Zir Salim Abu Layla Muhalhal
الزير سالم: أبو ليلى المهلهل
Genres
فيذكر رائد المدرسة التاريخية الروسية - ف. ميللر - في «الخطوط العامة للأدب الشعبي الروسي» أن البحث العلمي المعاصر في ملاحم البيلينا لم يرض بعد جميع متطلبات العلم؛ إذ تختفي أسس اتصال الملاحم نتيجة الحجاب الكثيف الذي صنعته القرون الطويلة؛ ذلك رغم ما أنجز بالنسبة لعشرات المناهج والتفسيرات؛ من تاريخية وميثولوجية وتاريخية جغرافية وشرقية وأوروبية سلافية تعود بأصول هذه البيلينات إلى ما قبل التاريخ، بالإضافة إلى ما أحرز من تقويمات وقواميس موسوعية حول هذه الملاحم - القاسم المشترك للشعوب والكيانات السوفيتية - اليوم.
فما بالنا ونحن بإزاء أرض قاحلة لسيرنا وملاحمنا العربية بعامة، وسيرتنا هذه - الزير سالم - بخاصة، وإن حدث ووجدت دراسات فهي أدبية مغلوطة إن لم تكن ملفقة، بعيدة كل البعد عن العلمية، والمدى الذي قطعته هذه العلوم الأثنوجرافية.
وإذا ما قصرنا بحثنا هذا على قضية بسيطة جانبية مثلا حول الأصول الفلسطينية الواضحة لهذه السيرة.
فحتى أيامنا لم يخبرنا باحث أو دارس أو مهتم عربي إلى أننا بإزاء سيرتين شبه مختلفتين للزير سالم أبو ليلى المهلهل؛ إحداهما متناثرات فصحى أو عربية كلاسيكية، والأخرى شعبية فولكلورية لطبعات متعددة متواترة - ربما منذ دخول المطبعة بلادنا مع جحافل الاستعمار الفرنسي - يجري تداولاها، ولا تعارض بينها - أي الطبعات الشعبية - وبين المأثورات الشفاهية الفولكلورية المبددة على طول الكيانات العربية مشوقا ومغريا.
بل إنه إلى أيامنا لم نتمكن بعد من حصر جسد هذه السيرة ونصوصها المتعددة من فصحى لعامية، وما داخلها من سير أسبق، وأخرى لاحقة أو تالية، وكذا كل ما يتصل بشخصياتها: التبع حسان اليماني الذي غزا سوريا ولبنان والأردن وفلسطين بألف سفينة حربية ومائة ألف مقاتل، إلى أن اغتاله بمؤامرة كليب بن ربيعة الذي اغتاله بدوره جساس بن مرة، فكانت حرب البسوس الشهيرة التي قادها البطل - الفلسطيني المنشأ بوادي بئر سبع الفلسطينية - الزير سالم أبو ليلى المهلهل، والذي ستشغل حروبه - المعروفة بحرب البسوس التي امتدت أربعين سنة - الجسد الأعظم لهذه السيرة الملحمية الأسطورية الطوطمية.
والغريب أن الزير سالم - كتجسيد للبطل الشعبي المقاتل الخارق - يتبدى على طول السيرة متحليا بكل فضائل وقيم البطل الشعبي الذي يرفض أن يطعن من الظهر أو يتآمر، أو يغتصب أو يتسلط، حتى ولو كان الأمر متصلا بتصرف أو موقف أخلاقي بإزاء حيوان، أسد جائع صادفه في بئر سبع، أو إنسان ذليل بعث به عدوه ومغتال أخيه كليب ليرقد في قبره، حتى إذا ما جاءه المهلهل ليستشير جثمان أخيه، يتصنع صوت أخيه الملك كليب ويطالبه بالاكتفاء ووقف القتال، وعندما يكتشف المهلهل خدعته، ويصارحه الرجل الواجف بالخدعة، وبحاجته لأكل العيش، يضحك ويعفو عنه، ويعطيه حصانا ومائة دينار مطمئنا.
ناهيك عن أشعاره ومعلقاته ومواجعه التي وجدت صداها على طول العصور لمستمعي السير والملاحم في الأسواق والموالد والمنتديات الشعبية، في عصور ما قبل المعرفة بالتليفزيون ومسلسلاته الملفقة إياها.
حين ينشد راوي السيرة - متوجعا - مربعاته:
ما تجيش بلا طب
لو وصل درهمي دينار
Page inconnue