لاختلاف الفائدتين.
ويتجه أن يقال : المغضوب عليهم العصاة ، والضالون الجاهلون بالله تعالى ، لأن المنعم عليهم من وفق للجمع بين معرفة الحق لذاته والخير للعمل به ، فكان المقابل له من اختل إحدى قوتيه العاقلة والعاملة ، والمخل بالعمل فاسق مغضوب عليه ، لقوله تعالى في القاتل عمدا : ( وغضب الله عليه ) (1) ، والمخل بالعلم جاهل ضال ، لقوله تعالى : ( فما ذا بعد الحق إلا الضلال ) (2).
واعلم أن الغضب عبارة عن ثوران النفس لإرادة الانتقام ، فإذا أسند إلى الله تعالى أريد به المنتهى والغاية على ما مر (3). فمعنى غضب الله : إرادة الانتقام منهم وإنزال العقاب بهم ، وأن يفعل بهم ما يفعله الملك إذا غضب على من تحت يده. ومحل «عليهم» الاولى نصب على المفعولية. ومحل «عليهم» الثانية رفع على الفاعلية ، و «لا» مزيدة لتأكيد ما في «غير» من معنى النفي ، فكأنه قال : لا المغضوب عليهم ولا الضالين ، ولذلك جاز : أنا زيدا غير ضارب ، كما جاز : أنا زيدا لا ضارب ، وإن امتنع : أنا زيدا مثل ضارب. وأصل الضلال الهلاك ، ومنه : ( وأضل أعمالهم ) (4) أي : أهلكها. والضلال في الدين هو الذهاب عن الحق.
وأعجب بضلالة أهل الخلاف أنهم يقولون : «آمين» في آخر الفاتحة مع أنهم لم يثبتوه في المصاحف ، ويتركون البسملة في أولها وأوائل سائر سور القرآن مع أنهم يثبتونها في مفاتيح جميع السور! وماذا إلا الضلال بعد الحق ، فهم خارجون عن الصراط المستقيم ، داخلون في غضب الله ، وآيسون عن رحمة الرحمن الرحيم ، مستوجبون السخط والعذاب الأليم ، كاليهود والنصارى وسائر أهل الجحيم.
Page 34