ومثل هذا كثير فالحروب تكاد تكون متصلة، والأسر من الجانبين متتابع. أنتجت هذه الوقائع نتائج كثيرة:
فمنها أنها خلفت لنا أدبا عربيا حربيا قويا، كقصيدة أبي تمام في فتح عمورية: «السيف أصدق أنباء من الكتب»، وقصائد المتنبي في حروب سيف الدولة للروم، كقصيدته يذكر الوقعة التي نكب فيها المسلمون بالقرب من بحيرة الحدث: «غيري بأكثر هذا الناس ينخدع»، وقصيدته لما سار سيف الدولة يريد الدمستق: «نزور ديارا ما نحب لها مغنى» ... إلخ إلخ، وكالقصائد الروميات لأبي فراس، وهي قصائد من غرر شعره، قالها - لما أسره الروم - في الحنين إلى أهله وأصحابه، والتبرم بحاله من أسر ومرض وغربة إلى غير ذلك.
ومنها ما كان من انتشار الروم من رجال ونساء وغلمان في بيوت الناس والخلفاء والأغنياء كمماليك، حتى إن بعض الخلفاء في هذا العصر كانت أمهم رومية؛ فالمنتصر بالله ابن المتوكل أمه رومية، والمعتز بالله أمه رومية اسمها «قبيحة»، وقد اشتهرت في التاريخ بغناها وثروتها وتغلبها على عقل المتوكل، والمعتمد على الله أمه رومية اسمها «فتيان»، والمقتدر بالله أمه رومية على بعض الأقوال، وكان لها في أيام ابنها سلطان في تدبير الأمور، حتى أمرت قهرمانتها أن تجلس للمظالم وتنظر في رقاع الناس، وأم الراضي بالله رومية اسمها ظلوم ... إلخ.
واستكثر الخليفة المقتدر من الخدم والمماليك من الروم والسودان، حتى قالوا إنه بلغ عددهم أحد عشر ألفا، وكانوا في أول عهده ألفا ومائة.
وفي المقريزي أن أحمد بن طولون - لما ولي مصر - اشترى العبيد من الروم والسودان ... وصار من كثرة العبيد والرجال والآلآت بحال يضيق بها داره ولا يتسع له ... فبنى القصر والميدان، «وتقدم إلى أصحابه وغلمانه وأتباعه أن يختطوا لنفسهم حوله، فاختطوا ... ثم قطعت القطائع، فكان للنوبة قطعية مفردة تعرف بهم، وللروم قطيعة مفردة تعرف بهم».
80 «وكانت كل قطيعة لسكنى جماعات بمنزلة الحارات التي في القاهرة».
81
ولما اختطت القاهرة اختطت الروم حارتين. «وفي سنة 399ه أمر الخليفة الحاكم بأمر الله بهدم حارة الروم فهدمت ونهبت».
82
كما كان في بغداد دار تسمى دار الروم بالشماسية، وكان لهم بهذا الحي كنيسة على مذهب النسطورية، ودير يسمى دير الروم.
Page inconnue