المقصود [من الآية] أن الله تعالى: يقول للنبي صلى الله عليه وآله إنا قد نعلم تردد وجهك في جهة السماء أي توجهك نحوها انتظارا لتحويل القبلة، النازل منها نحوك، إلى قبلة تحبها وتتشوق إليها لأغراضك الصحيحة التي في نفسك، ووافقت في ذلك مشية الله وحكمته، وهي قبلة أبيك إبراهيم عليه وآله السلام وأدعى إلى الإيمان لأنها مفخرتهم ومطافهم، فلنعطينك تلك القبلة المرضية.
ثم بينها بقوله: " فول " أي فاجعل تولية وجهك في جهة المسجد وسمته، و اصرفه نحو المسجد المحرم فيه القتال، وإخراج الملتجي والمصيد، وباقي ما يحرم على المحرم يعني اجعل قبلتك التي تتوجه إليها للصلاة وغيرها تلك الجهة ثم أشار إلى وجوب ذلك على كل مكلف في كل مكان بقوله تعالى: " وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره " ولعل في التعبير بالنحو والمسجد دون البيت دلالة على وسعة أمر القبلة، وأنها الجهة الواسعة، لا البيت كما هو للقريب واختيار المسجد دون الحرم مع أنها أدل لئلا يتوهم كون الحرم قبلة للبعيد كما قيل، على أنه يحتمل إن يكون المراد الحرم ويكون التعبير عنه باسم أشرف أجزائه، فيكون تسمية للكل باسم الجزء، أو على أن حكمه حكم المسجد في وجوب التعظيم ويؤيده وصفه بالحرام ويحتمل أن يكون التعبير عن البيت بالمسجد الحرام، تسمية للجزء باسم الكل فيكون القبلة للقريب نفسه، وللبعيد جهته كما هو مذهب أكثر الأصحاب، وعلى التقادير لا تفاوت في القبلة المتعينة للبعيد فإنها مبينة إما على العلامات الموضوعة لها شرعا على ما ذكره الفقهاء، مثل جعل الجدي خلف المنكب الأيمن، وهو مجمع الكتف والعضد، وقال المحقق الثاني وهو الكتف، وذلك غير ظاهر بحسب اللغة و الشرع والدليل، وإما على المقدمات الهيوية كما بينها أهلها لكل إقليم إقليم، فالجهة حينئذ هي السمت والجانب المأخوذ للتوجه إلى القبلة المعتبرة في الأمور المعينة على الوجه المقرر من العلامات المتعينة له إما من دليل شرعي أو عقلي كما أشير إليه وقد ذكر أصحابنا تعاريف كثيرة لها وكاد أن لا يكون واحد منها سالما مع أنه لا اعتداد بتحقيقها إذ الواجب استعمال العلامات فقط وليست الجهة واقعة في النص
Page 64