؛ لأخبر الملك بأمر إسكندر وعشقه لأسما، عسى يردعه عن ذلك إذ من جهة لا يقبل الملك قط أن يزوج وحيده بابنة فقيرة، ونحن من الجهة الثانية لا نقدر أن نكشف له حقيقة حال أسما خوفا من غضبه. إلا إنني يا لبنى عند دخولي عليه وجدته في اضطراب زايد، عابس الوجه مقطب الحاجبين، وقبل أن أحييه بالسلام ألقى إلي ورقة وقال: اقرأ. فقرأت هذه الكلمات: «أيها الملك الجليل، ابحث ودقق لتعلم حقيقة حال مولودك، وخذ في ذلك رأي الوزير.»
لبنى (لنفسها) :
يا لطيف.
وزير :
والورقة مكتوبة بخط الملكة المرحومة، وتاريخها قبل موت الملكة بمدة وجيزة، يعني بعد أن ولدت بسنتين.
لبنى :
وكيف اتصلت هذه الورقة إلى الملك؟
وزير :
قد وجدها مع أوراق في مخدع الملكة الذي بقي مقفلا بعد وفاتها إلى صباح هذا اليوم، وقد دخله الملك نفسه فوجد فيه ما وجد، والظاهر أن الملكة عند موتها كتبت هذه الورقة التي بقيت محفوظة في مخدعها إلى اليوم.
لبنى :
يا ربي، وكيف تصرفت أمام الملك أيها الوزير؟
وزير :
كيف تصرفت! آه آه، يظن الناس أن قربهم من الملوك سعادة لهم، والحال بالعكس. نعم إنهم يكتسبون شرفا ومالا وعطايا، ولكن تكون عيشتهم دائما متعبة؛ لأن أدنى حركة يأتون بها مغايرة لخاطرهم، ربما تذهب بكل خدماتهم السالفة وربما تفقدهم الحياة أيضا.
لبنى :
الحق معك أيها الوزير الجليل، فأنا لو لبثت كما كنت قبل أن أصل إلى أن أكون قابلة الملكة لكان أوفق لي. نعم إني كنت أعيش في فقر شديد، ولكني على الأقل أبات مرتاحة البال.
وزير :
وأنا ماذا أقول؟ فشتان بيني وبينك.
لبنى :
والنتيجة ماذا جرى بعد هذا؟
وزير :
قد أفرغت جهدي بتسكين غضب الملك وتلطيف هيجانه، ولكن بدون فائدة، وأخيرا أعطاني مهلة يومين فقط لأظهر له ما في الورقة من الأسرار، وقد تزايد الخوف بي كثيرا ولا أعلم كيف أعمل.
لبنى :
ولماذا لم تخبر الملك؟
وزير :
أخبر الملك! ما شاء الله، لا يكون جوابه إلا قطع رأسي.
لبنى :
لا لا أخبره بأن ابنه يريد أن يتزوج بابنة عديمة الأصل، وأقنعه بأن يجبره على تركها ويزوجه حالا بغيرها.
وزير :
حسن، ولكن إذا أصر إسكندر على عناده؛ لأني أعلم جيدا أن أسما لا تريده زوجا لها؛ نظرا لسوء طباعه، والحق معها، فأنا أيضا أكره طباعه وتصرفاته جميعها، ولكن ...
لبنى :
إذا أصر على العناد ولم يقدر الملك على إجباره ... لا أعلم.
وزير :
عندي رأي؛ وهو أن تأخذي أسما وسليم وترحلي بهما إلى غير هذا البلد، وزوجيهما هناك و...
لبنى :
ما شاء الله، وإذا اهتدى إسكندر إلينا، أما يأمر بقتلي أو بشنقي حالا؟
وزير :
وكيف العمل إذا؟
لبنى :
العمل كما قلت لك، أخبر الملك بحقيقة الحال، ثم يفرجها المولى.
وزير :
أخبر الملك! ها هي أسما مقبلة، مسكينة يا أسما.
الجزء السابع (أسما - لبنى - وزير)
أسما :
يا أمي، من هذا؟
لبنى :
هذا، هذا درويش يا ابنتي، يبصر البخت ويعرف علم سر الحرف.
أسما :
ما هو هذا العلم؟
لبنى :
هذا العلم يعلم كشف الخبايا بقوة الطلاسم وغيره ... و... ماذا تريدين يا ابنتي بدخولك؟
أسما :
أردت أن أخبرك بأني رأيت من الشباك فقيرا يحاول دخول دارنا ليتسول، ولكنه لم يهتد إلى الباب، وهو يتغنى بأنغام محزنة شجية.
لبنى (لنفسها) :
مسكين، الظاهر أنه كان غنيا فأصبح فقيرا.
وزير :
ربما كان ذلك، فالزمان يأتي بالعجائب، فلا يجب على الإنسان أن يأتمنه، بل يجب أن يحذر دائما مكره وغدره. فكم غني أمسى فقيرا وكم صعلوك أصبح غنيا قديرا.
أسما :
أسألك يا درويش الخير أن تنظر إلى بختي وتخبرني.
وزير :
ما هو اسمك؟
أسما :
اسمي أسما.
وزير :
واسم أمك؟ لا لا، أعرفه.
أسما :
من أين تعرفه؟
وزير :
بقوة السحر.
أسما :
وكيف بقوة السحر عرفت اسم أمي، ولم تعرف اسمي أنا؟
وزير :
السحر يعلمنا معرفة أسماء الوالدين فقط. أريني كفك اليمين، أقول لك بحرية إنك عاشقة، لا تخافي يا ابنتي، فما في العشق المرتب من عيب، ولكن دون نيل مقصدك مصاعب ومتاعب شتى.
أسما (لنفسها) :
صحيح صحيح.
وزير :
والذي تعشقينه هو أيضا يحبك بنوع لا يوصف، إلا أن له مزاحما جبارا عنيدا.
أسما :
قبل كل شيء أرجو أن تفيدني هل أحظى بحبيبي ويحظى بي أم لا؟
وزير (لنفسه) :
هذا مشكل (يدمدم) .
لبنى (لنفسها) :
ماهر الوزير ما شاء الله في فن السحر.
وزير :
يستدل من هذا الخط الذي عند الإبهام إذا كان مستقيما والخط المعوج من البنصر إلى الوسطى، ومن الخنصر إلى السبابة، ومن اتساع الخطين اللذين بين ... في سطح الكف ... (بذاته)
لا أدري ماذا أقول.
لبنى (لنفسها) :
مسكين، ارتبك.
لبنى :
يستدل من هذا أنها سعيدة.
وزير :
أي نعم، سعد قريب وتوفيق عجيب، اسمحا لي الآن بالذهاب، فعندي بعض أشغال (ويهم للذهاب) .
أسما :
لا لا، كمل لي العبارة، فقد سررت بشرحك كل السرور يا وجه الخير، ما هو اسمك الكريم؟
وزير :
اسمي درويش، وأود أن أذهب بدون تأخير (ويهم أيضا للذهاب).
أسما :
اصبر قليلا، درويش ليس اسما، وأنا سألتك عن اسمك.
وزير :
سآتي إليكما مرة أخرى فنتحدث مليا (ويهم للذهاب) .
أسما :
ولكن ...
لبنى :
دعيه يا ابنتي، فإن الدراويش لا يراجعون فيما يفعلون.
وزير (للبنى سرا) :
لقد أخبرتك بما كان، فعليك أن تساعديني لإيجاد طريقة مناسبة (ويذهب) .
الجزء الثامن (أسما - لبنى)
أسما :
كيف يتصل الناس يا أماه إلى علوم كهذه، يكتشفون بها أسرار الناس الغامضة؟
لبنى :
هذا السؤال لا أعرف عنه جوابا، وأنا قد سألته قبلك فما أفادني أحد؛ فمنهم من قال بقوة الطلاسم، ومنهم بمعرفة سر الحرف، ومنهم غير ذلك، ولم أفهم شيئا من كل هذا، ونحن ما لنا ولهذه المسائل نتعب أنفسنا بالبحث عنها.
أسما :
لا يا أمي، لا تغلطي، يجب علينا أن ... (تسمع غناء الفقير فتنتبه له.) (إسكندر ينشد وراء المرسح):
حنوا على البائس المسكين واغتنموا
أجر الفقير فإن الله ذو كرم
أسما :
اسمعي اسمعي، هذا هو المسكين الذي كان تحت الشباك. اسمعي.
إسكندر :
جودوا فإني غريب الدار منقطع
وجودكم لنظيري خير مغتنم
7
أسما :
مسكين مسكين، اسمحي لي أن أناديه فنطرب بصوته قليلا إلى أن يرجع سليم.
لبنى :
لا بأس. (أسما تفتح الباب.)
الجزء التاسع (لبنى - أسما - إسكندر (بزي شحاذ))
أسما :
تعال ادخل فنعطيك على قدر إمكاننا ومقدرتنا. (لنفسها)
آه كم يتعذب صاحب القلب الحنون.
إسكندر :
إني غريب الدار
وكنت في أوفى غناء
حوادث الأدهار
قد أوقعتني في البلاء
فقدت مالي
وا لهفي
وبت ما لي
من مسعف
أصبو إلى الأسفار
عسى بها دواء دائي
8
أسما ولبنى :
مسكين مسكين (تتكلمان سرا) .
إسكندر (لنفسه) :
آه يا أسما، متى أتمتع بجمالك الأسمى؟
لبنى :
أعطيه يا ابنتي فداء عنك، فإن الله يحب المحسنين.
أسما :
صدقت، ولكني أود أن أسمع تتمة قصته. أسمعنا يا ... ما هو اسمك؟
إسكندر :
اسمي يوسف.
أسما :
أسمعنا يا يوسف تتمة أخبارك، وأطربنا فنعطيك ما يكفيك. ماذا جرى لك في الأسفار؟
إسكندر :
ما زلت أضرب في سهل وفي جبل
وحبل سعيي بذيل النحس معقود
الجزء العاشر (لبنى - أسما - إسكندر - سليم) (سليم يستفهم من أسما بالإشارة عن إسكندر.)
إسكندر (لنفسه) :
حتى اكتشفت على كنز طربت به
لكن به زاد قهري فهو مرصود
ولم أزل باحثا في جل طلسمه
عساه يكمل بعد الجهل مقصود
9
أسما (لسليم) :
وقال إنه كان ذا ثروة عظيمة، والآن أصبح مسكينا.
إسكندر (لنفسه) :
هو هو المزاحم، آه لو كان معي سلاح لكنت أقتله، ولا أبالي بالفضيحة والعار.
سليم، لبنى، أسما :
إن مثل هذه الأمور تعلمنا أن لا شيء يدوم في الدنيا، فدوام حال من المحال.
لبنى :
ولهذا يا ولدي لا ينبغي أن تحتقر الفقير الصعلوك، فربما صار في الغد معززا تحتاجه، فإن كنت أحسنت إليه في حال عسره لا بد أن يتذكرك في يسره.
سليم :
ادخلي يا أسما، وأتيه بما تيسر. (أسما تدخل.)
الجزء الحادي عشر (لبنى - سليم - إسكندر)
إسكندر (لنفسه) :
آه يا ليت يمكنني المقام هنا دائما لأتمتع بمرآها، فلا يقر لي قرار إلا بأن أراها.
سليم :
ولماذا لا تتعاطى صنعة من الصنائع؟ أليس ذلك خيرا لك من الشحاذة؟
إسكندر :
وأية صنعة أتعاطها؟ وما في هذا البلد من صنائع للمساكين نظيري؟
سليم :
لا يجب أن يقعدك الكسل، فأنت لم تزل شابا وتقدر أن تتعاطى أية صنعة تعيش بها.
الجزء الثاني عشر (لبنى - إسكندر - سليم - أسما)
أسما :
خذ يا يوسف هذا ما تأكله، وخذ هذا القميص فإن ثوبك قد تمزق فالبسه، ردك الله إلى أهلك كما رد يوسف سميك إلى يعقوب.
إسكندر (للجميع) :
مني لكم شكر أجزل
فقد حفظتم وجودي
دوموا بإسعاد أكمل
للدهر يا أهل الجود
زدتم علي إحسانا
ففضلكم فرضا يشكر
وقيتم مما شانا
ما أشرق البدر الأنور
10
سليم :
اقصدنا يا يوسف حينا بعد حين، فلا نبخل عليك بالعطاء.
سليم، لبنى، أسما :
وليدخل الآن كل منا مخدعه، فقد آن أوان النوم.
إسكندر (لنفسه) :
آه آه.
أفارقها على رغم وإني
أغادر عندها والله روحي
أسما (لسليم) :
حقيقة صوته مطرب.
سليم :
مسكين.
لبنى (لنفسها) :
يا رب ترد كلا إلى أهله (ويدخلون إلا إسكندر) .
إسكندر (للجميع) :
بالهنا وبالإقبال
دوموا يا كرام
واسلموا مدى الأزمان
واغنموا السلام
صانكم من الأهوال
خالق الأنام
ما شدا على الأغصان
طائر الحمام (وهو خارج متبسم، لنفسه):
أي متى أرى يا أسما
حسنك الفريد الأسمى
صار من نصيبي قسما
فأقول سعدي تما
قرب الإله المنان
نيلي المرام
فهو ذو العطا والإحسان
بحسن الختام
11
الفصل الثاني
الجزء الأول (وزير - حرس) (في دار إسكندر.) (يوجد طاولة عليها قميص وزجاجة فيها دم.)
وزير (لنفسه) :
من يعرفه أنه ابني وهذه طباعه! ما هذه الحال؟ ما هذا المشكل؟ كيف التدبير؟ وذلك مسكين كأنه حمامة وديعة، فقد استمال إليه قلبي ... عناد عناد. ما هذا وكيف العمل؟ لا بد من قتلهما إن لم أنل منهما الأرب، كيف تقتلهما يا ظالم، أما عندك شفقة ولا رحمة؟ يا ربي كيف التدبير؟
الجزء الثاني (وزير - إسكندر - حرس)
إسكندر :
أرسلت أستدعي سليم وأسما، وقصدي أن أجرب كلا منهما على انفراد وبغير علم رفيقه، فأرجوك أن تتركنا بخلوة لأرى كيف تنتهي الأمور، وأعلمها عاقبة العصيان لأوامري.
وزير :
أحسنت، ولكن أرجوك أن تعاملهما بالرفق ولا تجعل غضبك يهيج، وتذكر نصيحة طالما كررتها لمسامعك الشريفة:
افعل لغيرك ما يسر
ك أنه لك يفعل
إني أراها خير فل
سفة لدى من يعقل
فتصور ذاتك يا مولاي في مركزهما، أتطيق أن يزاحمك أحد أو يحرمك لذتك ليستأثر بها دونك
إسكندر :
ما شاء الله على هذه الفلسفة. وهل لا يجب على كل فرد من أفراد الرعية أن يطيع أوامر ملكه؟ وإلا فلأي شيء نحن ملوك؟
وزير :
أحسنت يا سيدي، ولكن الملوك ليسوا إلا أمناء، وليس شعبهم إلا وديعة عندهم، وإن كان الملك ظالما فإلى من يشتكي المظلوم. تأمل يا مولاي ...
إسكندر :
دعني، دعني الآن من فلسفتك، واذهب عني في الحال.
وزير :
الله أعطاه يا سيدي، وعندك أحسن منها ومن يغنيك عنها، وهو لم يصعب عليه كون الله جعلك ابن ملك وجعله فقيرا صعلوكا، فسبحان مقسم الحظوظ.
إسكندر :
لله دعني أيها الوزير، إني أراك قريبا تخرف.
وزير (لنفسه) :
أستحق أكثر من هذا أيضا، فأنا السبب في كل ذلك.
إسكندر (لنفسه) :
أف، ضاقت بي الدنيا بفسيح جوانبها.
وزير (لنفسه وهو ذاهب) :
يجب أن أستدعي لبنى للتبصر بهذا الأمر، لا لا، الأوفق قبل ذلك أن أخبر الملك.
الجزء الثالث (إسكندر - حرس)
إسكندر (لنفسه) :
ضاع صبري ضاق صدري
ولقد زاد النكد
ولقد حرت بأمري
فوهى مني الجلد
كنت من قبل أراها
في نعيم مستديم
فاعتراني من هواها
في الجوى حر أليم
1 (يفتكر)
الأوفق أن أتبع رأي الوزير، ومتى حضر الآن سليم أتملقه وأعده بالعطاء وغيره، وإذا أصر على العناد ... (يفتكر.)
الجزء الرابع (إسكندر - سليم - حرس)
سليم :
مولاي عبدك حاضر
طوعا لأمر الآمر
إسكندر :
أحسنت فادخل يا فتى
وابشر بخير وافر
إني من بضعة أيام قد أمرت بعزلك من وظيفتك، وما ذلك إلا لأجرب صبرك وثباتك، وإني قد وجدتك كما أحب أن أجدك، فقد رأيت أن أستدعيك إلي وأعوض عليك ما فقدت، فتمن علي الوظيفة التي تريدها فإني أمنحك إياها.
سليم :
أطال الله عمر مولاي، فما للعبيد سوى الضراعة لله بحفظ مواليهم.
إسكندر :
وإني أهبك الدار التي بنيتها جديدا على شاطئ النهر مع من فيها من الخدم والبنات والجواري، وهي مفروشة بأثمن الأثاث، وقصدت أن أعينك كاتم أسراري لكي تعيش سعيدا، وكل هذا لا أرضى منك تعويضا عنه سوى ...
سليم :
سوى ماذا يا سيدي؟
إسكندر :
سوى، سوى أسما.
سليم :
سوى أسما!
إسكندر :
نعم، أريد أن تكف عن محبتها واعشق سواها من تريد.
سليم :
أتظن ما أوليت من نعم يوا
زي حب أسما كي أميل إلى البدل
حاشا فملك الكون عندي لا يسا
ويه ولا يرضى بغبن من عقل
وإذا افترضت المستحيل وعفتها
وسلوت حبيها وحاشاي الزلل
هل بعدها يحلو لقلبي أن يهي
م وهل يروق لناظري حسن وهل
كلا فلا تطمع بأن أسلو هوا
ها إن ذاك مقدر منذ الأزل
إسكندر :
خل عنك الجهل واترك ذا الغرور
واقبل النصح لتحظى بالحبور
فإذا غادرتها تنفي الشرور
عنك إذ تبلغ مجدا وهنا
سليم :
لست أسلوها ولو ذقت الفنا
فهي قصدي وهي سؤلي والمنى
إسكندر :
هجت نيراني كقدح بالزناد
فتلظى غضبي في كل ناد
إن تعمدت على هذا العناد
فبحد السيف أشفي العللا
سليم :
لست أسلوها ولو ذقت البلا
فهي قصدي وهي سؤلي في الملا
إسكندر :
هل دهاك الجهل أم هذا جنون
لم يعد نحوك لي قلب حنون
فاسلها أو فانتظر كأس المنون
فاصطباري فر مني والسلام
سليم :
لست أسلوها ولو ذقت الحمام
فهي قصدي وهي سؤلي والمرام
2
إسكندر :
ويلك يا جهول، ألا تهاب نقمتي؟ ألا تلين لنعمتي؟ اقبل النصيحة واتركها، كفاك جنونا.
سليم :
إن هذا الأمر صعب المنال، وما الذي يضطرك يا مولاي لمزاحمتي؟ فإن الله لم يرزقني من ملذات هذه الدنيا سوى محبة أسما، وأما أنت فقد أوجدك الله ابن ملك محفوفا بكل أنواع المسرات والملذات، فعلام تزاحمني بنصيبي؟
إسكندر :
هذه المحاولات لا تفيدك شيئا، فأجبني بكل تصريح.
سليم :
بكل تصريح لا أتركها ولو سكنت الضريح.
إسكندر :
يا قليل العقل، انظر إلى هذه القنينة (يرفع القنينة التي تكون على الطاولة)،
فتعلم إلى أين أوصلكما جهلكما أنت وأسما.
سليم :
وما هذه القنينة؟
إسكندر (ضاحكا) :
قد استحضرت أسما إلى هذا المقام وخاطبتها كثيرا، فأصرت على العناد فذبحتها كيدا بك، وهذا هو دمها.
سليم :
ذبحت أسما، وما الفائدة من حياتي إذا؟ فاقتلني أنا أيضا. أسما ماتت وأنت تخوفني بالموت، وهو لي أهون من شرب الماء.
إسكندر :
وقد استدعيتك لأرى إذا كنت مجنونا نظيرها، فوجدتك أشد جنونا، فتحمل الآن غضبي وسخطي. (للحرس)
أودعوه السجن وليعان العذاب الشديد.
سليم :
مولاي أرجو رحمة
من فرط جودك يا همام
لم يبق لي من مأرب
أرجوه ما بين الأنام
فكما قتلت حبيبتي
احكم بقتلي والسلام
إسكندر :
لا لا، كما أنكما عذبتماني بعنادكما، وأورثتماني حسرة لا تزول، هكذا أريد أن أنتقم منك بطول حياتك كيما يطول عذابك، فاذهب إلى السجن واصرف بقية عمرك بالعذاب. (للحرس)
خذوه في الحال وتحفظوا عليه كالواجب (الحرس يمسكون سليم) .
سليم (لنفسه) :
آه يا أسما، موتك قبلي حملني ما وفر عنك من الآلام. (يأخذه الحرس.)
الجزء الخامس (إسكندر - حرس)
إسكندر (لنفسه) :
نما عجبي من مثل هذي العجائب
فقد جعلتني حاضرا مثل غائب
أنا ابن مليك ذاع في الكون صيته
وما من سبيل لي لنيل مآربي
ويعصيني الصعلوك لم يخش سطوتي
وعزمي أمضى من شفار القواضب
كأني لم أعرف بأني ابن مالك
وقدري سني فوق أسنى الكواكب
وأعجب من هذا أريد وأشتهي
أحيط بخصمي الويل من كل جانب
وما قتله عندي عسير وإنه
لأيسر من تمزيق بيت العناكب
ولكنما حبي لأسما يصدني
ويمنعني نيل المنى والرغائب
وحبي لأسما فهو أيضا يميل بي
إلى قتل خصمي وهو أكبر جاذب
وأعجب من ذا كلما زاد صدها
أزيد بها حبا وتحلو مطالبي
لك الله يا أسما ألا ما رحمت من
بحبك قد لاقى أشد المصاعب
عدمت اصطباري لا أحول عن الهوى
ولو ذقت في حبيك شر المصائب
الجزء السادس (إسكندر - أسما - حرس)
أسما :
قد أتت عبدتك يا سيدي حسب الأمر المطاع.
إسكندر :
أهلا بربة الحسن والجمال، الفريدة الخصال، المكملة الأوصاف، الزهية الألطاف. ألا تسمحين لي برفع هذا النقاب قليلا؛ لأشفي بمرآك غليلا، ولك علي ما تشتهين وتحبين، فأنت مالكتي وإني لأوامرك رهين (يهم أن يرفع نقاب أسما فتمنعه) .
أسما :
أستغفر الله، فأنت تاج الراس، وملك الناس.
إسكندر :
لماذا تحرمينني من مرأى جمالك الفتان؟
أسما :
لم تجر هذه العادة قبل الآن.
إسكندر :
اسمحي بأن أجريها.
أسما :
لا أريد أن أكون البادية فيها.
إسكندر :
ماذا يضرك؟
أسما :
لا يضرني ولكن ... لا أريد.
إسكندر :
آذني لي ولو قليلا.
أسما :
هذا شيء بعيد (بنفور وإعراض) .
إسكندر :
حتام هذا الخفا يا ذات كل بها
فهل حلا لك تعذيبي وتوليهي
قتلت بالصد قلب الصب فانعطفي
وعالجيه بوعد منك يحييه
لا تظلميه فلا ذنب له أبدا
إلا تظلمه مما يقاسيه
أسما :
أرجوك أيها الأمير أن توضح أفكارك، فإني أرى ...
إسكندر :
أفكاري هي أن ترفعي القناع يا أسما.
أسما :
مستحيل.
إسكندر :
لا يمكن إلا أن ترفعيه.
أسما :
لا حول ولا قوة إلا بالله. أمرك (ترفع نقابها) .
إسكندر (بذاته) :
بدا حسنها الفتان
فما الشمس والأقمار
وصالت على الولهان
بقد حكى الخطار (لأسما):
ألا يا منى قلبي
دعي الصد يا أسما
ولا ترفضي حبي
فلم أقترف جرما
3
علام يا نور العين تعاملينني بالصدود؟ ألا أستحق تنازلك إلى ودادي؟ جاوبيني.
أسما :
أستغفر الله، أنا لا أستحق تنازلك، ولا يليق بقدرك أن تتنازل إلى فتاة حقيرة نظيري.
إسكندر :
لم يعد لي من قدر وشأن، لدى حسنك الفريد الفتان. فاقبلي كلامي يا أسما وجاوبي حبي، فأمنحك ما تشائين وأسلطنك على كل مملكتي (أسما تصمت).
دعي قلبك يميل منعطفا إلي لا إلى غيري، فتفوزي بالسعادة (أيضا تصمت).
أسما اقتبلي كلامي، أسما اقتبلي كلامي.
أسما :
لم أقتبل هذا الكلام
قلبي غدا منه كليم
فاسمع جوابي والسلام
ما بغيتي إلا سليم
ريم على كل الملاح
يسمو فقد عز المليح
من فرقه شمس الصباح
تجلي محياه الصبيح
4
إسكندر :
كيف هذا! تميلين إلى صعلوك دنيء وترفضين ابن ملك يمنحك عزا وخيرا، ويجعلك ملكة زمانك وسلطانة عصرك وأوانك؟
أسما :
كل سعادة بلا سليم هي عندي شقاء عظيم.
إسكندر :
دعي عنك ذكره، فإنه غير أهل لك، واقبلي قلبي الذي ما ذل إلا بين يديك، فمن هو سليم ومن هم نظراؤه؟
أسما :
هو حياتي، هو رجائي، هو بغيتي، هو سؤلي.
إسكندر :
أسما، عودي إلى عقلك واقبلي نصيحتي فإني أغنيك.
أسما :
إن غنائي سليم ولا شيء عنه يغنيني، فاقتصر ولا تطمع بالمحال.
إسكندر (لنفسه) :
حتى متى أصطبر! فقد وهى جلدي، وعدمت رشدي.
أسما (لنفسها) :
إذا عاملته باللين والرقة يطمع في بلا إشكال.
إسكندر :
والآن.
أسما :
كذي قبل.
إسكندر :
أسما اجعلي صرفا لهذه الأمور، خير لك.
أسما :
إن شئت صرفها، فاصرفني من بين يديك.
إسكندر :
اتركي الجهل فمن يجهل
نادم من بعد حين
ذا عناد منك لا يجمل
فاقبلي النصح الثمين
لا تظني غضبي في سكون
بعد هذا التعب
فلم يعد غيظي يطيق الكمون
فاحذري من غضبي
أسما :
مولاي، بالاختصار سليم هو نصيبي، فلا أتركه أبدا.
إسكندر :
ألهذا الحد تتجاسرين يا غبية؟ فلأعاقبنك كما عاقبته.
أسما :
غاية مرادي أن أنال ما ناله، فنحن في الوداد سواء.
إسكندر :
ويلك، وما الفائدة الآن من ودادك له وهو لم يعد في قيد الحياة؟
أسما :
لم يعد في قيد الحياة؟
إسكندر :
وهذا دمه (يريها القنينة) .
أسما :
هذا دمه!
إسكندر :
نعم، فقد استحضرته وعجزت، ولم يقبل أن يتركك، فقتلته وحفظت دمه لأريك عاقبة عناده.
أسما :
إذا كنت قتلته، فلماذا لا تقتلني أنا أيضا؟
إسكندر :
قتلته لكونه يمنعني نيل آمالي منك.
أسما :
بئسما فعلت يا ظالم! (لنفسها)
لهفي عليك يا سليم يا حافظ العهد والذمام.
أين سيفك؟ أين حسامك يا عديم الحنو؟ فاغمده في عنقي كما أغمدته في عنق حبيبي، يا سافك الدماء.
إسكندر (بغضب) :
كفي اجتراءك يا جسورة واقصري
هذا الملام فقد فقدت تصبري
أسما :
ألم تشفق على صباه؟
إسكندر :
لا عشت إن لم أنتصف من كل من
يعصي مراسيمي وحق الأكبر
أسما :
ألم تأخذك الشفقة على جماله؟
إسكندر :
أنى تخالفني صعاليك ولي
بأس أحد من الحسام الأبتر
أسما :
ألم ينفطر عليه قلبك يا قاسي القلب؟
إسكندر :
فلأجعلن الجن ترهب سطوتي
والأرض ترجف تحت حافر أبجري
أسما :
علام تبقي علي؟ اقتلني وأرحني. (لنفسها)
آه يا حبيبي سليم، موتك حملني ما وفر عنك من الآلام. أمثلك يقتل؟ ويقتل ظلما! عاقب الله كل ظالم بما يستحق.
إسكندر (متمشيا) :
لم يحتمل هذا العمل
قد هاج في قلبي الغضب
إن لم تطيعي بالعجل
أمري فإحظي بالأرب
أسما :
هيهات قد خاب الأمل
إسكندر :
لاقيت من سيفي العطب (عندما تقول: «هيهات قد خاب الأمل» يهجم عليها سالا خنجره ليضربها، فيدخل الملك.)
الجزء السابع (إسكندر - أسما - ملك - حرس)
ملك :
تأن أيها الجهول، ما هذا العمل! لقد سمعت أنك عاشق فتاة فقيرة، وقد قصدت أن تتزوجها، ولم أصدق عنك ذلك حتى أتيت بنفسي لأتحقق الأمور.
إسكندر :
نعم نعم، الذي أخبرك صادق، وهذه هي الفتاة التي أهواها، فانظر إليها واعذرني.
ملك :
أحسنت، ولكن هل الذي يهوى بنتا يجرد عليها السلاح؟
إسكندر :
حيث لم تقبل طلبي قصدت أن أفزعها وأستعمل كل الوسائط للحصول عليها؛ لأنها ملكتني وتيمتني (الملك يتأمل أسما التي تكون واقفة حزينة) . (للحرس)
خذوها الآن، وبعد ذهاب أبي أرجعوها. (يتكلم سرا عن أبيه.)
ملك :
نعم إنها بديعة الجمال، ولكن لا يليق بشأن الملوك أن يتنازلوا إلى فتاة فقيرة كهذه ويعشقوها.
إسكندر :
كيف لا أعشقها، وهل أقدر ألا أعشقها؟
ملك :
صحيح، فإن فيها جاذبا يستميل القلوب، ولكن لو كانت من عائلة شريفة لا بأس. (لأسما)
لا تبكي أيتها الصبية ولا تحزني، واذهبي إلى بيتك وعيشي بسلام.
أسما :
وقاك الله يا مولاي ضيرا
وجازى فعلك المبرور خيرا (تذهب.)
الجزء الثامن (ملك - إسكندر - حرس)
ملك :
وعلى ما أرى أنها غير قابلة ما تروم، ولا يجوز أن تغتصبها، فمن لا يحبك إلا تكلفا لا تنتظر منه الأمانة.
إسكندر :
وكيف أعمل إذا؟
ملك :
وكيف تعمل؟ دعها من فكرك، وإن شئت فأخطب لك بنت ملك الفرس؛ فإنها بديعة الجمال فريدة الخصال، وتليق بمقامنا، فإنها بنت ملك، وإذا أردت فأخطب لك بنت ملك الشام فإنها أيضا ...
إسكندر :
لا يمكنني يا أبي أبدا أبدا؛ فهذه الفتاة غاية مرادي، فلا أحول عنها إذ لا يمكنني أن أحول.
ملك (لنفسه) :
ما هذه الطباع التي له!
ملك :
انظر من تريد من البنات سواها؛ لأخطب لك إياها.
إسكندر :
لا أقدر، لا أريد إلاها.
ملك :
اسمع كلام أبيك يا إسكندر وانتصح.
إسكندر :
هيهات فإني أرى ذاتي غير قادر على تركها؛ لأن محبتها تملكت حشاشتي، فلست أسلوها أو أتركها إلا بالموت.
ملك :
أهذه هي طاعة البنين للوالدين، وعلى الخصوص نحن الذين علينا أن ننهج بذلك صراطا مستقيما للرعية، فلا عجب إذا عصاني أحد رعيتي فإن ابني يعصيني.
إسكندر :
الطاعة واجبة وضرورية في كل ما هو ممكن أن نطيع به، وليس في شيء لا أقدر على طاعتك به ولو كلفني الأمر فقد حياتي.
ملك :
خسئت يا جهول. قد قيل إن سرور الوالدين بالبنين، وأما أنت فسبب قهري وغمي، قبحت وقبح العشق الذي يعمي البصيرة (ويذهب) .
الجزء التاسع
إسكندر (لنفسه) :
أموت ولست أضرب عن هواها
وأطرح للردى نفسي فداها
تملك حبها قلبي وعقلي
ولذ لي التفنن في هواها
فرحت بحبها لكن جفتني
فرحت ومهجتي تشكو لظاها
فإن قالوا وفتك أقول أهلا
وإن قالوا جفتك أقول آها
الجزء العاشر (إسكندر - أسما - حرس)
إسكندر :
أسما، هذا آخر كلامي معك، وأمامك طريقان: إما أنك تتممين طلبي فتحصلين على كل سعادة تطلبينها، وإما أنك ترفضين طلبي فتقعين في أشر عذاب وهلاك. (أسما لا تبالي بكلامه، بل تلبث متأملة بقميص على الطاولة، وهو الثوب الذي أعطته إلى إسكندر في الفصل الأول حينما كان متخفيا بملابس الشحاذ.)
ما بالك ساكتة؟ أتتأملين في الثوب الذي أحسنت علي به؟
أسما :
أنت هو ذاك المسكين يوسف الذي ...
إسكندر :
نعم أنا هو ذاك المسكين، أنا الذي احتلت عليكم ودخلت بيتكم نظير مسكين سائل؛ لأشاهد جمالك وأفتقد أحوالك، وهذا الثوب الذي أنعمت علي به مثل إحسان، فانظري كم ...
أسما (لنفسها وهي تضم القميص إلى صدرها) :
آه يا سليم، هذا قميصك ...
أسما :
هذا ثوب سليم الذي قتلته يا ظالم يا قليل الشفقة.
إسكندر :
ويك كفي اللوم قد هاج الغضب
موغرا صدري
زدت في التقريع جدا والتعب
فوهى صبري
فاقبلي نصحي تفوزي بالأرب
تممي أمري
أو فتلقين مصابا حمله صعب
وبلاء وعذابا
أسما :
إنه عذب
5
لا أرى موتي عسيرا
حيث خاب الأمل
وإلى الموت أخيرا
كل حي يصل
إسكندر :
زدت يا أسماء جهلا
وعنادا وجنون
فلحلمي لست أهلا
فاستعدي للمنون
أسما :
حبذا موت قريب
فلقد طاب الحمام
بعدما مات الحبيب
لم يعد لي من مرام
إسكندر :
أودعوها السجن حالا
واحجزوها في انفراد (الحرس تأخذ أسما.)
وأذيقوها وبالا
ذا جزا أهل العناد
إنما لا تأخذوها
أرجعوها، اصبروا
أرجعوها أرجعوها
علها تستغفر (الحراس ترجع أسما.)
ويك أسما لا تكوني
ذات جهل وغرور
واحذري كأس المنون
فهي من سيفي تدور
أسما :
باطلا فالموت أحلى
وهو لي أولى هبه
أيها الظالم مهلا
سوف تلقى العاقبه
إسكندر (للحرس) :
أبعدوها أبعدوها
زاد عندي الإضطراب
وإلى السجن خذوها
ولتذق مر العذاب
6 (يأخذونها إلى السجن.)
الجزء الحادي عشر (إسكندر) (إسكندر ينظر ليرى أسما ذهبت فيتأثر جدا، فيقول متمشيا بحدة):
إسكندر :
خاب الأمل
بالقرب منها
ما العمل
هل أحتمل بعدي عنها
فلا يطاق
هذا الفراق
صدري ضاق
وصبري زال
وهاج وجدي
7
الفصل الثالث
(يظهر في المرسح سجنان مظلمان، أسما في سجن وفي الثاني سليم.)
الجزء الأول (أسما - سجان) (في سجن أسما.)
أسما :
اعمل هذا المعروف لوجه الله مع هذه الحزينة (تعطيه ورقة) .
سجان :
على رأسي. (لنفسه)
مسكينة.
أسما :
فما لي سوى هذا الدواء الذي كتبت عنه يشفي وجعي، وإنك تجده عند الصيدلي، فأرجوك أن تسرع به عسى تخفف آلامي.
سجان :
لا تفتكري، لا أغيب سوى ربع ساعة.
الجزء الثاني (أسما)
أسما (لنفسها) :
هذا هو الرأي الموافق لأستريح من عذابي، وهكذا أموت محافظة على وداد من مات محافظا على ودادي كما تعاهدنا، وهذه الطريقة طريقة السم هي أنسب ما يكون لاقتبال الموت وغصته، آه سليم.
ما لذتي في حياتي
وقد فقدت نصيبي
فليس إلا مماتي
يجمعني بحبيبي
لذاك قد هان عندي
موتي وصار حميمي
عسى أفوز بقصدي
وألتقي بسليمي
1 (وتنزوي بالسجن.)
الجزء الثالث (سليم - سجان) (سليم أمامه كأس ماء وبيده ورقة السم يعطيه إياها سجان.)
سليم :
إني أشكر فضلك على معروفك، فقد حملتك ثقلة عظيمة حتى أحضرت لي هذا الدواء الذي أرجو منه شفاء آلامي.
سجان :
ربنا يشفيك ولا يشقيك، فقد لا تخبر أحدا بذلك، فإن عرف ابن الملك يقتلنا لا محالة لأنه أوصانا ...
سليم :
لا تفتكر، فعندي بئر عميقة لحفظ السر. (لنفسه)
يا لله، فلنشرب السم، فموتي خير لي من حياتي (يضم السم في الكأس) إذا كانت أسما ماتت حبا بي فلا أموت أنا حبا بها؟ بلا شك أموت، فموتي هو الواسطة الوحيدة لأجتمع بأسما، آه يا أسما.
ما لذتي في حياتي
وقد فقدت نصيبي
فليس إلا مماتي
يجمعني بحبيبي
لذاك قد هان عندي
موتي عسى أن أراها
والنفس إذا خاب قصدي
الموت أضحى مناها
2 (يهم أن يشرب السم فيسمع ضجة، فيضع الكأس على ناحية.)
الجزء الرابع (سليم - سجان - إسكندر - حرس)
إسكندر :
كيف ترى ذاتك أيها العنيد في هذا السجن؟ (سليم يقف.)
سليم :
الحمد لله بأنظارك يا مولاي بكل خير.
إسكندر :
بأنظاري يا شقي؟ بل بأنظار عنادك الذميم.
سليم :
بل بأنظار ظلمك الوخيم.
إسكندر :
آه تعيس، أنظرت الآن إلى أين أوصلك الجهل والعناد؟ فكم نصحت لك في ترك أسما ولم تقبل، فلو سلوتها لأغنيتك إلى الأبد.
سليم :
كيف أسلو؟ حاشا وديني وربي
لست أسلو قطعا مليكة قلبي
ها أنا حاضر وأقبل سجني
وعذابي والموت لا ترك حبي
فإذا مت مت فيها غراما
وإذا عشت عشت معها بقرب
إسكندر :
وماذا يفيدك حبها الآن يا غبي وقد ذبحتها كيدا بعنادكما؟
سليم :
آه وا حسرتاه! هذا ما يزيدني بها تمسكا. فإذا كانت هي قبلت الموت محافظة على ودادي، فهل يسوغ لي أن أخونها وأنكث عهدي؟ لا، لا، حاشا لله، موتي ألف مرة ولا ارتكاب هذا العار.
إسكندر :
تحمل إذن ما تستحق من العذاب، فالجهل قد أعمى بصرك.
سليم :
إن حياتي الآن بين يديك يا مولاي، فمر بقطعها جزاء عنادي. نعم، نعم، اقتلني واجعلني عبرة لغيري.
إسكندر :
لا لا، حياتك تهمني، فلأجعلنك هدفا لسهام انتقامي، فاحتمل غضبي، وهذه الزاوية مقامك فجاورها وتحمل من الآلام ما يريك عاقبة عنادك ومخالفتك أوامري (سليم ينزوي وإسكندر يذهب) .
الجزء الخامس (سجان - أسما - سجان - إسكندر) (سجن أسما.)
سجان (بيده كأس ماء وورقة السم) :
ماذا عسى تريد أن تفعل هذه الصبية بالسم، وقد غشتني وقالت إنه دواء، فيلزم أن أعرف ما هو مقصودها منه، أين هي؟ (يناديها)
أسما أسما ...
أسما :
ها أنا. آه انزويت هنا وخضت في بحار الأفكار حتى نسيت ذاتي.
سجان :
قد أتيتك بالدواء وها هو.
أسما :
أشكر فضلك.
سجان :
أسأل الله أن يمن عليك بالشفاء عن قريب.
أسما (لنفسها) :
فلنشرب السم حالا
كشرب كأس المدام (تضع السم في الكأس.)
ففيه أرتاح بالا
وفيه برء السقام
وفيه نيل المرام
3
أي نعم، طاب الموت، طاب الموت، فالوداع الوداع أيتها الحياة الثمينة (تهم أن تشرب الكأس، فيدخل إسكندر بضجة، فتضع الكأس على ناحية) .
الجزء السادس (أسما - سجان - إسكندر - حرس) (أسما تقف.)
إسكندر :
أخبريني، هل سررت بهذا المقام يا عنيدة؟
أسما :
إنني أشكر الله في كل حال.
إسكندر :
تشكرين الله ... وهل لم تزالي على عنادك؟
أسما :
ما زال في صدري نفس.
إسكندر :
دعي الجهل واصغي لنصحي كفاك
عنادا فلا خير في ذا العناد
أجيبي سؤالي وإلا فرغما
أنال المراد وأشفي الفؤاد
أسما :
لقد عشت لكن بحب سليم
وإن مت فيه فذاك المراد
إسكندر :
دعي عنك حب سليم فقد
غضبت عليه فصار رماد
غمدت حسامي في عنقه
وصيرته عبرة للعباد
أسما :
جزاك بما تستحق إلهي
فظلمك فاق الحدود وزاد
إسكندر :
إذا دمت في مثل ذا الاجتراء
تنالي كما نال بل بازدياد
أسما :
تهددت بالموت من تشتهيه
فجد لي بموت فأنت جواد
جزى الله سيفك خيرا إذا
بقطع حياتي التعيسة جاد
إسكندر :
اقصري الطغيان
إن صبري بان
واحذري غضبي
بعد ذا العصيان
اقضي بالصواب
واسمعي ذا الخطاب
تممي طلبي
تغنمي الإحسان
4
أسما :
إن غضبك لا يخيفني، فافعل ما تشاء (بغضب ونفور) .
إسكندر :
ألمثلي يقال هذا؟
أسما :
نعم يقال لمن يستحقه.
إسكندر :
ألهذا الحد الجسارة يا شقية؟
أسما :
نعم، واستعد أيضا لأكثر.
إسكندر :
ويلك يا أسما، كفاك جنونا.
أسما :
لو تكف ظلمك لكففت.
إسكندر :
آه يا قبيحة على هذه الوقاحة.
أسما :
عظم وقاحتي ليس بشيء أمام عظم ظلمك وجورك يا ظالم.
إسكندر (بغضب) :
خسئت من فاجرة، فلأقتلن ... (يسل سيفه ويهجم عليها ليقتلها، ولكنه يرتجع عن ذاته)
آه من العشق وحالاته.
أسما :
اضرب اضرب لا شلت يداك، هاك عنقي فاضربه.
إسكندر :
آه، لا يطاوعني فؤادي، فإني قتيل هواك.
أسما :
عار إذا أغمدت سيفك قبل أن
تسقيه نهلا من دمي وقت الظما
اضرب فما لي من محام في الورى
إن النصير نأى وبان عن الحمى
إسكندر (لنفسه) :
غضبي يروم الإنتقام وإنما
عبثا فقلبي بات فيها مغرما
هذا وذاك تخاصما والنصر قد
تبع الهوى وهوى إليه وسلما (يغمد سيفه ويذهب بحيرة.)
الجزء السابع (سليم - سجان - أسما - سجان)
سليم (لنفسه) :
ما الفائدة من هذه الأفكار وهذا التردد؟ فلا يمكن أعيش بعد أسما (يأخذ بيده كأس السم)،
آه يا أسما! (يبهت متأملا بالكأس.)
أسما (لنفسها) :
آه لو قتلتني لكان أوفق لي من قتل ذاتي بيدي، وهذا أمر صعب للغاية، ولكن لا يمكنني أن أعيش بعد سليم. (تأخذ الكأس بيدها)
آه يا سليم! (تبهت متأملة بالكأس.)
هذا يسرك يا سليم
كي ألتقي بك عن قريب
وبحالتي ربي عليم
وهو السميع هو المجيب
5 (تشرب الكأس بكل خوف، ثم تسقط على الأرض راجفة مضطربة.)
آه قريبا يظلم النور في عيني، فالوداع الوداع؛ إذ قد دنا أوان الفراق.
سليم (لنفسه) :
حان الفراق فودعي
يا نفس من قبل الرحيل
وإلى الحبيبة أسرعي
فهناك إرواء الغليل
لا أقدر أن أعيش بعد أسما، فليس إلا موتي ينيلني لقاها. (يهم أن يشرب الكأس فيسمع ضجة.)
سجان :
أنت أنت يا شاب، استعد ها هو الملك مقبل حسب عادته يتفقد السجون، فاستبشر الآن بالفرج القريب.
الجزء الثامن (أسما (مطروحة) - سجان - سليم - سجان - ملك - حرس) (في سجن سليم.)
ملك :
وهذا الشاب، ما السبب في سجنه؟
سجان :
عاش الملك، ابن جلالتكم يا مولاي أمر بذلك.
ملك :
والسبب؟
سجان :
السبب ... السبب كونه يهوى فتاة هام في حبها ابن جلالتكم، ولم يقدر أن يحصل عليها، فقتلها وأمر بسجن هذا الشاب؛ كي يضاعف عذابه ثم يقتله بعد ذلك (سليم يبكي) .
ملك (لنفسه) :
قتلها، والله لأعاقبنه شر عقاب على ظلمه. آه من تصرفاته الذميمة، فما هي بالحقيقة بتصرفات أولاد الملوك.
ملك :
لا تبك، لا تحزن أيها الشاب، اذهب في سبيلك، فإن ظلمك ابني فأنا أرحمك. (للسجان)
أطلقوا سبيله.
سليم :
جزاك الله خيرا يا مولاي، ولكن ما الفائدة من تخلية سبيلي وابنك قد قتل من لأجلها وحدها أحيا وأعيش؟ فلم يعد لي سوى أن أهيم على وجهي في البراري والقفار، وأموت موت من لا يؤثر العار.
قد عشت لكن عيش أفضل صابر
فأموت لكن موت خير كريم
والله إني لن أزال على الوفا
وإذا نكثت فما أنا بسليم (ويذهب من السجن.)
الجزء التاسع (ملك - حرس - سجان - أسما - سجان)
ملك :
وأين هو إسكندر الآن؟ اذهبوا وائتوني به في الحال ... لا لا، دعوه الآن لأتمم زيارة السجون، ثم أستدعيه إلي وأعاقبه بما يستحق (ويذهب الملك) .
الجزء العاشر (سجان (في سجن سليم) - أسما - سجان)
سجان (لنفسه) :
حيث لم يعد أحد هنا يحافظ عليه، هلم بنا نقفل الباب ونذهب، آه كم تفرح الرعية بملك عادل نظير ملكنا، فمن كل قلبي أطلب من الله أن يبقى مليكنا سالما ظافرا ويقهر أعاديه (يقفلون السجن ويذهبون) .
الجزء الحادي عشر (أسما - سجان)
أسما (لنفسها) :
كيف هذا؟ إلى الآن لم أشعر بألم، فكأني لم أشرب سما، آه ما هذا إلا لطول عذابي.
آه ما أحلى أويقات مضت
مع شقيق الروح في حفظ الولا
كان طرف الدهر عنا غافلا
ليته ذاق العمى قبلا ولا
الجزء الثاني عشر (أسما - سجان - ملك - حرس)
ملك :
أما هي هذه البنت التي يهواها إسكندر؟
سجان :
نعم يا مولاي.
ملك :
كيف قالوا لي إنه قتلها؟
سجان :
لم يقتلها يا مولاي، بل كان عزم على قتلها، وهي أيضا من برهة أرسلتني لأشتري لها سما.
أسما (لنفسها) :
أيها الظالم هلا تختشي (من غير أن تنظر الملك):
عدل من عز جلالا وعلا
إن بالمرصاد ربا عادلا
قط عنا طرفه ما غفلا
سجان :
وعبدكم ... لما عرفت بأنه سم بدلته بما يشبهه، وهي لم تدر.
ملك :
أحسنت ما فعلت. (لنفسه)
آه من فعال إسكندر.
ملك :
يا أسما، إني أطمنك يا بنتي، فسجانك بدل السم بما يشبهه فلا ترتعبي، وأبشرك بأن حبيبك حي.
أسما :
سليم حي، آه ردت الروح إلي.
ملك :
نعم هو حي، ولكن تحققه بأنك قد ذبحت جعله يهيم في البراري والقفار، فهدئي روعك؛ فإني سأطلق سبيلك.
أسما :
أطال الله عمرك يا مولاي.
ملك :
فاذهبي الآن إلى منزلك برفقة هذا السجان.
أسما :
وما الفائدة يا مولاي وقد هام حبيبي في القفار؟
ملك :
لا بأس، اذهبي إلى البيت، ولا بد أن يرجع سليم في أقرب الأوقات.
أسما :
ما دام متأكدا مقتلي فلن يرجع أبدا، وسأهيم أنا أيضا عسى أن تجمع بيننا الأقدار.
ملك :
لا يا ابنتي، اذهبي إلى منزلك، وهذا السجان يرافقك وبعد قليل نتبصر بأمرك.
أسما :
أمر مولاي الكريم (لنفسها)
لا بد من الفرار، ولا يصعب علي خداع السجان في الطريق، ومن هنا أسير على بركة الله مفتشة على من أحبته نفسي.
ملك :
سر برفقتها حتى منزلها (أسما تذهب والسجان برفقتها) .
الجزء الثالث عشر (ملك - حرس - سجان)
ملك (لنفسه) :
لا أدري ما الذي مال بي إلى هذه الصبية، وحرك بي نحوها المحبة والحنية، ألكونها مظلومة أم غير ذلك؟ لا أعلم.
ملك :
ومن أين استدلت على السم؟
سجان :
هي أرسلتني لآتيها به بقولها إنه علاج ينفعها، إنما الصيدلي حذرني منه بقوله إنه سم، ولما علمت بذلك سعيت بإبداله.
ملك :
أحسنت، ولكن كان الواجب أن تعلمها؛ حيث ربما فعل بها الخوف ما كانت تنتظر أن يفعل السم لتأكدها أن في الكأس سما، ومع ذلك فقد كان ما كان ولا بد لي من الوقوف على أحوال هذه الصبية بالتفصيل، ثم أسعى بإرجاع حبيبها وإصلاح أحوالهما مقابلة لما قاسياه من ظلم إسكندر. آه يا إسكندر، كم تمرمرني بتصرفاتك التي لا تليق بابن ملك نظيرك. كيف هذا؟ أنا آمر بالعدل والإنصاف وأنت تظلم وتجور في الرعية! أنا أوصي بالحلم والرفق وأنت تخالفني بالبغي والتعدي! سعيد هو الملك الذي يتخذ العدل والحلم دستور أعماله، وسعيد بذلك شعبه. نعم نعم، إذا كان العدل أساس الممالك فبالحلم يتوطد. ما هذا الضجيج؟ (يسمع ضجيج من الخارج.)
الجزء الرابع عشر (ملك - حرس - سجان - إسكندر) (يدخل السجان راكضا بكل خوف وينطرح على أقدام الملك، وإسكندر وراءه مجردا سيفه كأنه يريد قتله، ويتوقف إذ يرى الملك وعلى وجهه لوائح الغضب والعبوسة.)
سجان :
الأمان يا ملك الزمان.
إسكندر :
موتك يا ... (يرى أباه فيقف ويصمت.)
ملك :
ارجع كفاك عتوا.
ماذا جرى لك يا مسكين؟
سجان :
آه يا مولاي، إن أسما لم تذهب إلى بيتها، بل خدعتني في الطريق، وقصدت الفرار لتفتش عن حبيبها، وكنت راجعا لأعرض ذلك لجلالتكم، وإذا بمولاي إسكندر يسألني عنها، فأخبرته بإطلاقها من السجن بموجب الأمر الكريم، فغضب علي وجرد سيفه يريد قتلي، فهربت والتجأت إلى حمايتكم، فأجرني أجارك الله حيث لا ذنب لي.
ملك :
ويلك يا إسكندر، إلى متى هذا الجنون؟
إسكندر :
أي جنون؟ كيف تطلقون من أسرتني بهواها وتقولون جنون.
ملك :
ويلك يا جهول، وعلى من تعترض هذا الاعتراض؟ فأنا الذي أخليت سبيلها؛ إذ لا أريد أن أجاريك في ظلمك.
إسكندر :
فإذا أنت تريد موتي؛ لأني بلا أشك أموت إذا لم أحصل عليها.
ملك :
اعلم أيها الجاهل أنه أحب إلي أن أعدمك من أن أكون ظالما.
إسكندر (متوقفا) :
آه آه، لا أقدر على فراقها (يهم بأن يذهب) .
ملك :
ويلك ارتجع يا غبي.
كفاك عتوا وارتجع عن ضلالة
إسكندر :
أنا لم أجد لي للرجوع سبيلا
إذا لم أنل أسما وأحظى بمقصدي
بإعدام من تهوى أبيت قتيلا
ملك :
خزيت فرح يا جاهلا حيثما تشا
فما أنت إبني لا ولست أباكا
أطعت الهوى والميل يا غر عاصيا
مقالي وإرشادي فسر بهواكا
6
إسكندر :
نعم أهيم في القفار
مغادرا هذي الديار
لا بد من أن ألتقي
بها وذياك الشقي
إذ ذاك أبلغ الوطر
طبق المراد
إني أهيم في البراري هائما
ملك :
رح يا ظلوم لا رجعت سالما
إسكندر (لنفسه) :
ومنهما أقفو الأثر
في كل ناد
ملك :
ما عدت بعد ذا الخبر
ابني الوحيدا
7
الفصل الرابع
(حدوثه ليلا في برية موعرة.) (يظهر في الملعب مياه نهر جارية ومغارة مظلمة وأشجار وغيرها مما يناسب المقام، ويصير حسب الاقتضاء برق ورعد وشتاء وأرياح.)
الجزء الأول (أسما)
أسما (لنفسها) :
تهت والقلب أسير
لا يريد الإنفكاك
يا ترى أني أسير
من هنا أم من هناك
أين ألقى يا ترى
من رماني بالغرام
عن عيوني نفرا
ودعاني في هيام
1
آه ما هذه الليلة المخيفة! آه يا سليم، أين عيناك تنظران أسما تائهة في القفار، تحت البروق والرعود والأمطار مفتشة عليك، آه من ظلمك يا إسكندر، جزيت من ربي بما جنيت. (هنا يصير برق ورعد وافر)
ويلي! أين أسير وأين أروح وأين أمضي في مثل هذا الليل المملوء بالمخاوف، وقد خارت قوتي من الكد والتعب؟ (يصير برق بكثرة)
ما هذا؟ برق أيضا! مغارة، يمكنني أن أحتمي فيها من المطر والريح، وعسى أن أنام قليلا فأرتاح من تعبي؛ لأصبح في الغد وأسعى بالتفتيش على من أحبته نفسي. (تدخل المغارة بكل خوف، ثم تسند رأسها على حجر هناك فتنام)
آه يا إسكندر يا ظالم! انظر إلى أين أوصلني بغيك، بنت ضعيفة تتيه في القفار ليلا في أرض لا إنس فيها ولا ماشية سوى الوحوش الضارية، أيقاسي أحد ما أقاسيه؛ أنادي ولا سميع، وأستغيث ولا مجير، حفيف الشجر يملأ قلبي رعبا، ووميض البروق ترتعد منه فرائصي، ولكن لا بأس، كله هين إذا التقيت حبيبي (تنام) .
الجزء الثاني (أسما (في المغارة) - إسكندر)
إسكندر (لنفسه) :
فكم من جراء داهمتني مصائب
وذقت عذابا ما تعودت ذوقه
أثار على رأسي الهموم عناده
وأضرم في قلبي المتيم شوقه
فلا عشت إن لم أجعل الأرض تحته
تميد وترتج السموات فوقه
تالله لأقتلنك يا سليم شر قتلة، ولأجلعنك عبرة للبشر. كيف هذا؟ أن ابن ملك قدير، ويعصيني صعلوك فقير، ولا أتمكن من الحصول على أربي، لا لا، الموت ولا الرجوع عن عزمي، فلن أزال بالتفتيش عليه حتى ألقاه، فأصبغ بدمه حسامي، وبعد ذلك آخذ أسما حين ألتقيها، آه يا أسما، كم يكلفني حبك من العذاب والأتعاب. ابن ملك يشرد في البراري والغابات عادما قراره ويسعى بطلبك. آه من العشق فإنه يعمي البصر.
كل بغيتي أسما
غاية المرام
هاج حسنها الأسمى
عندي الغرام
يا أميرة الغزلان
أنعمي على الولهان
بالرضا وبالإحسان
واقصري العناد
لست أحمل الهجران
لا ولا البعاد
2 (يسمع ضجة)
ما هذا؟ يا ربي ما هذه المخاوف؟! يلزم أن أختبئ بين الشجر لبعد مرور هذه الجماعة (يختبئ) .
الجزء الثالث (أسما (في المغارة) - إسكندر (مختبئ) - مقدام عساكر - عساكر)
مقدام وعساكر :
إن قدر الله أنا
نلقاهم عن قريب
فزنا كما نتمنى
بنيل خير النصيب
مقدام (للعساكر) :
أي نعم أيها الأبطال، إذا انتصرنا على أولئك اللصوص الأشقياء، نلنا خير الجزاء، كما صدرت بذلك إرادة الملك، وإذا قد علمنا بعد البحث أن مقرهم في هذه الغابات، فعلينا ألا نبرحها حتى نلتقيهم ونوقع بهم ونأخذهم أمام الملك، وهناك ننال المكافأة الوافية، فاستعدوا لقتالهم وأبشروا بالفوز والظفر.
تهيئوا للقتال
واستبشروا بالنجاح
نحن ليوث النزال
نحن أسود الكفاح
3 (ويذهبون.)
الجزء الرابع (أسما (في المغارة) - إسكندر)
إسكندر (بذاته) :
أشكر الله؛ لم يشعروا بوجودي، ولولا ذلك لكنت معهم في خطر عظيم؛ لأنهم لا يعرفونني، الظاهر أنهم العساكر الذين خرجوا بقصد القبض على اللصوص، ومن التوفيق أنه ما رأوني، فيلزم الآن أن أتوجه من الجهة التي وفدوا منها، وأسعى بالتفتيش على غريمي عسى ألتقيه ويتم مأربي. آه لو لم أعرف أسما بزماني لما كنت أقاسي ما أقاسيه.
حب أسما قد دعاني
أركب الأخطار
وغدا قلبي يعاني
أعظم الأكدار
ليت لا كان غرامي
ليته لا كان
فهو قد جر هيامي
واصطباري بان
4
الجزء الخامس (أسما (في المغارة) - سليم (يظهر عادم الرشد))
سليم (لنفسه) :
اهربي يا سباع هذي القفار
وارهبي سطوتي وعظم اقتداري
لم أعد بعد فقد أسما حنونا
فحذار الدنو مني حذار
كنت من قبل ذا حنو شفوقا
صيروني أقسى من الأحجار
ظلموني وما أتيت بذنب
فأثاروا في شرار النار
قتلوا من أحب ظلما وبغيا
قتلوا أسما زينة الأبكار
قتلوا من من بعدها ضقت ذرعا
ووهى الصبر إذ عدمت قراري
فحذار لقاي بعد جنوني
وارهبي الموت واركني للفرار
آه من ظلمك يا إسكندر! أي وحش مفترس تجرأ عليك يا أسما، وأية يد ظالمة مدت إليك؟ آه يا أسما، لم يعد لي بعدك إلا النوح والبكاء حتى الممات .
بعد الحبيب ما لي
سوى فرط النحيب
والنوح قد حلا لي
وصار من نصيبي
قد فضلت ودادي
حتى على الحياة
فكيف يا فؤادي
تنجو من الممات
5
آه ثم آه يا أسما، ليتني كنت فداء عنك، ولكن فات الفوت، فلم تعد تنفع ليت، آه، هنيئا لك قد ارتحت من العذاب. عيناك يا أسما تنظران محبك هائما في البراري والقفار عادما قراره، وكأنه أصيب بالجنون، معرضا نفسه إلى الأخطار، مفضلا الموت على الحياة، منتظرا أن يهلك جوعا، راغبا في أن يقاسي أشد العذابات التي يستحقها؛ حيث لولاها لكنت الآن في الحياة متأهلة بابن ملك خطير، آه أنا السبب في هلاكك، آه يا موت، عجل يا موت، آه من لي بموت فلم يعد لي بعد أسما في الحياة مطمع (يذهب).
الجزء السادس (أسما (في المغارة) - لصوص (بيد واحد منهم قنديل))
لصوص :
هو ذا منزلنا حيث الأمان
فادخلوه وأمنوا غدر الزمان
أرضنا قفراء لا يطرقها
أحد إلا ويبلى بالهوان
هو ذا مرقدنا حتى الصباح
فادخلوا قد حان حين الارتياح
ادخلوا ولننتظر مقدامنا
اسمعوا، صوت قريب وصياح
6 (يسمعون صياحا بعيدا فيخرجون ويتفرقون.)
الجزء السابع (أسما (في المغارة) - مقدام اللصوص - إسكندر) (مقدام اللصوص وإسكندر يدخلان الملعب وهما يتضاربان بالسيف.)
إسكندر :
ويلك من تكون يا جبان؟
مقدام :
أنت الجبان يا مهان.
إسكندر :
والله لأقسمنك شطرين.
مقدام :
دعاك الجهل في الخطر المبين
فذق من صارمي غصص المنون
إليك من المجرب ضرب سيف
يشيب لهوله رأسه الجنين (ويتضاربان.)
إسكندر :
خسئت، فأين أنت وأين مثلي
وأين الكلب من ليث العرين
سيسقيك الردى ليث جسور
تنادي منه يا أمي ارحميني (يتضاربان بشدة.)
مقدام :
رماك جهلك عمدا
في بلوة مدلهمه
مهلا لتعرف قدري
ما كل بيضاء شحمه
إسكندر :
جهلت أي همام
تلقى ولم تخش عزمه
مهلا لتعرف قدري
ما كل حمراء لحمه
مقدام :
خسئت يا ذليل! (يتقابضان بالأيدي كأن السيوف قد تكسرت بأيديهما)
وسأعرفك قدرك عن قليل.
إسكندر :
ثكلتك أمك يا ذميم، فأين ذو الورم الغث من السمين.
مقدام :
دونك يا جبان من يعرفك قدرك بين الفرسان. (مقدام اللصوص يسطو على إسكندر ويطرحه على الأرض.)
الجزء الثامن (أسما (في المغارة) - مقدام اللصوص - إسكندر - لصوص) (اللصوص يدخلون قائلين بعضهم لبعض.)
اللصوص :
هنا هنا.
مقدام :
قيدوا هذا الكلب بالحبال، وأدخلوه المغارة بالحال، فقد لقيته في هذه النواحي، ولا بأس من اغتنام سلاحه ولباسه، فبادروه. (تربط اللصوص إسكندر بالحبال.)
إسكندر :
منك الأمان يا سيد الفرسان. (بعد أن يربط إسكندر بالحبال يدخلونه المغارة، ومقدامهم أمامهم وبيد واحد منهم قنديل.)
أسما (تستفيق من نومها مرعوبة) :
آه يا ربي، ما هذه البلبلة!
مقدام :
من ترى هنا؟
قربوا النور، قربوا النور.
أسما (لنفسها) :
آه ما هذا!
إسكندر :
أسما (صارخا بأعلى صوته بعد أن يتحققها على النور)
أنت هنا؟
مقدام (لنفسه، ينظر إلى أسما) :
أسما، آه ما هذا الجمال!
أسما (لنفسها) :
أين أنا، ما هذا الذي أراه؟
مقدام :
اسمعوا اسمعوا، أنا سامع حركة ليست ببعيدة، اذهبوا حالا إلى جهة الشمال وارصدوا الطرق. (تذهب اللصوص.)
إسكندر :
الأمان أيها البطل العظيم.
مقدام :
من تكونين أيتها السيدة البديعة؟
أسما (لنفسها) :
آه! أين أنا! أين أنا!
مقدام :
لا، لا ترتعبي، لا تخافي. (يدخل سليم متسمعا.)
الجزء التاسع (أسما - إسكندر - مقدام اللصوص (في المغارة) - سليم (متسمعا))
سليم (لنفسه) :
ما هذه الحركة؟ (يصغي متسمعا.)
أسما :
أين أنت يا سليم؟ يا حبيبي سليم، عيناك تنظران أسما على هذه الحال.
سليم (صارخا بأعلى صوته) :
أسما، لبيك يا أسما، ها أنا ذا.
مقدام (لنفسه) :
من هنا؟ (يخرج من المغارة ويتضارب مع سليم بالسيف.)
مقدام :
ويلك من تكون يا قرنان؟
سليم :
أنا راعيها وحاميها، أنا سيد الفرسان.
إسكندر :
آه يا سليم، خلصنا وسامحني فقد صرت ندمان.
أسما :
آه يا سليم، خلصني.
سليم :
أبشري لبيك يا أسما فقد
آن آن الفوز إذ جاء الفتى
يا مهاة الحي جاء الليث يا
ظبية القناص راعيك أتى
مقدام :
غرتك نفسك فيما أنت آمله
ودون ذلك أهوال بها عبر
وحدثتك محالا فاغتررت بها
ما أنت أول سار غره قمر
أسما :
عين الله ترعاك يا سليم ويده تقويك.
سليم :
ألا لبيك يا أسما فإني
أجيب نداك في قرب وبعد
فكوني في أمان حيث إني
أحبك يا ظلوم وأنت عندي (يتضاربان بشدة.)
مقدام :
خل الغرور فأسما في مقامي قد
حلت وحتى بموتي لست أتركها
أملت ما ليس يرجى فاقتصر طمعا
هيهات جئت إلى دفلى تحركها
سليم :
كذبت يا مهان، فوالله لآخذنها قهرا، وأخلصها ولو كانت بين أنياب السباع (يتقابضان بالأيدي كأن السيوف قد تكسرت) .
مقدام :
خسئت يا قرنان، وذقت الذل والهوان.
سليم :
ثكلتك أمك يا جبان. (يسطو على مقدام اللصوص ويلقيه إلى الأرض قائلا)
لعينيك يا أسما.
مقدام (يصيح بأعلى صوته) :
خلصوني، أسرعوا، خلصوني.
سليم :
اخرس يا مهان. (سليم يقيد مقدام اللصوص كأسير)
هذا جزاء الغادرين الأنذال.
إسكندر (لنفسه) :
ويلي، أخاف من أن يصل الدور إلي.
مقدام :
خلصوني، أسرعوا ويلكم.
سليم :
اخرس، فلم يعد لك خلاص من يدي (تبتدئ اللصوص بالغناء الآتي قبل ظهورهم في الملعب) .
الجزء العاشر (أسما - إسكندر (مكتوف) - مقدام اللصوص (مكتوف) - سليم - لصوص)
لصوص (لنفسهم قبل ظهورهم) :
يا ترى ماذا نلاقي
بعد ذياك الصياح (قنديل بيد واحد منهم.)
مقدام :
خلصوني يا رفاقي
أدركوه بالسلاح
قيدوه بوثاق
أثخنوه بالجراح
أسما :
بلغت روحي التراقي
وحلا لي الإفتضاح
إسكندر (لنفسه) :
ندمي زاد احتراقي
بعد هذا الإفتضاح
7 (اللصوص يهجمون على سليم فيدافع قليلا وأسمى يغشى عليها.)
لصوص :
أيها المغرور مهلا
دست أرضا لا تداس
زدت بالتفريط جهلا
وتعديت القياس (يقيدون سليما بالحبال.)
الجزء الحادي عشر (أسما (مغشيا عليها) - إسكندر (مكتوف في المغارة) - سليم - مقدام اللصوص (مكتوفان) - لصوص - مقدام عساكر) (يظهر مقدام العساكر أولا، ويخاطب العسكر خارج الملعب بالغناء الآتي، فتدخل العساكر ويتضاربون مع اللصوص، يوجه خطابه إلى خارج المرسح.)
مقدام :
ها هنا القوم هلموا
هاجموهم أسرعوا
عسكر :
سعدنا الآن يتم
بأسنا لا يدفع
مقدام عسكر (للصوص) :
أيها الأنذال أموا
بالبقا لا تطمعوا
ستلاقون رجالا
دونهم أسد الدحال
وتذوقون وبالا
وعذابا ونكال (يسطو العسكر على اللصوص ويبتدئون بتكتيفهم قائلين):
مقدام عسكر (للصوص) :
كم قتلتم من نفوس
وارتكبتم من ذنوب
كم نهبتم من نفيس
وجلبتم من عيوب
فاستعدوا للبئوس
عن قريب والكروب
أيها العاتون أهلا
خفتم شر العقاب
زدتم بغيا وجهلا
فاستعدوا للعذاب
مقدام العسكر (مشيرا إلى المغارة) :
ذا خباهم فادخلوه
وخذوا ما يوجد
باعتناء فتشوه
تجدوا ما نقصد
كل ما فيه خذوه
بادروا واجتهدوا (العساكر تدخل المغارة بعد أن يكونوا قيدوا الجميع بالحبال، ويخرجون من المغارة ما فيها من تحف وأموال، ثم يخرجون إسكندر مكتوفا وأسما مغشيا عليها.)
مقدام :
قيدوا الكل وسيروا
واغنموا نيل الوعود
مقدام والعسكر :
سهل الأمر العسير
والجزا حين نعود
8
الفصل الخامس
(حدوثه نهارا في سراي الملك.)
الجزء الأول (بواب - حرس)
بواب (لنفسه) :
خدمة الملوك متعبة وعديمة الراحة، ولا سيما متى كان الملك مكدر الخاطر مثل ملكنا في هذين اليومين. من قبل الصباح يحضر إلى هذا الإيوان، وألتزم أن أكون حاضرا متأهبا لخدمة بابه، وإذا تخلى الله عني، ولم أكن هنا قبل تشريفه غضب علي وربما أمر بشنقي، فالله يقطع رزقي هذا ويصله بأحسن. (يفتكر) كم من الذين يشتهون الحصول على وظيفتي وأنا لم تعد تعجبني! سبحان الله.
لا يرتضي الإنسان
بما حواه الآن
وليس يقنع
بل هو يطمع
بنيل أعلى الشان
1
الجزء الثاني (بواب - لبنى - حرس)
بواب :
خير إن شاء الله يا لبنى، ما هذا العدو؟
لبنى :
شيء مهم جدا، أين جلالة الملك؟
بواب :
لم يزل ما حضر.
لبنى (تجلس على الكرسي) :
أنتظره إلى أن يحضر فأخبره ما أعلمني الوزير (تفتكر) .
بواب :
ربما يغضب علي الملك إذا رآك هنا، فإن شئت ...
لبنى :
لا لا، لا تفتكر، فلا يغضب عليك بسببي، فإني قابلة حرمه، وفي أي وقت كان أقابله وأخاطبه بكل حرية، لا تفتكر.
بواب :
صحيح ولكن ...
لبنى :
دعني بالحال، ففكري في غاية الاشتغال (تفتكر) .
بواب :
لعنة الله عليك ما أقرب غضبك ... العمى ... كأنها بارود إنكليزي.
لبنى (لنفسها) :
عسى إن بحت بالأسرار إعلاما
يكافيني مجازاة وإحسانا
2
بواب (لنفسه) :
آه يا لعينة، كيف تستعمل الحرية التامة كأنها في بيتها؟
لبنى (لنفسها) :
ولكن لا، ربما يغضب شديدا كما حذرني الوزير، وربما أيضا يسر بذلك، ولكن لا ... نعم ... لا ... نعم.
بواب (لنفسه) :
تخاطب ذاتها مثل المجانين.
لبنى :
لا ... نعم ... لا ...
لقد بلبلت بالي بالذي كانا
وعقلي من جراه بات حيرانا
3
بواب :
ست، ست، اسكتي اسكتي، ها هو الملك واصل (لبنى تقف على ناحية) .
الجزء الثالث (لبنى - ملك - بواب - حرس) (يدخل الملك وعلى وجهه لوائح الغضب.)
ملك (لنفسه) :
لله ما هذي الأحوال
جرت شديد القهر إليا
زاد اضطرابي والبلبال
واشتدت الأوهام عليا
4 (يجلس.)
آه كم شغلت فكري هذه الورقة! وإلى الآن لم يأتني الوزير عنها بخبر. أيها الملك الجليل، ابحث ودقق لتعلم حقيقة حال مولودك، وخذ في ذلك رأي الوزير. (يقف)
رأي الوزير، رأي الوزير، والوزير أنكر معرفة ذلك، آه آه! (يجلس.)
بواب :
أنظرت كيف أنه غضبان؟
لبنى :
أنت لا يعنيك. (الملك ينظر فيرى لبنى.)
ملك :
ما حاجتك يا لبنى بالقدوم باكرا؟ أشيء مهم؟
لبنى :
آه يا مولاي، إن لي ابنا ...
ملك :
لك ابن؟ أنا لم أعهدك ذات بعل.
لبنى :
ابن أختي المرحومة، وقد طرحه ابن جلالتكم في السجن مع أنه هو الذي يعولني.
ملك :
ولماذا؟
لبنى :
لأنه لم يرد أن يتنازل عن حب ابنة يحبها وقد ربيتها في بيتي؛ لكونها ... لكونها يتيمة.
ملك :
أتعنين أسما وسليما؟
لبنى :
نعم. أسما. أسما وسليم (بذاتها): آه ربي، أريد ولا أريد أن أكشف الأمر.
ملك :
ما بالك يا لبنى؟ تكلمي، بماذا تتحدثين؟
لبنى :
لا شيء يا مولاي.
ملك :
أراك مرتبكة.
لبنى :
نعم ... لا ... لا شيء.
ملك :
كيف لا شيء؟ تكلمي.
لبنى :
إن ارتباكي يا مولاي هو من خوفي، فإني أتشكى الآن على ابن جلالتكم، واجترائي هذا هو سبب خوفي وارتباكي.
ملك :
كأنك تشكين بعدالتي؟
لبنى :
حاشا لله يا مولاي، إنما يصعب على عبدتك رفع تشك لجلالتك على ابنك ووحيدك، وقد حاولت كتم ذلك، غير أن تصرفاته لم تسمح لي، فبحت بشكواي عليه؛ لأنه ظلمني وظلم أسما وسليما ظلما شديدا، وطرحهما بالسجن بغير ذنب، وتهددني بالقتل إن لم أساعده على تحصيل مرامه. (يغضب الملك كثيرا.)
ملك (لنفسه) :
يا رب ما هذي الأحوال
قد عظم المصاب لديا
5
ومن جرا هذي الأعمال
زدت عنا وكرهت بنيا
لبنى (لنفسها) :
مسكين الملك، كم يتحمل من ذاك اللعين إسكندر.
ملك (لنفسه) :
آه منك يا إسكندر كم تكدرني، تعلم يقينا بأن أصعب شيء لدي هو الظلم، وأنت تخرق شرفي بظلمك في الرعية، فلا أعادك الله لي سالما يا ظلوم؛ لأني ما عدت أريد أن أعرفك لي ابنا.
لبنى (لنفسها، تظهر أنها ارتبكت) :
يا رب، رب، كيف العمل؟ هل أخبره؟
ملك (لنفسه) :
نعم نعم، ولئن رجعت سالما فلست أقبلك بمنزلتك الأولى، فخير لك ألا ترجع، آه، ما أقبح الظلم!
لبنى (لنفسها) :
يا ربي، ضاع رشدي.
ملك (لنفسه) :
أنا أكره الظلم والظالمين، وأنت تتخذه دستور أعمالك يا شقي، فمن يعرفك بعد هذا بابني، نعم نعم لست بابني، نعم نعم لست بابني، نعم نعم لست بابني.
لبنى (لنفسها) :
لم أعد أطيق الكتمان. (إلى الملك)
نعم أيها الملك العالي الشأن، لقد نطقت بالحق، فإسكندر ليس بابنك، وأنا عندي علم بالقضية.
ملك :
كيف؟ كيف؟ ماذا تقولين؟
لبنى :
نعم، إسكندر ليس بابنك، وأنا أخبر جلالتك بما كان، فقط أسألك الأمان (وتركع أمام الملك طالبة الأمان) .
ملك :
إسكندر ليس بابني، فإذن ... الورقة ... الوزير ... لك الأمان يا لبنى، فقولي لي كيف كان هذا؟ عجلي بالإخبار فقد شغلت مني الأفكار.
لبنى (تنهض) :
اعلم يا مولاي بالاختصار ...
الجزء الرابع (ملك - لبنى - بواب - حرس - وزير)
وزير :
عاش الملك، قد أمسك اللصوص الذين طالما أقلقوا المملكة ومنعوا الناس الراحة، وهم الآن خارج الباب بانتظار أوامركم.
ملك :
علي بهم جميعا في الحال (الوزير يشير إلى أحد الحراس بأن يذهب لإحضار اللصوص) .
وزير (للبنى سرا) :
كيف الأحوال؟
لبنى (للوزير سرا) :
لا تسل.
ملك :
ومن هو الذي أمسكهم وتسلط عليهم؟
وزير :
مقدام عساكرك الهمام يا ملك الزمان.
ملك :
وهل عددهم كثير؟
وزير :
إني لم أرهم يا مولاي، بل أخبرني بأمرهم أحد الموظفين، وقد سمعت ضجتهم العظيمة فأسرعت لأبشر جلالتكم.
الجزء الخامس (ملك - وزير - لبنى - حرس - بواب - أسما - مقدام العساكر - عساكر - إسكندر - سليم - مقدام اللصوص - لصوص (جميعهم بالقيود))
وزير (متعجبا) :
ما هذا، ماذا أرى؟
لبنى (متعجبة) :
ما هذا، ماذا أرى؟
ملك (متعجبا) :
ما هذا، ماذا أرى؟
مقدام :
أيها الملك الرفيع الشأن، إننا توجهنا في الليل الماضي ...
ملك :
قبلا، هذا من يكون؟ (مشيرا إلى مقدام اللصوص.)
مقدام :
أنا مقدام اللصوص.
ملك :
مقدام اللصوص. هل من زمان تتعاطى هذه الصنعة الشريفة؟
مقدام :
من خمس وعشرين سنة.
ملك :
وما الذي ألجأك إليها؟
مقدام :
ألجأني إليها عدم وجود طريقة أتعيش بها، فاضطررت إلى ذلك طمعا بمعاشي، فصار لي خمس وعشرون سنة أتعاطى هذه المهنة حتى ليلة البارحة، فوجدت أولا عند باب مغارتي هذا القرنان الجبان (مشيرا إلى إسكندر) .
إسكندر :
ويلك يا شقي، تقول عني قرنان في حضرة أبي؟
لبنى :
لا، لا، لم يعد أباك، فقد ظهر الخفا.
وزير :
ظهر الخفا! (يجثو على أقدام الملك.)
الأمان يا ملك الزمان، سامحني يا مولاي على هذا الكتمان، فإن إسكندر هو ابني.
لبنى :
لا لا، ولا هو ابنك أيها الوزير، فأنت أيضا غير عالم بحقيقة الحال.
ملك :
دعاه قبلا يتم حديثه.
مقدام :
وبعد أن أسرته بالمبارزة لقيت هذا البطل العظيم (مشيرا إلى سليم)
الذي استطال علي وأسرني، وإذا باللصوص جماعتي هجموا عليه وأمسكوه، وحينئذ وفدت العساكر وقبضوا على الجميع.
مقدام عسكر :
نعم أيها الملك الجليل، ووجدنا داخل المغارة هذه الصبية مغشيا عليها (مشيرا إلى أسماء)،
وقد نقلنا كل ما يوجد هنالك من أموال وغيره وأتينا به.
ملك :
تكلمي الآن يا لبنى واكشفي الأسرار.
وزير :
الأمان يا ملك ... (يجثو على أقدام الملك.)
ملك :
دعها تتكلم.
وزير :
أمرك يا مولاي لا يراجع، إنما أسترحم الأمان وأنا أشرح لعظمتك ما كان.
ملك :
لا بأس، أخبر، ولكن إياك والتحريف.
وزير (يقف) :
اعلم أيها الملك أنه بعد أن توليت الملك بسنة واحدة ولدت جلالة الملكة المرحومة بنتا، إنما من طمعها بأن تحصل على زيادة محبة والتفات من جلالتك رغبت في أن يكون مولودها ذكرا، كون ولادة الذكور تسر الملوك أكثر من ولادة الإناث. فحالا أرسلت لبنى إلي تخابرني بهذا الخصوص، وبقدر رباني في ذلك النهار ذاته ولدت امرأتي المرحومة ذكرا، فاستنسبت أن أجعل ولدي عوض بنتها؛ لكي أرضي الملكة وأسر جلالتكم، فأعطيت لبنى غلامي وأفهمتها أن تشيع خبرا بأن امرأتي ولدت بنتا، وأن البنت ماتت، وأن جلالة الملكة ولدت ذكرا، وهكذا كان.
لبنى :
أي نعم أيها الملك الجليل، هذا ما يعرفه الوزير. أما حقيقة الحال فهي أنني أخذت الابنة إلى بيتي وربيتها، أما ابن الوزير فعوض أن آخذه توا إلى الملكة مررت على بيتنا، وأخبرت أختي المرحومة بالخبر، وكانت أختي في تلك الأيام ولدت ولدا ذكرا، فطلبت إلي أخذ ابنها عوض ابن الوزير، فتممت طلبها وأبقيت ابن الوزير عندنا في البيت، وأتيت بابن أختي إلى الملكة، وهذا الذي صار، فإن إسكندر الذي كان ابنك أيها الملك هو حقيقة ابن أختي، وهذه هي ابنتك (تشير إلى أسما) .
ملك :
تعالي يا بنتي وعانقي أباك، فقد مال قلبي إليك من أول يوم نظرتك به (يتعانقان) . أحضروا لها في الحال تاجا مرصعا وحلة ملوكية (يذهب مقدام العساكر ثم يرجع بتاج وبرفير) .
لبنى :
أما سليم، فهو ابن الوزير، ولا علم لأحد بشيء من هذه الأسرار.
وزير :
اكشف يا سليم عن ذراعك اليمين لأتحقق الأحوال. (سليم يكشف عن ذراعه فتظهر المعضدة)
أي نعم، هذه هي المعضدة، هذه هي بذاتها، فأنت ابني، فهلم وعانقني (يتعانقان) .
لبنى (لإسكندر) :
وأنت ابن أختي، وأنا خالتك، فبادر وعانقني (تتقدم إليه فيرفسها) .
إسكندر :
ابعدي عني لعنة الله عليك ما أنحسك!
لبنى :
ترفسني؟ هذا أكبر دليل على أنك لست من دم ملوكي.
ملك (للجميع) :
قد انشرح صدري بهذه الحوادث، فاسمعوا الآن، أنت يا إسكندر نظرا لسوء تصرفاتك وظلمك قد جازاك الله بجعلك عبرة لغيرك، وقد كنت مستحقا النفي، وما هو أعظم من ذلك أيضا، ولكن أكتفي بأن أجعل قصاصك طردك من أمامي. فاخلعوا عنه زينته الملوكية وليذهب بسلام (إسكندر يقف على ناحية حيران بعد أن يخلعوا عنه زينته) . وأنت يا لبنى، تستحقين أيضا أعظم قصاص نظرا لما بدا منك في هذا العمل الفظيع بتركك وحيدتي عندك في الذل ستة عشر عاما ولم تخشي غضبي.
سليم :
أسترحمك يا مولاي لهذه المسكينة، فإنها لم تفعل ذلك إلا انقيادا لإرادة الملكة المرحومة، فاعف عنها فإنك خير من عفا.
ملك :
لا بأس، أما أنت يا وزير ...
وزير :
منك الأمان يا مولاي، فإني لم أتجرأ على هذا العمل إلا طمعا بأني أرضي خاطركم وأشرح صدر الملكة المرحومة، فقدمت ابني وعفت لذتي مؤملا أن ذلك يرضيكم.
ملك :
وأنت أيضا لك العفو، فإن فعل ابنك ينسيني ذنبك لكتمانك عني هذه الأمور، لا سيما بعد أن أطلعتك على الورقة المعلومة، فدم كما أنت، وأنتم أيها الجيوش، وجبت علي مكافأتكم بأكثر مما تستحقون، ومكافأة ذلك السجان النبيه الذي خلص وحيدتي أسما من الموت بإبداله السم بما يشبهه، فبشروه، وأما اللصوص ...
أسما :
أرجوك يا أبت أن تعفو عنهم، فلولاهم للبثت كما كنت، فقد جعلت الحوادث كشف أمري على يدهم، فأنعم بالعفو عنهم إكراما لي.
ملك :
أحسنت، فإني أعفو عنهم أيضا. (لمقدام العساكر)
فألبسوهم إذا لباس العسكرية وأدخلوهم في سلكها، فإنهم ماهرون.
سليم :
وأنا يا مولاي، أسترحمك لإسكندر، فاقبل شفاعتي به واغفر له ذنوبه الماضية.
ملك :
وإكراما لخاطرك إني أعفو كل العفو، لا بل أقلده أيضا أحسن الوظائف في بلاطي الملوكي.
أما أنت يا ولدي، وأنت يا وحيدتي، فإني أتمم مرغوبكما وأزوجكما في هذا اليوم، وإليكما أفوض أمر ولاية عهدي ووراثة الملك من بعدي، فعيشا بسلام.
واحذروا جميعا من الظلم الوخيم، فإن عاقبته بئس العاقبة، والمثال أمامكم فاعتبروا (مشيرا عن إسكندر) .
إسكندر :
آه قد عرفت الآن جسامة خطئي، فقبح الله الظلم وكل ظالم.
ملك :
ولكي يكون هذا النهار شاملا كل الرعية بالأفراح، فافتح أيها الوزير خزائن الأموال، واغمر الجميع بالأنعام وأزل عنهم الأتراح.
Page inconnue