وهداية الله تنوع أنواعا لا تحصى ، لكنها تنحصر في أجناس مترتبة.
الأول : إفاضة القوى التي بها يتمكن العبد من الاهتداء إلى مصالحه ، كالقوة العقلية ، والحواس الباطنة ، والمشاعر الظاهرة.
والثاني : نصب الدلائل الفارقة بين الحق والباطل ، والصلاح والفساد ، وإليه أشار بقوله : ( وهديناه النجدين ) (1)، وقوله : ( فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى ) (2).
والثالث : الهداية بإرسال الرسل ، وإنزال الكتب ، وعناه بقوله : ( وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا ) (3)، وقوله : ( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ) (4).
والرابع : أن يكشف على قلوبهم السرائر ، ويريهم الأشياء كما هي بالوحي أو الإلهام والمنامات الصادقة ، وهذا مختص بالأنبياء والأولياء ، وإليه أشار بقوله :
( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ) (5)، وبقوله : ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ) (6).
ثم أراد أن يبين سبحانه أن الصراط المستقيم هو طريق المؤمنين فقال على سبيل البدلية : ( صراط الذين أنعمت عليهم ) وهو في حكم تكرير العامل ، فكأنه قال : اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم. وفائدة هذا البدل التوكيد ، لما فيه من التثنية والتكرير ، والإشعار بأن الصراط المستقيم بيانه وتفسيره : صراط من خصهم الله بعصمته ، وأمدهم بخواص نعمته ، واحتج بهم على بريته من الأنبياء والأولياء
Page 31