Zubdat Kashf
Zubdat Kashf al-Mamalik fi
Genres
قال : لما قصدنا عبد الله عم أمير المؤمنين كنت أنا المطلوب، فخرجت هاربا إلى بلد النوبة فسرت فيها ثلاثة أيام ، وأرسلت غلاما يطلب الإذن من ملك النوبة فجاءنى الغلام ، وقال: سيأتيك غدا بنفسه ، فبينا أنا من الغد إذ جاءنى . وقال لترجمانه : قل له : إنى ملك وحق على كل ملك أن يكون متواضعا لعظمة الله ، إذ رفعه الله على الناس ، ثم جعل ينكت بإصبعه في الأرض ثم رفع رأسه إلي، وقال: كيف سلبتم نعمتكم وزال عنكم الملك ، وأنتم أقرب إلى نبيكم من الناس جميعا فقلت . جاءنا من هو أقرب إليه منا فغلينا وطردنا ، وجئت إليك مستجيرا بالله تعالى وبك قال : فلم كنتم تشربون الخمر ، وقد خرم عليك؟ فقلت : فعل ذلك عبيد وأعاجم فى ملكنا بغير رأينا فقال : استحللتم ما حرم الله عليكم وفعلتم ما نهاكم عنه ، فاخرج من أرضى بعد ثلاث ، فإنى أن وجدتك بعدها أخذت جميع ما معك وقتلتك .
ومما جاء في الاتفاق والائتلاف ، وذم الشقاق والخلاف ، قال الله تعالى : { هو الذى أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم }} [سورة الأنفال : الأية 62، 63) ، وقال تعالى واعتصموا بخبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا [سورة أل عمران الأية 103] ، والخبل المعتصم به هو القرآن الكريم ، وقيل: ما : من قوم وإن قل عددهم وضعف مددهم وكانوا على الائتلاف ، وطردوا عنهم والاختلاف إلا أظهرهم الله تعالى مع قلتهم وظفرهم بعدوهم وإن كانوا أكثر منهم عددا أو أشذ قوة ومددا وقيل : كم من قوم عزوا باتفاقهم فلم يطمع فيهم ، فلما اختلفوا سلبوا عزهم ووهى ركنهم ، وكلوا في حذهم وذاقوا وبال أمرهم ، وقيل: الاتفاق ناصر لا يخذل ، والاختلاف خازل لا ينصر وإن طالب الموافقة أبدا لا يعدل ، وطالب المخالفة لا يعذر . ومما جاء في مدح الوفاء وذم الغدر قال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعفود سورة المالد الأية 1] ، وقال تعالى .، { وبعهد الله أوفوا} [سورة الأنعام : الأية 152] ، وقال تعالى : { وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ، ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها} [سورة النحل : الأية 91] وقال رسول الله: لما سئل عن صفات المنافق فعذ منها لإذا وعد اخلف وحكى أن يعض الخلفاء سلم لشرطيه رجلا عليه جريمة ليقتله ، فلما خلا به قال له .
لى إليك حاجة قال : وما هى قال: تطلقنى لأودع أهلى وأوصيهم بوصية بعدى وعاهده أن يعود إليه ، فأطلق الشرطى سبيله وصدقه فى عهده ، فلما ذهب أهمل الروحة إليه ، وعزم على نقض عهده مع الشرطى ، فسمع الخليفة بذلك فأمر بقتل الشرطى ، فسمع الرجل بذلك فشق عليه ، وأتى سريعا إلى بين يدى الخليفة ، وقال: يا أمير المؤمنين ها أنا قد حضرت فأطلق االشرطي ينقذ فى حكمك وإنى عاهدته أن أعود وقد وفيت بعهدى معه ، فأعجب الخليفة قوله فأطلق سبيلهما وأنعم عليه .
وحكى أن المأمون سمع أن عبد الله بن طاهر يميل إلى العلويين وكان ولاه مصر والشام ، فدعا رجلا ودسه إليه ليختر أمره فلما دخل الرجل عليه عرض بذكر العلويين فقال له ابن طاهر : أأغدر من أنعم على بهذه النعمة ، والله لو دعوتتى إلى الجنة عيانا لما غدرت المأمون ، وما نكثت بيعته وتركت الوفاء له ، فعاد الرجل وأخبر المأمون ، فسره ذلك وزاد في الإحسان إليه . ومما جاء في مدح اليقظة ، وانتهاز الفرضة وذم التواني والغفلة قال الله تعالى . { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم } [سورة أل عمران : الأية 133 ) ، وقال تعالى { وأولائك هم الغافلون لا جرم أنهم في الآخرة هم الخاسرون)} [سورة النحل .
الأية 107، 108] ، وقال أبو سعيد الخدري التواني رأس خسران الدنيا والأخرة وروى أنه لما اجتمعت الأحزاب على رسول الله يلطق ، عام الخندق ، وقصدوا المدينة تظاهروا ، وهم فى جمع كثير من قريش وقبائل العرب ، ونازلوا رسول الله، ومن معه من المسلمين ، واشتد الأمر كما وصفه الله تعالى : { إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم ، وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب } [سورة الأحزاب: الأية 10] ، فجاء نعيم بن مسعود إلى رسول الله يظللة ، وأسلم ثم قال : إن قومى لم يعلموا بإسلامى فمزنى بما ششت .
فقال رسول الله: [أنت فينا رجل واحد فخذل عنا إن استطعت فإن الحرب خدعة .
فخرج نعيم حتى أنى بني قريظة ، وكان نديما لهم في الجاهلية ، فقال : يا بني قريظة قد علمتم وذمى لكم وخاصة ما يينى وبينكم قالوا : صدقت لست عندنا بمتهم . فقال: إن قريشا وغطفان ليسوا كانتم البلد بلدكم به أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم لا تقدرون أن تنجوا منه إلى غيره، وإن قريشا وغطفان قد جاءوا لحرب محمد ، وبلدهم ونساؤهم وأموالهم وأولادهم بغيره وليسوا كأنتم ، فإن هم رأوا فرصة أصابوها ، وإن رأوا غير ذلك لحقوا ببلادهم ، وخلوا بينكم وبين الرجل ببلدكم ، ولا طاقة لكم به إن خلا بكم ، فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهنا من أشرافهم يكونون بأيديكم ثقة لكم بأن يقاتلوا معكم حتى يناجزوه . قالوا: لقد أشرت بالرأى ، ثم أنى قريشا فقال لأبى سفيان بن حرب : وكان قائد المشركين ما قال لبنى قريظة وإن بنى قريظة قد ندموا على قتال محمد ومظاهرتهم لكم ، وقصدهم أن يأخذوا منكم رها فيعطوها لمحمد ويصطلحوا معه، فانهزموا ولم يتأخر منهم أحد.
ومما ورد فى العفو قال الله تعالى : { وأن تعفوا أقرب للتقوى} [سورة البقرة الأنه 237 ] ، وقال تعالى : { وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم } سورة النور الأية 22] وقال تعالى : { والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ، سورة أل عمران ،: الأية 134 ) وروى عن أنس بن مالك رضع الله عنه قال : قال رسول الله رأيت قصورا مشرفة على الجنة فقلت : يا جبريل لمن هذه؟ قال : للكاظمين الغيظ والعافين عن الناس : وروى عن أبى هريرة رض الله عنه ، قال: بينما رسول الله، جالس إذ ضحك حتى بدت ثناياه ، فقيل له : مم تضحك يا رسول الله] قال : رجلان من أمتى جثيا بين يدى ربي ، قال أحدهما يا رب خذ لى مظلمتى من أخى . فقال الله تعالى : اعط أخاك مظلمته فقال: يا رب ما بفى من حسناتى شىء فقال: يا رت فليحمل من سيأتى ففاضت عينا رسول الله يلل ، ثم قال : اإن ذلك البوم يوم يحتاج الناس إلى إن تحمل عنهم أوزارهما ، ثم قال : قال الله تعالى : للطالب بحقه ارفع بصرك إلى الجنة فرفع رأسه فرأى ما أعجبه من الخير والنعمة فقال: لمن هذا يا رب؟ فقال: لمن أعطانى تمنه . قال : من يملك ثمنه يا رب؟ قال : أنت . قال : بماذا؟
قال: تعفو عن أخيك . قال: يا رت قد عفوت عنه قال : خذ بيد أخيك وادخل به الجنة وزوى عن معاوية أنه قال : إنى لأنف أن يكون فى الأرض حبل لا يسعه حلمى وذنب لا يسعه عفوي ، ودو حاجة لا يسعه جودى ونقل عن المأمون لما بويع عمه إبراهيم وخلع المأمون ، ثم عاد إلى الخلافة بعد وقائع كثيرة واختفى عمه إبراهيم ، ثم أنه تكر وظهر مع نسوة هاربا فمسك وأحضر به إلى المأمون ، فلما وقف بين يديه قال: السلام عليك با أمير المؤمنين . فقال له المأمون : لا سلم الله عليك ولا قزب دارك ، استغواك الشيطان حتى حدثت نفسك بما تنقطع دونه الأوهام : فقال له إبراهيم : مهلا يا أمير المؤمنين فإن ولن الشأر محكم في القصاص ، والعفو أقرب للتقوى ، ولك رسول الله شرف القرابة ، وقد جعلك الله فوق كل ذى ذنب ، كما جعل كل ذى عفو دونك ، فإن أخذت فبحقك وإن عفوت فيفضلك، ثم أنشد ذنبى إليك عظيم وأنت أعظم منه فخذ بحقك أو لا فاصفح بفضلك عنه إن لم أكن فى فعالى من الكرام فكنه فلما سمع رق له قلبه ، وزد جميع أمواله عليه ، فقال فيه مخاطبا : رددت مالى ولم تبخل علن به وقبل ردك مالى فد حقنت دمى فإن جحدتك ما أوليت من كرم إنى لباللوم أولى منك بالكرم ونقل أنه أحضرت إلى معاوية امراة تسمى الزرقاء ، كانت تحرض القوم على قتاله في الوقعة المشهورة ، وتتكلم بألفاظ يطول شرحها من المذمة فى معاوية ، من جملتها أن الكوكب لا ينير مع القمر، والبغل لا يسبق الفرس والرصاص لا يقطع الحديد ومن ذلك وأمثاله ، فسال منها معاوية ما حملك على ذلك ] قالت : لقد كان ذلك منى . قال: لقد شاركت علكا في كل يوم سفكه قالت : أحسن الله بشارتك فقال لها : وقد سرك ذلك قالت: نعم وإنى صديقة له فقال معاوية : والله لوفاؤكم له بعد موته أعجب إل من حيكم له فى حياته ، فعفى عنها وأمر لها بنفقة ، وأرسلها إلى وطنها وقيل كان لعبد الله بن الزبير أرض بمكة وله فيها عبيد ولمعاوية إلى جانبها أرض وله فيها عبيد ، فدخل عبيد معاوية في أرض ابن الزبير ، فكتب إلى معاوية أما بعد فإن عبيدك قد دخلوا في أرضى ، فانههم عن ذلك وإلا كان لى ولك شأن والسلام ، فلما قراه معاوية دفعه لولده ، وقال: ما ترى ؟ قال : أرى أن تبعث إليه جيشا يكون أؤله عنده وأخره عندنا يأتوك برأسه . قال : أو خير من ذلك يا بتك ، ثم أمر كاتبه أن يكتب جواب عبد الله ، وقفت على كتاب ابن حوارى رسول الله ، وساء ما ساءنى والدنيا بأسرها عندى هينة في جنب رضاه ، وقد كتبت على نفسي صكا بالأرض والعبيد وأشهدت بذلك ، فأضف ذلك إلى أرضك وعبيدك والسلام ، فلما وقف عبد الله على كتاب معاوية كتب إليه ، وقفت على كتاب أمير المؤمنين أطال الله بقاه ولا أعدمه الرأى الذى أصله من قريش هذا المخل والسلام ، فلما وقف معاوية عليه رماه إلى ابنه يزيد ، فلما قراه أسفر وجهه فقال معاوية : يا يزيد من عفا ساد ومن حلم عظم ، ومن تجاوز استمال القلوب.
وقيل : إن الرشيد خرج عليه خارجن ، فلما ظفر به وأحضره بين يديه . قال له : ما تريد أن أصنع بك ] قال: اصنع بى ما تريد أن يصنع الله بك ، إذا وقفت بين يديه ، وهو أقدر عليك منك علين ، فأمر الرشيد بإطلاقه ، فلما خرج لامه بعض الحاضرين في إطلاقه ، فأمر الرشيد برده فلما مثل بين يديه قال : يا أمير المؤمنين لا تطع فى مشيرا يمنعك عفوا تدخر به عند الله يدا واقتد بالله ، فأنه لو قبل فيك مشيرا لما استخلفك لحظة واحدة ، وأحسنن الله إليك ، فأمر بإطلاقه وأحسن إليه .
Page inconnue