بسم الله الرحمن الرحيم
وهو حسبي ونعم الوكيل
الحمد لله المتفرد بالجلال والجمال، والمتصف بصفات البهاء والكمال، أحمده حمدا كثيرا مباركا في المستقبل والحال، وأشكره شكرا يثقل الأرض والجبال، وأوحده توحيد عبد معترف بذنوبه الثقال.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا ضد ولا ند، ولا وزير ولا مشير، إلها واحدا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وحبيبه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، صلاة دائمة بالغداة والآصال، وسلم تسليما، وبعد: فهذا كتاب استخرت الله في استخراجه وإتقانه، ورسمت بعض ألفاظه من العربية، وكتبت عليها بعض المسائل الفقهية على مذهب الإمام المفضل والحبر المبجل أبي عبد الله أحمد بن محمد ابن حنبل ﵁ وأرضاه، وجعل الجنة مثواه بمنه وكرمه، إنه سميع مجيب الدعوات، وأسأل الله أن يجعله خالصا لوجهه الكريم، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
القاعدة الأولى
قاعدة: الكلمة لاتطلق على الكلام، على الصحيح عند النحويين وقال بعضهم: يقصد بها الكلام العام، واستدلوا بقوله تعالى: "كلا إنها كلمة هو قائلها"، ويقول النبي ﷺ "أفضل كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل. . ."، وغير ذلك.
إذا تقرر هذا، فمن فروع القاعدة: إذا حلف لا يكلمه فوق كلمة، حنث بالكلمة التي هو واحدة الكلام، مع أني لم أجد في هذه المسألة: نقل، والذي ينبغي أن يقال إن كان مراده بالكلمة واحدة الكلام حنث بما زاد عليها، وإن كانت نيته غير ذلك رجع إلى نيته، والله أعلم.
ومنها: إذا قال: إن كلمت زيدا فوق كلمة فإنك طالق، فكلمته فوق الكلمة التي هي واحدة الكلام طلقت.
ومنها - ما قالوا في الجنائز: إنه إذا تكلم أعاد تلقينه، فإن كان مرادهم الكلام، فتكلم كلمة لم يعد تلقينه، وإن كان مرادهم: الكلمة أعيد. ومرادهم والله أعلم، أنه إذا تكلم ولو كلمة أعيد والله أعلم.
ومنها: ما قالوا في الخطبة في الجمعة: إنه يحرم الكلام، فإن أريد به: الكلام الذي واحده الكلمة لم تحرم الكلمة، لأن الكلمة تطلق ويراد بها الكلام، مرادهم - والله أعلم - أنه يحرم الكلام والكلمة وهذه المسألة فيها ثلاث روايات: يحرم، لا يحرم، يحرم لغير الإمام ومن يكلمه، والله أعلم.
ومنها: إذا سلم قبل إتمام الصلاة، ثم تكلم لغير مصلحتها بطلت فمرادهم هنا، ولو كلمة التي هي واحدة الكلام، والله أعلم.
وكذا في جميع ما ذكروا في الفقه من تحريم الكلام أو كلام، فالمراد به - والله أعلم - الكلمة التي هي واحدة الكلم.
القاعدة الثانية
قاعدة: القول من معاني الأفعال وكلام جميع النحاة يدل عليه، لأنك إذا قلت: "قال" فهي فعل و"ضرب" فعل.
ومن فروع هذه القاعدة: إذا حلف لا يفعل فعلا، أو لا يعمل عملا، فهل يحنث إذا كلمه أم لا؟ حكى الشيخ تقي الدين بن تيمية ﵁ في كتاب درء تعارض العقل والنقل أن المسألة على وجهين.
وقال في "الفروع": "قال شيخنا: الكلام يتضمن فعلا كالحركة، ويتضمن ما يقترن به من الحروف والمعاني، فلهذا نجعل القول قسيما له، وقسما منه تارة أخرى. وينبني على ذلك، من حلف لا يعمل عملا، فقال قولا كالقراءة ونحوها، هل يحنث أم لا؟ على وجهين في مذهب أحمد وغيره" وذكر في الخلاف في قوله ﵇ للمسيء في صلاته:"وافعل ذلك في صلاتك كلها. . ."، أنه يرجع إلى القول والفعل جميعا، لأن القراءة فعل في الحقيقة، وليس إذا كان لها اسم أخص به من الفعل يمتنع أن يسمى فعلا.
القاعدة الثالثة
قاعدة: لا يشترط في الكلام صدوره من ناطق واحد، ولا قصد المتكلم لكلامه، ولا إفادة المخاطب شيئا يجهله على الصحيح في الثلاث كما ذكره في "الارتشاف" مثال الأولى: أن يقول أحدهم: زيد، ويقول الآخر: قائم.
ومن فروعها: إذا كان له وكيلان بإعتاق عبد، أو وقفه، أو طلاق امرأته، فاتفقا على أن يقول أحدهما هذا، ويقول الآخر: حر، أو طالق، عتق وطلقت لأنهما قد اتفقا على العتق.
1 / 1
ومنها - ما قاله الأسنوي: إذا قال: لي عليك ألف، فقال المدعى عليه: إلا عشرة أو غير عشرة أو نحو ذلك، فهل يكون مقرا بباقي الألف؟ أما باقي الألف فهو مقر بها، وليس مقرا بالعشرة. وهذه المسألة والله أعلم ليست من فروع هذه القاعدة.
ومنها: إذا قال رجل: امرأة فلان طالق، فقال الزوج: ثلاثا، فقال الشيخ تقي الدين: تخرج على وجهين، ذكره القاضي علاء الدين في "القواعد".
ومنها: إذا قال: لي عليك ألف، فقال: صحاح، ففيها وجهان ذكرهما القاضي علاء الدين، والله أعلم. قال الشيخ تقي الدين: "هذا أصل في كل كلام من اثنين"، أي كل كلام صدر عن شخصين، ففيه وجهان.
ومنها: إذا قال العبد: أنا، فقال السيد: حر، عتق العبد لأنه قد أتى بصريح العتق فوقع.
ومنها: إذا قال: إن كلمت إحداكن زيدا كلمة فهي طالق، فكلمتاه - الثنتان - كلمة لا تطلقا إلا أن يكون قصد عدم الكلام بالكلية، وذكروا ما يشبه هذا. فإن قال: إن كلمتما زيدا وعمرا فأنتما طالقتان، فكلمت كل واحدة واحدا طلقتا، جزم به الأصحاب.
والمسألة الثانية: إذا لم يقصد المتكلم كلامه، ككلام النائم والساهي والطيور.
ومنها: إذا تكلم في الصلاة ساهيا لغير مصلحتها فهل تبطل صلاته؟ في المسألة روايتان عن الإمام أحمد، الصحيح: البطلان جزم به أكثر الأصحاب.
ومنها: إذا قرأ ساهيا أو نائما أو طيرا سجدة، فهل يلزم من سمع السجود؟ الذي جزم به الأصحاب لا يلزمهم السجود، لأنهم قالوا: يعتبر أن يكون القارئ يصلح إماما له، وهؤلاء لا يصلحوا أن يكونوا أئمة، إلا اللهم أن نقول في الساهي: يلزم فيه السجود إذا كان يصلح إماما، والله أعلم.
ومنها: إذا وقف النائم أو الساهي، لم يثبت الوقف لأن النية معتبرة في الوقف، ولا نية هنا.
ومنها: إذا أتى بصريح العتق، عتق من الساهي، ولم يعتق من النائم، وكذا النكاح والطلاق، والله أعلم.
ومنها: إذا حلف لا يكلم زيدا، فكلمه نائما، أو جاهلا لم يحنث.
ومنها: إذا أقر النائم لم يصح، ولا الساهي.
والمسألة الثالثة: الكلام الذي لا فائدة فيه، مثل الشمس حارة، والسماء فوق الأرض، ويؤيد عدم تسميته كلاما.
منها: إذا حلف: لا أصعد السماء لو أن طرت أو قلبت الحجر ذهبا، أو رددت أمس، أو شربت ماء الكوز، ولا ماء فيه، أو شاء الميت، لم يحنث.
ومنها: ما قال الأسنوي: إذا حلف أن لا يحلف، قال: يرجح أصحابهم عدم الانعقاد، فلم أر فيها لأصحابنا شيئا، والله أعلم.
القاعدة الرابعة
قاعدة: يطلق الكلام على المعاني النفسانية، الصحيح في "الارتشاف" أنه إطلاق مجازي، وقيل مشترك بينهما، وقيل هو حقيقة في النفساني دون اللساني.
إذا علمت هذا. . فمن فروع القاعدة: إذا حلف لا يتكلم، ولا يقرأ، ولا يذكر، لم يحنث إلا بما لفظ بلسانه دون ما خطر بقلبه، أو أتى به قلبه.
ومنها: الغيبة: ذكر الشخص بما يكرهه، فلو خطر بقلبه لم يكن كذلك، وذكر الأسنوي عن الغزالي والنووي بلى.
ومنها: لو طلق بقلبه، ولم يتلفظ بلسانه وقع، جزم به ابن رجب في "شرح البخاري"، والله أعلم، وصح عن مالك أنه إذا أتى به بقلبه بلا لفظ. روايتين.
ومنها: الجنب يحرم عليه قراءة القرآن، فلو أتى بقلبه لم يحرم، جزم به غير واحد من الأصحاب، كما يأتي في الكتابة.
ومنها: الصائم إذا شتم استحب أن يقول: إني صائم، فيقول بقلبه وهو قائم مقام اللفظ، وقيل: يقول باللفظ، وقيل: باللفظ في رمضان، وبالقلب في النفل، أو واجب غيره، والأولى عندي عكسه، والله أعلم.
ومنها: أن الصائم يحرم عليه الرفث والفسوق والشتم ونحوه، وكذا الحاج، فلو أتى به قلبه كان حراما.
ومنها: العتق والنذر يصح بقلبه، ولو لم يأت بلفظه.
القاعدة الخامسة
قاعدة: يطلق الكلام أيضا على الكتابة والإشارة وما يفهم من حال الشيء، إلا أن الصحيح - كما قاله في "الارتشاف" - أنه إطلاق مجازي، وليس من باب الاشتراك.
إذا علمت ذلك فمن فروع المسألة: الأذان لا يصح بالإشارة لأنه إعلام، لأنه لا يحصل بالإشارة، والله أعلم.
ومنها: خطبة الجمعة، هل تصح بالإشارة، إذا كانوا جميعهم طرشانا، أو يصلون ظهرا؟ فيه وجهان. الذي قدمه ابن تميم يصلون ظهرا، وهو الصحيح ومنها: الأمان يصح بالإشارة، جزم به في "الوجيز" بكل ما يدل على الأمان، والله أعلم.
1 / 2
ومنها: البيع لا يصح بالإشارة، ولا بد فيه من اللفظ، إلا بيع المعاطاة، فإن فيه ثلاث روايات. هل يصح بلا لفظ، أو لا يصح؟ أو يصح في الشيء اليسير، وهو الذي اختاره القاضي، والله أعلم.
ومنها: الشهادة بالإشارة، لا تصح على الصحيح، ويحتمل أن تصح فيما طريقه الرؤية إذا فهمت إشارته.
ومنها: النكاح بالإشارة، قال في "الفروع": "وينعقد نكاح الأخرس بالإشارة المفهومة، نص عليه" ووالله أعلم.
ومنها: الوصية فأما الأخرس الذي لا تفهم إشارته، والصحيح الذي يقدر على الكلام، لا تصح الوصية منهما بالإشارة. وهل تصح من المثل لسانه بها؟ الصحيح عدم الصحة، وجزم به في "الوجيز"، ولنا احتمال بالصحة، وهو متجه.
ومنها: إذا حلف، لا تكلمه، فأشارت إليه لم يحنث على الصحيح، وجزم به في "الوجيز".
ومنها: إذا أشار إلى الصيد في الإحرام وهو محرم ضمنه، جزم به في "المقنع"، و"الوجيز"، وأكثر أصحاب الإمام أحمد.
ومنها: العتق، تقوم الإشارة فيه مقام النطق، ذكره ابن عقيل في "الفصول".
ومنها: الإقرار، فهل يصح بالإشارة، فذكر ابن عقيل في "الفصول" أن الإشارة فيه قائمة مقام النطق، والله أعلم.
ومنها: الإقرار، فهل يصح بالإشارة، فذكر ابن عقيل في "الفصول" أن الإشارة فيه قائمة مقام النطق، والله أعلم.
ومنها: الطلاق، وجزم ابن عقيل في "الفصول" أن الإشارة قائمة مقام اللفظ، واستدل عليه بصحة أمان المسلم الكافر بالإشارة، قاله ابن رجب في "شرح البخاري"، وهذا غريب.
ونقل عمرو بن عبد الواحد عن الأوزاعي في رجل قيل له:"أطلقت امرأتك؟ فأومأ برأسه، قيل له: كم؟ فأمسك ثلاثا". قال: لا شيء إلا أن يتكلم. قال ابن رجب في "شرح البخاري": "وذهب طائفة من العلماء إلى وقوعه بالنية المحددة، فالإشارة مع النية أولى".
وأما عدد الطلاق، فهل يكفي فيه الإشارة، فإذا قال: أنت طالق، وأشار بثلاث أصابعه ونوى الثلاث؟ فقال قتادة: "تبين منه بإشارته وظاهره أنه أوقع الثلاث بالإشارة مع النية"، وعند الشافعي وأبي عبيد هو كما لو نوى الثلاث ولم يتلفظ بها، ولا عبرة بإشارته، وكذا قال أكثر أصحابنا، وقد توقف أحمد في هذه المسألة، وحكى فيها خلافا، قال في رواية مهنا في رجل قال لامرأته: أنت طالق وأشار بثلاث أصابع، فقال: قد اختلفوا في هذه، فقال بعضهم: هي ثلاث، وقال بعضهم: هي واحدة.
وروى أبو عبيد بإسناده عن الليث عن الحكم قال: طلق رجل امرأته فأمسكوا بفيه، فأشار بأصابعه الثلاث، فأجمعوا أنه ما تكلم به، ولو قال: أنت طالق وأشار بأصابعه الثلاث، ولم يتلفظ بطلاق، فقال النخغي والشافعي لا تطلق، وهو ظاهر كلام أحمد، فإنه إن لم يتكلم بلسانه فأرجو أن لا يدخل عليه وإن عقد عليه قلبه، نقله عنه حرب، ومفهومه أنه إن أراد طلاقها طلقت.
قال الشعبي في رجل قال لامرأته: أنت هكذا، وأشار بأصابعه الثلاث: "إن نوى طلاقها فهو مانوى"، وللشافعي في هذه الصورة ثلاثة أوجه: إحداها: لا يقع به شيء.
والثاني: يقع به واحدة.
والثالث: يقع به الثلاث، وهو قول القفال وغيره.
بخلاف ما إذا قال: أنت ولم يقل هكذا، وأشار بأصابعه مع النية، لأن قوله: "أنت" ليس من ألفاظ الطلاق.
وإذا قال: أنت هكذا، فقد تكلم بجملة تامة، فسر اسم الإشارة بالطلاق، مع إشارته بأصابعه.
وللشافعية أن إشارة الناطق كناية، إن نوى بها الطلاق وقع كالأخرس.
ومذهب مالك أنه إذا أشار بالطلاق إشارة مفهومة عنه، مع نيته بقلبه فإنه يقع بالكتابة رواية واحدة المسألة الثانية: الكتابة منها: أن الجنب لا يجوز له أن يقرأ القرآن، ويجوز له كتابة القرآن، ذكره بعض أصحابنا، والله أعلم.
ومنها: الأمان يصح بالكتابة، وهو الذي ظاهر في كلام الأصحاب، لأنهم قالوا: يصح بكل ما دل عليه، فدخل فيه الكتابة.
ومنها: البيع لا يصح بالكتابة بلا خلاف فيه، والله أعلم.
ومنها: الوصية إذا كتبها بخطه صحت، جزم به الأصحاب، وهو نص أحمد، نقل حرب عن أحمد أنه سئل عن رجل ثقل لسانه، وكتب وصيته وقرأت، وقال برأسه: نعم. هل يشهدون عليه؟ قال: لا أدري، فظاهر هذا التوقف عنه، والصحيح عن الصحة، ولنا قول بعدم الصحة.
1 / 3
تحرير هذه المسألة: أنها إذا كانت بخطه تقبل على الصحيح، وإن كانت بغير خطه، وهي مشهود عليه فيها، وقرأه عليه، فالصحيح أيضا تقبل، والله أعلم.
ومنها: أن العتق بالكتابة يصح، كما هو ظاهر كلام ابن عقيل، والله أعلم.
ومنها: النكاح هل يصح بالكتابة؟ فقال في "المحرر": "ويصح بالكتابة والإشارة، نص عليه".
ومنها: الطلاق، وفيه ثلاث صور: إذا كتبه بما يبين ونوى الطلاق وقع، وجزبه في "الوجيز" و"المقنع"، وأكثر أصحاب الإمام أحمد.
الصورة الثانية: إذا كتبه ولم ينو الطلاق، لكن نوى غم أهله أو تجويد خطه، لم تطلق، جزم به في "المقنع" وأكثر الأصحاب. وهل تقبل دعواه في الحكم؟ يخرج على روايتين.
وإن لم ينو شيئا، لا تجويد خطه، ولا غم أهله، ولا شيء، فهل يقبل؟ فيه وجهان.
الصورة الثالثة: إذا كتبه بشيء لا يبين، لم يقع، جزم به في "الوجيز" وقدمه في "المقنع"، ولنا قول بالوقوع، وهو قول أبي حفص العكبري، والله أعلم بالصواب.
ومنها: إذا حلف لا تكلم زيدا، فكاتبته، حنث جزم به في "الوجيز" و"المقنع" وغيرهما.
ومنها: كتاب القاضي إلى القاضي، لا بد من الإشهاد عليه، وهو أن يقرأه عليهما، فإذا قرأه عليهما وأشهدهما بما فيه جاز، وإن كتبه وختمه وقال: أشهدا على بما فيه، ولم يقرأه عليهما، لم يجز لظاهر نص أحمد في الوصية، وخرج غير واحد الجواز في مسألة الوصية.
فأما إن كتبه وأرسله إليه من غير إشهاد، لم يقبل قولا واحدا، والله أعلم.
ومنها: الشاهد إذا وجد خطه، ولم يذكر الشهادة، وتحقق الخط، فهل له أن يشهد به؟ على روايتين. وجزم به في "الوجيز" بالشهادة عليه، والله أعلم.
ومنها: الحاكم، إذا وجد شيئا تحت ختمه في قمطرة بخطه، فهل له أن ينفذه؟ فيه روايتان، والذي جزم في "الوجيز" أيضا إنفاذه.
ومنها: إذا وجد في دفتر له عليه دينا لزمه قضاءه، وأما إذا وجد أن لأبيه دينا، فهل له أن يحلف عليه؟ فإن تحقق أنه أباه لم يقبضه فله أن يحلف عليه، وإلا فلا، والله أعلم.
ومنها: الإقرار، هل يصح بالكتابة؟ لم أر فيه شيئا المسألة الثالثة: وهو ما يفهم من حال الشيء، منها: ما حكاه الطحاوي عن الأوزاعي في أعجمي ناول امرأته حبلا، فأمسك بطرفه، والمرأة بطرفه الآخر، ثم أخذ سكينا وقطعه، وقال: أردت بذلك الطلاق، أنها تطلق. ذكره ابن رجب في "شرح البخاري".
ومنها: إذا حلف لا تكلم زيدا، فكلمته، فلم يسمع لشغل أو غفلة، أو سكرانا، أو مجنونا، أو أصم، أو راسلته، حنث، جزم به في "الوجيز"، وقدمه في "المقنع".
وإن كلمته ميتا أو غائبا، أو مغمى عليه، أو نائما لم يحنث، جزم به في "الوجيز"، وقدمه في "المقنع"، ولنا قول بالحنث، وهو قول أبي بكر بن جعفر من أصحابنا، والله أعلم.
القاعدة السادسة
قاعدة: الضمير إذا سبقه المضاف والمضاف إليه، وأمكن عوده على كل منهما على انفراده كقوله: "مررت بغلام زيد فأكرمته"، فإنه يعود على المضاف دون المضاف إليه، لأن المضاف هو المحدث عنه، والمضاف إليه وقع ذكره بطريق التبع، وهو تعريف المضاف أو تخصيصه.
كذا ذكره أبو حيان في " تفسيره" وكتبه النحوية، وأبطل استدلال ابن حزم ومن نحا نحوه كالماوردي في الحاوي على نجاسة "الخنزير" بقوله تعالى: (أو لحم خنزير فإنه رجس)، حيث زعموا أن الضمير في قوله تعالى: (فإنه رجس)، يعود إلى الخنزير، وعللوه بأنه أقرب مذكور.
إذا علمت هذا فمن فروع المسألة: إذا قال له: علي ألف درهم ونصفه، قال الأسنوي:"فالقياس يلزمه ألف وخمس مائة لا ألف ونصف درهم، وهكذا القول في الوصايا، والبياعات، والوكالات، والإجارات وغيرها، والله أعلم.
القاعدة السابعة
قاعدة: الضمير في "أنت" - بفتح التاء للمذكر وكسرها للمؤنث واختلفوا، فقال الفراء: "جميعه هو الضمير"، وقال ابن كيسان: "الاسم منه "التاء" فقط"، وذهب بعض المتقدمينفيه إلى أنه مركب من "ألف" أقوم، و"نون" نقوم، و"تاء" تقوم، ولا أصل له. قال في "الإرتشاف" وغيره: إلا أنه يشار إلى المؤنث بإشارة المذكر على إرادة الشخص وعكسه، كذلك أيضا بتقدير الذات أو التسمية ونحوهما.
إذا تقرر هذا، فمن فروع القاعدة: إذا قال لعبده: أنت - بكسر التاء - حر عتق، لأنه أتى بصريح العتق فيقع، ولا عبرة بالضمير ههنا، والله أعلم.
1 / 4
ومنها: الطلاق يقع، ولو أتى بفتح " التاء " والله أعلم.
ومنها: إذا قال للرجل "زنيتِ" بكسر التاء، وللمرأة "زنيتَ" - بفتحها - كان صريحا في القذف، جزم به في "الوجيز" وهو قول أبي بكر، وقدمه في "المقنع"، وليس بصريح في وجه آخر اختاره ابن حامد، والله أعلم.
ومنها: الشهادة، فلا بد أن يأتي فيها بلفظ المذكر للمذكر، والمؤنث للمؤنث، فلو جعل المؤنث مذكرا، أو المذكر مؤنثا لم تقبل.
القاعدة الثامنة
قاعدة: ضمير الغائب قد يعود على غير ملفوظ به، كالذي يفسره سياق الكلام.
من فروع المسألة: إذا قال: له علي درهم ونصفه، فإنه يلزمه درهم كامل ونصف درهم غيره، والتقدير كما قال ابن مالك: ونصف درهم آخر، إذا لو كان عائدا إلى المذكور، لكان يلزمه درهم واحد، ويكون قد أعاد النصف تأكيدا وعطفه لتغاير الألفاظ.
ومنها: إذا قال: امرأته طالق، وعنى نفسه، فيقع الطلاق، لأنه أتى بصريح الطلاق فيقع، إلا أن نقول: إنه نحو إذا قال: أنا طالق، فلا شيء عليه، وكذا أنا منك طالق، ولنا احتمال بالقوع.
والصحيح في الأول: أنه صريح، ولا يقبله قوله في هذا، ولو قبلنا قوله في هذا لأفضى إلى أن كثيرا من الناس يطلقون، ثم يقولون: أردنا هذا.
وذكر الأسنوي عن الشافعية: قولان، وقال: "حكاهما القاضي شريح الروياني عن جده. . . أبي العباس، وزاد في الروضة للشافعية فقال أرجح الوجهين الوقوع". والله أعلم.
ومنها: إذا شرط الخيار يوما ونصفه، فإن النصف يكون غير اليوم بلا نزاع. وجميع ما يرد كذا، فإن الضمير لا يعود إلى الملفوظ به، والله أعلم.
القاعدة التاسعة
قاعدة: الضمير المرفوع للواحد المتكلم "تاء" مضمومة، وللمخاطب "تاء" مفتوحة إذا تقرر هذا فمن فروع القاعدة: إذا قال في قراءة الفاتحة: "أنعمتُ" بكسر "التاء" أو ضمها - فلا يخلو إما أن يكون هذا أماما أو منفردا، فإن كان إماما لم تصح إمامته، وإن كان يقدر على إصلاحه لم تصح صلاته، وكذا المنفرد، وإن لم يقدر صحت.
ومنها: إذا قال في البيع: "بعتَك" - بفتح التاء - فالذي يتوجه عدم الصحة، وقد ذكر بعض أصحابنا ما هو مثل هذا، فقالوا: إذا أتي في البيع بلفظ المضارع، مثل إن قال: "فَتَبِعْنِي" أو قال: أبيعُك" لم يصح، وهذا أولى، بل هو مثله، لأن "بعتَك" تحيل المعنى الذي هو دال على البيع. قال الأسنوي: "فكأنه باع نفسه إلى نفس المشتري لما قال: بعتك، والله أعلم.
ومنها: الرهن، إذا قال: رهنتَك - بفتح التاء - والذي يتوجه هنا من الرهن الصحة.
ومنها: الإجارة، والنكاح، وهما كالبيع، والذي تقدم في البيع جميعه يجري فيهما، والله أعلم.
وقد أفتى جماعة من الحنابلة المتوسطة أنه كان يعرف هذا في النكاح، فلا يصح، وإن كان لا يعرفه صح، قال الشيخ موفق الدين: "يصح لأن في الغالب لا يقوله إلا من لا يعرفه، والظاهر أنه كان لا يعرفه، فإذا عرفه وقصد هذا، مثل: إن أراد لا يعرفه ونحوه، فلا يصح، والله أعلم.
القاعدة العاشرة
قاعدة: الظاهر قد يقع موقع الضمير في الصلة وغيرها، ومنه قول العرب:"أبو سعيد الذي رويت عن الخدري أي عنه، وقول الشاعر:
وأنت الذي في رحمة الله أطمع
أي في رحمته ومذهب سيبويه أن ذلك لا ينقاس، وخالف فيه بعضهم.
إذا علمت ذلك فمن فروع القاعدة: إذا كان اسمه زيد، فنودي: يازيد، فقال: غلام زيد حر، عتق عبده، لأنه قد أتى بصريح العتق، ولا يقبل منه غير هذا.
ومنها: في الطلاق إذا قيل له: يازيد، فقال: امرأة زيد طالق، طلقت امرأته إن عنى نفسه، لأنه أتى بصريح الطلاق وإن عنى غيره، فالذي ينبغي أنه لا تطلق امرأته، والصحيح عند الشافعية وقوع الطلاق، ولهم قول بعدم الوقوع، إلا أن يريد نفسه.
ومنها: إذا كان اسم زوجته هند، وامرأة أخرى اسمها هند، فقال: هند طالق، طلقت امرأته، جزم به في "الوجيز" و"المقنع"، وقال في "المقنع": "إن أراد امرأته طلقت، وإن أراد الأجنبية لم تطلق، وإن ادعاه دين فيما بينه وبين الله تعالى". وهل يقبل قوله في الحكم؟ خرج الأصحاب في روايتين.
1 / 5
ومنها: إذا نادى امرأته، فأجابته امرأة له أخرى، فقال: أنت طالق ففيها صور. أحدها: إجراء اللفظ على ظاهره، فهل تطلقان أو المناداة وحدها؟، على روايتين. الصورة الثانية: إذا قال: علمت أنها غيرها وأردت طلاق المناداة، طلقتا معا، جزم به في "المقنع"، و"الوجيز" وأكثر أصحاب الإمام أحمد. الصورة الثالثة: إذا قال: أردت طلاق الثانية وحدها، طلقت.
ومنها: إذا لقى امرأة ظنها زوجته، فقال: فلانة أنت طالق، طلقت امرأته، جزم به أكثر أصحاب الإمام أحمد.
ومنها: إذا لقي امرأة فظنها أجنبية، فقال: أنت طالق، لم تطلق امرأته، جزم به في "الوجيز"، والله أعلم.
ومنها: إذا كان اسم امرأته "فاطمة"، فقال: "فاطمة طالق"، فإن أراد امرأته طلقت، وإن لم يرد امرأته لم تطلق، وإن ادعاه دين، وهل يقبل في الحكم؟ يخر على الروايتين، وللشافعية وجهان: أحدهما: هكذا، قال الأسنوي: "ويشبه أن يكون هو الأصح". والوجه الثاني: تطلق امرأته، والله أعلم بالصواب.
القاعدة الحادية عشر
قاعدة: إذا اشتركت الجملة الأولى، والجملة المعطوفة عليها في اسم، جاز أن تأتي به في الثانية ظاهرا كقولك في كلمتي التشهد: "أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله"، وضميرا كقولك: " ... ورسوله".
إذا علمت هذا، فيتفرع عليه: ما إذا أتى به في التشهد في الصلاة ضميرا، فقال: "ورسوله"، فلم أر لأصحابنا فيها شيئا، وأما الأسنوي فحكى لهم فيها وجهين.
ومنها: إذا وكل إنسان آخر في شيء، ثم إن الوكيل قال للبائع: بعتَ هذا لموكلي، فقال: بعتُه، فهل يصح هذا؟ فالمتبادر إلى الفهم الصحة، وقد يقال بعدم الصحة من المسألة الأولى، وهو ما إذا قال: "بعتَك" - بفتح التاء -.
ومنها: إذا قيل له يا زيد، فقال: زيدا، عتق عبده بغير خلاف فيه، وأما في الطلاق فهي تشابه ما تقدم.
القاعدة الثانية عشر
قاعدة: الفصل صيغة ضمير مرفوع منفصل، يؤتى به بين المبتدأ والخبر، نحو زيد هو القائم، أو ما أصله المبتدأ والخبر نحو كان زيد هو القائم. وهو حرف عند الأكثرين، وصححه ابن عصفور، وقيل هو اسم، وعلى هذا فلا موضع له من الإعراب. وقيل محله محل ما قبله، وقيل ما بعده، وفائدته التأكيد على المشهور.
قاله أبو حيان، وقال السهيلي: الحصر.
إذا علمت هذا، فمن فروع القاعدة: التعاليق والأيمان كقولك:" والله إن زيدا هو القائم، أو هو الآكل، أو هو القاعد، أو هو النائم، ونحوه، فهل يحنث بقيام غيره، وأكل غيره، وقعود غيره، ونوم غيره، وصيام غيره، إذا كان الغير هو الفاعل دونه".
القاعدة الثالثة عشر
قاعدة: "من" في إطلاقها على العاقل، وتقع أيضا "ما" لمختلط بمن بعقل، وذهب قطرب إلى أن "من" تقع على من لا يعقل من غير اشتراط شيء بالكلية، و"ما" لما لا يعقل، وتقع أيضا - كما قاله ابن مالك - على المختلط بالعاقل، وذهب جماعة أيضا إلى أنها تقع على من يعقل بلا شرط، وادعى ابن خروف أنه مذهب سيبويه. وتطلق أيضا "ما" على العاقل، إذا كان مبهما لا يعلم أذكر هو أم انثى إذا علمت هذا، فمن فروع القاعدة: قول الفقهاء: من رأي هلال رمضان لزمه الصيام، مرادهم به إذا كان عاقلا مكلفا، فالمجنون وغيره لا يلزمه الصيام، وكذا من جامع لزمته الكفارة، وجميع هذا.
ومنها: إذا وقع في الدار حجر من سطح، فقال الزوج، إن لم تخبريني من رماه أنت طالق، فحكى الأسنوي أن في "فتاوى القاضي حسين"، أنها إن قالت: رماه مخلوق لم تطلق، وإن قالت: رماه آدمي طلقت، لأنه قد يكون رماه كلب أو غير آدمي.
ويرد على هذا أن "من" لمن يعقل، فكيف يسأل بصيغة "من يعقل" وتجيبه بصيغة "من لا يعقل"، ولا تطلق.
ومنها: إذا وصى له بما تحمل هذه الجارية، صح ويعطى ما تلد.
ومنها: إذا قال: غصبتك ما تعلم، ولم يعلم شيئا، حبس على تفسيره، فإن فسره بنفسه لم يقبل.
ومنها: قولهم في الحج: مستطيعه هو أن يجد مؤنته ومن يمؤنه، فإذا كان له دابة ولم يجد ما يمؤنها، لا يلزمه الحج، لكن في "المقنع" و"مؤنة عياله"، وأما إذا وجد دابة ولم يجد علفها، فما أظن أحدا يقول بوجوب الحج عليه. والله أعلم.
القاعدة الرابعة عشر
قاعدة: صيغة "ما" في قول القائل: خذ ما شئت، يجوز أن تكون موصولة، وأن تكون مصدرية ظرفية، أن مدة مشيئتك.
1 / 6
إذا علمت هذا، فمن فروع المسألة: إذا قال لامرأته: أنت طالق ما شئت، فإن كان مراده القدر الذي تشاء فيرجع فيه إلى العدد الذي تشاء، وإن كانت مصدرية طلقت عند مشيئتها له طلقة واحدة.
ومنها: إذا قال: أنت طالق ما شاء الله، فالذي ينبغي هنا الطلاق، ولم أر الأصحاب ذكروها، لكن في كلامهم ما يشبهها، وهي إذا قال: أنت طالق ما لم يشأ الله، تطلق، والله أعلم.
ومنها: إذا كان له عنده وديعة، أو كتاب أو مال، وحلفه خصمه فحلف هكذا، فقال" ما لك عندي وديعة، أو ما لك عندي كتاب، أو مالك عندي مال، لم يحنث ذكره في "المقنع" وغيره، هذا إذا كان مظلوما، وأما الظالم فلا ينفعه تأويله، والله أعلم.
القاعدة الخامسة عشر
قاعدة: "من" تكون للمعلوم، و"ما" تكون للمجهول في الغالب منها: إذا قال: بعتك ما في بطن هذه الأمة لم يصح، لأنه مجهول.
ومنها: إذا قال: بعتك من الصبرة كل قفيز بدرهم لم يصح، ذكره الأصحاب.
ومنها: إذا قال: ما زرعت من شعير فكل نصفه، وما زرعت من حنطة فكل ربعه، ولم يصح وعلله بأنه مجهول.
ومنها: إذا قال: من زرع كذا فله كذا، ومن زرع كذا فله كذا فهل يصح أم لا؟ في المسألة وجهان.
القاعدة السادسة عشر
قاعدة: "ما" النافية إذا دخلت عليها "إن" صيرتها إثباتية، تقول في النافية: ما أنت حيوان، وإذا دخلت عليها "إن" تقول إنما أنت حيوان.
إذا تقرر هذا فمن فروع القاعدة: إذا اختلف المتبايعان في قدر الثمن، حلف كل واحد منهما أيمانا تجمع إثباتا ونفيا، يقول البائع: ما بعته بكذا، وإنما بعته بكذا، ويحلف المشتري: ما اشتريته بكذا، وإنما اشتريته بكذا.
ومنها: في العتق، إذا قال له: ما أنت حر، لم يعتق بغير خلاف فيه، وإذا قال: إنما أنت حر عتق، وكذا في الطلاق، إذا قال: ما أنت طالق لم تطلق، فإذا قال: إنما أنت طالق طلقت.
ومنها: في القذف، إذا قال: ما زنيت، لم يكن قذفا، إلا أن يكون في خصومة، فهل يكون صريحا أو كناية؟ في المسألة وجهان. وإن قال: ما زنت أمي، فجزم ابن مفلح في "أصوله" أنه صريح في القذف، وإن قال: إنما زنيت، فهو صريح في القذف قد يحد به، والله أعلم بالصواب.
القاعدة السابعة عشر
قاعدة: إذا احتمل كون "أل للعهد وكونها لغيره كالعموم، أو الجنس، فإنا نحملها على المعهود، لأنه تقدمه قرينة مرشدة إليه".
إذا علمت ذلك، فمن فروع القاعدة: الطهارة لها معان، وإذا أطلقت إنما تنصرف إلى الطهارة المعهودة وهو الوضوء والغسل، لا إلى غيره، كما قال الشيخ شمس الدين بن أبي عمر: "الطهارة إذا أطلقت إنما تنصرف إلى الموضوع الشرعي، وكذا كل ما له معنى في الشرع واللغة إنما ينصرف إلى الموضوع الشرعي دون غيره، كالصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، والاعتكاف ونحوه، وكالبيع، والنكاح، وسائر ما له معان" والله أعلم.
ومنها: إذا وصى له بدابة من دوابه، فالدابة اسم لك ما دب على الأرض، ولكن المعهود أنها إنما تطلق على الخيل والبغال والحمير، فيعطى من الخيل والبغال والحمير، جزم به في "المقنع" وغيره.
ومنها: إذا أوصى له بشاة أو بعير وثور، فالشاة في الحقيقة اسم للذكر والأنثى، والبعير والثور اسم للذكر والأنثى، وفي العهد اسم للشاة الأنثى، والبعير والثور للذكر، فهل يغلب العهد والحقيقة، فالذي جزم به في "الوجيز" وقدمه في "المقنع" تغليب العهد، واختار الأصحاب تغليب الحقيقة.
ومنها: إذا قال: الطلاق يلزمني، قال ابن رجب: "يراد به طلاق الجنس واستغراق الجنس" كما سيأتي في القاعدة التي بعدها.
ومنها: إذا وصى له بقوس، وله أقواس، فإنه يعطى قوس النشاب، لأنه المعهود، وهو أظهر القسي، جزم به الأصحاب والله أعلم.
ومنها: إذا حلف لا يدخل الدار، أو دار فلان فدخلها، فصارت فضاء، أو حماما، أو مسجدا، أو بستانا، أو باعها فلان، حنث، جزم به في "الوجيز"، وقدمه في "المقنع"، وكذا ما لو حلف لا يلبس القميص، فجعل سروالا أو عمامة، ونحو هذا.
ومنها: إذا حلف لا يأكل اللحم، فأكل الشحم، أو الكرش، أوالمخ، أو الكبد، أو الطحال، أو المصران ونحوه لم يحنث، جزم به في "المقنع" و"الوجيز" وأكثر الأصحاب، وكذا لو أكل المرق، جزم به في "الوجيز"، ونقل عن أحمد: "لا يعجبني". قال أبو الخطاب: "هذا على سبيل الورع".
1 / 7
ومنها: إذا حلف لا يأكل اللبن، فأكل الزبد، أو السمن، أو الجبن، أو المصل، لم يحنث، جزم به الأصحاب.
ومنها: إذا حلف لا يشرب الماء، حنث بالماء المعهود. ولم يحنث بماء الورد، وماء الاهتباد، وماء الحمص، وماء الباقلاء ونحوه. وإ وإذا شرب ماء البحر المالح حنث، وحكي عن الشافعية قولان.
ومنها: إذا حلف لا يأكل الجوز، فأكل جوز الهند لم يحنث.
ومنها: إذا حلف لا يأكل البطيخ، حنث بأكل الأخضر والأصفر، وحكى الأسنوي أنه لا يحنث عندهم، وهو مشكل.
ومنها: إذا حلف لا يشم الريحان، فشم الورد، أو البنفسج، أو الياسمين، أو لا يشمهما فشم دهنهما أو ماءهما، لم يحنث، جزم به في "الوجيز" وقدمه في "المقنع"، وقال بعض أصحابنا: يحنث، والله أعلم.
ومنها: إذا حلف لا يأكل لحما فأكل سمكا حنث، جزم به في "الوجيز" واختاره الخرقي، وقدمه في "المقنع"، واختار ابن أبي موسى عدم الحنث.
ومنها: إذا حلف لا يأكل الرأس والبيض، حنث بأكل الرؤوس المعهودة، وهو الرأس يؤكل منفردا، والبيض المعهود لا يؤكل بائضه حال الحياة، ذكره أبو الخطاب، وجزم في "الوجيز" وقدمه في " المقنع"، واختار القاضي يحنث بأكل رؤوس الطير والسمك وبيض السمك والجراد.
ومنها: إذا حلف لا يركب، فركب سفينة لم يحنث، وجزم في "الوجيز" وقدمه في "المقنع" الحنث.
ومنها: إذا حلف لا أكلت السويق فشربه، أو لا شربته فأكله، لم يحنث في ظاهر نص أحمد، لأنه قال فيمن حلف لا يشرب النبيذ فثرد فيه وأكله: لا يحنث، وقال الخرقي: "يحنث". وخرج الأصحاب من كلام أحمد في كل ما كان مأكولا، فحلف لا يأكله، فشربه أو عكسه وجهين.
وقال القاضي: إن عين المحلوف عليه حنث، وإلا فلا. وأكثر ثمار الأيمان يدخل في هذه القاعدة، لأن كل ما كان في "أل" وكان فيه معهود وعام يدخل فيها، والله أعلم.
القاعدة الثامنة عشر
قاعدة: الاسم المحلى ب "أل" التي ليست للعهد تفيد أي "أل" العموم مفردا كان أو جمعا، والمضاف كالمحلى ب "أل" فيما ذكرناه في إفادة العموم والجمع بطريق أولى. والكلام الآن في المفرد والجمع المضافين أو المعرفين ب "أل" تفيده العموم.
إذا عرف ذلك، فيتفرع على القاعدة مسائل: منها: بطلان بيع الغرر بقولك: "نهي عن بيع الغرر"، فدخل فيه جميع ما فيه غرر، من بيع الحمل في البطن، والصوف على الظهر، واللبن في الضرع، والمسك في الفار، والنوى في التمر.
ومنها: تحريم بيع اللحم بالحيوان بقولك: "نهى عن بيع اللحم بالحيوان"، فدخل فيه كل لحم بكل حيوان، سواء كان الحيوان يؤكل أو لا، وبيع اللحم بجنسه من الحيوان الحرام، جزم به الأصحاب. وفي بيعه بغير جنسه وجهان.
ومنها: إذا قالت المرأة: أذنت للحاكم أن يزوجني، وكان في البلد حكام، فعهد لكل واحد أن يزوجها، لم أر لأصحابنا في هذه المسألة كلاما، وأما الشافعية فذكر ابن الصلاح في فتاويه جوازه، والله أعلم.
ومنها: إذا أوصى زيد بثلث ماله، فهل يكون للجميع؟.
مقتضى كلام أصحابنا أنه لجميعهم، إلا أن يوصي لبنيه فيكون للذكور، وعند الشافعية أيضا هو لجميعهم، ذكره الروياني في "البحر" ومنها: إذا قال: والله لأشربن ماء الكوز أو الإداوة، أو البئر، لم يبرأ حتى يشرب جميعه.
وإن قال: لا شربته، فقال الشافعية: لا يحنث بشرب بعضه، ولم أر لأصحابنا فيه شيئا.
ومنها: إذا حلف لا يأكل الخبز الذي في البيت، لم يحنث حتى يأكل الجميع. إن حلف: والله لأكلن الخبز الذي في البيت، لم يبرأ حتى يأكل جميعه. والله أعلم.
ومنها: إذا قال الإمام للقاضي: وليتك الحكم، فكانت ولايته عامة في جميع الأشياء.
ومنها: ما ذكره الأسنوي: إذا قال لثلاث نسوة: من تخبرني منكن بعدد ركعات الصلاة المفروضة في اليوم والليلة، فهي طالق. فقالت واحدة: سبعة عشر ركعة، وقالت الثانية: خمسة عشر، وقالت الثالثة: إحدى عشر، لم تطلق واحدة منهن، فالأول معروف، والثاني يوم الجمعة، والثالث في السفر.
نقله الأسنوي عن الرافعي، والرافعي عن القاضي حسين. قال الأسنوي:"وهو كلام غير محرر"، وهو كما قال، لأنه عام، لأن القاعدة للعموم، فعم السفر والحضر وغير ذلك، فتخصيصه بالسفر مشكل، وقد حرره الأسنوي في كتابه فعاوده.
1 / 8
ومنها: إذا قال: الحرام يلزمني، أعني به طلاقا، طلقت واحدة، وعنه أنه ظهار، وإن قال: أنوي به الطلاق: طلقت ثلاثا بغير خلاف في العدد عند أصحابنا، وعنه أنه ظهار أيضا.
ومنها: إذا قال: الطلاق يلزمني، ونوى الثلاث، طلقت ثلاثا، وإن لم ينو شيئا، فهل تطلق ثلاثا أو واحدة؟ على روايتن، وإن نوى واحدة فلم أر فيها شيئا، إلا الشافعية لا يقع إلا واحدة، والله أعلم.
قال ابن رجب في "القواعد" في القاعدة التاسعة والخمسين بعد المائة: "إذا قال: الطلاق يلزمني، فهل يلزمه واحدة أو ثلاث؟ على روايتين، لأن الألف واللام قد أراد بها العهد في الطلاق المعهود المسنون، وهو الواحدة - وهذا يجيء على القاعدة التي قبل هذه - قال -: ويراد بها مطلق الجنس، ويراد بها استغراق الجنس، لكنها في الاستغراق والعموم أظهر. والمتيقن في تلك الواحدة، والأصل بقاء النكاح.
وعلى رواية وقوع الثلاث. . . فلو نوى بها ما دونها، فهل يقع به ما نواو خاصة أو يقع به الثلاث، ويكون دون ذلك صريحا في الثلاث؟ فيه طريقا للأصحاب.
ولو قال: الطلاق يلزمني، وله أكثر من زوجة، فإن كان هناك نية أو سبب يقتضي التعميم أو التخصيص عمل به.
ومع فقد النية والسبب خرجها بعض الأصحاب على الروايتين في وقوع الثلاث بذلك على الزوجة الواحدة، لأن الاستغراق في الطلاق يكون تارة في نفسه، وتارة في محله، وقد فرق بعضهم بينهما بأن عموم المصدر لإفراده أقوى من عمومه لمفعولاته، لأنه يدل على أفراده بذاته عقلا ولفظا، ويدل على مفعولاته بواسطة، فلفظ الأكل والشرب - مثلا - يعم الأنواع منه، والأعداد أبلغ من عموم المأكول والمشروب إذا كان عاما، فلا يلزم من عمومه لأفراده وأنواعه عموم لمفعولاته. ذكر هذا كله الشيخ تقي الدين بمعناه.
وفي موضع آخر قوي وقوع الطلاق بجميع الزوجات دون وقوع الثلاث بالزوجة الواحدة، وفرق بأن وقوع الثلاث بالواحدة محرم، بخلاف وقوعه بالزوجات المتعددات.
وقد يقال: إن قوله الطلاق يلزمه، وإن كان صيغة عموم، لكن إن لم ينو عمومه، كان مخصصا بالشرع عند من يحرم جمع الثلاث، وهو ظاهر المذهب، فتكون المسألة حينئذ من صور التخصيص بالشرع.
ومنها: دعوى "الأصل في الأبوال كلها النجاسة" لقوله ﷺ: "تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه"، والأصحاب يحملوا الألف واللام هنا على العهد، وهو بول الآدمي بقرينة.
ومنها: دعوى جواز التكبير في الصلاة بقول المصلي: "الله الأكبر أو الكبير" أو إذا نكس على الخلاف في ذلك، استدلالا بقوله ﵇: "تحريمها التكبير.."، والمذهب "تخصيص الله أكبر"، فتكون الألف واللام للعهد، لأنه لم ينقل عن النبي ﷺ أنه كبر بغير هذا.
ومنها: دعوى جواز" السلام" للخروج من الصلاة بقوله: "عليكم السلام"و"سلام عليكم" بغير تعريف، وفي المسألة وجهان ذكرهما القاضي أبو يعلى في "الجامع الكبير" وغيره، هل هما للعهد أو العموم؟ فإن أتى به بغير الألف واللام ففيه أوجه: أحدها: الإجراء إذا نونه، وهو احتمال أبداه في "الجامع الكبير"، وقد أومأ إليه أحمد في رواية مهنا.
والثاني: عدم الإجزاء على أنهما للعهد.
والثالث: عدم الإجزاء مطلقا، سواء نونه أو لا.
ومنها: إذا تيمم ونوى الصلاة أو أطلق، فالذي قاله في "المقنع" أنه لا يصلي الفرض، والذي ينبغي صلاتها، وحكى الأسنوي عن الشافعية وجهين.
ومنها: إذا قال: له علي كذا كذا درهم، فتارة يقوله كذا بلا عطف، وتارة بقوله معطوفا، وهو أن يقول: كذا وكذا.
فإن قاله بلا عطف أعطي درهما، ومع العطف درهمين، وهكذا حكى الأسنوي عن الشافعية قال: "فلو أفرد الدينار مع الإضافة أعطي حبتين عند العطف، وحبة واحدة عند عدمه.
وفرق أصحابنا في هذا وقالوا: الدرهم تارة يؤتى به بعد العطف والإضافة مرفوعا، وتارة مخفوضا، وتارة منصوبا، فإن كان مرفوعا لزمه في العطف والإضافة، ومع الخفض يلزمه بعض درهم، ومع النصب يلزمه درهم عند أبن حامد، ودرهمان عند أبي الحسن التميمي، والله أعلم.
ومنها: إذا قال لزوجته: إذا قدم الحاج فأنت طالق. فهل تطلق بأول قدوم بعضهم، أو لا تطلق حتى يقدم جميعهم؟ المتعين تطلق بأول قدومهم، مالم تكن نيته قدوم الجميع.
1 / 9
ومنها: إذا قال: إذا كان حملك ذكرا، فأنت طالق طلقة، وإن كان أنثى فطلقتين، فولدت ذكرا وأنثى، لم تطلق، جزم به في "المقنع"، وأكثر أصحاب الإمام، لأن حملها ليس بذكر وليس بأنثى، بل الذكر بعضه والأنثى بعض. وهذا موافق لكون المضاف للعموم، وإن قال: إن كنت حاملا، مكان "إن كان ... " طلقت ثلاثا.
ومنها: إذا قال السيد لعبده: إذا قرأت القرآن فأنت مدبر، فقرأ بعضه لم يصر مدبرا، جزم به الأصحاب.
ومنها: إذا حلف لا رأى منكرا إلا رفعه إلى الوالي، من غير تعيين وال، فهل يتعين في المنصوب وبكل من ينصب بعده؟ في المسألة وجهان: قال في "الترغيب": "لتردد الألف واللام بين الجنس والعهد".
ومنها: إذا قال: إن ولدت ذكرا فأنت طالق واحدة، وإن ولدت أنثى فأنت طالق اثنتين فولدت ذكرا وأنثى.
طلقت بالأول، وبانت بالثاني، ولم تطلق به، ذكره أبو بكر، وقال ابن حامد، تطلق به.
المسألة الثانية: وهو الجمع المحلى ب"أل" أو المضاف، إذا لم يقم قرينة تدل على معهود.
ويتفرع عليه: إذا قال: إن كان الله يعذب الموحدين فأنت طالق، طلقت.
ومنها: لا يجوز التسمية بملك الملوك، وسلطان السلاطين، وجبار الجبابرة. ذكره الشيخ شمس الدين بن القيم في كتاب "تحفة المودود".
ومنها: ما قاله الأسنوي عن ابن عبد السلام: لا يجوز الدعاء للمؤمنين والمؤمنات أن يغفر الله ذنوبهم جميعها، ولا بعدم دخولهم النار، وما قاله فيه نظر.
وقال هو عن قول نوح: إنه فعل في سياق الإثبات، وذلك لا يقتضي العموم، لأن الأفعال نكرات ويجوز بها قصد معهود خاص، والذي ينبغي أن هذا يجوز، والله أعلم.
ومنها: إذا وقف على فقراء بلد، أو أقاربه، أو جماعة يمكن حصرهم واستيعابهم، وجب تعميمهم والتسوية بينهم، وإن لم يمكن جاز تفضيل بعضهم على بعض، وإلا فيصار على واحد منهم، ويحتمل أن لا يجزيه أقل من ثلاثة.
ومنها: إذا حلف ليصومن الأيام، فهو ثلاثة أيام، جزم به في "المقنع" في كتاب "جامع الأيمان" ونقله الرافعي عن بعض الشافعية، وحكى الأسنوي احتمالا عندهم أنه أيام العمر، والله أعلم.
وكذا لو قال: الأشهر، فلو قال: الشهور، فهي اثنى عشر، ذكره القاضي، وعند أبي الخطاب هي ثلاثة، والله أعلم.
القاعدة التاسعة عشر
قاعدة: الفاعل يطلق على الحال، وعلى الاستقبال، وعلى المضي، وكذا اسم المفعول، وإطلاق النحاة يقتضي أنه إطلاق حقيقي.
إذا علمت هذا فيفرع على القاعدة فروع" منها: إذا قال لزوجته: أنت طالق أو مطلقة، فإنه يقع للماضي، لأنه يقال: طالق أمس، ويطلق في أنت طالق أمس، جزم به الأصحاب. وللحال، وهو مرادهم في جميع الطلاق.
ويراد به الاستقبال مثل أن يقول: أنت طالق إذا جاء رأس الشهر، فلو لم يقل شيئا وقع في الحال، فإن قال: أردت ذلك دين، وهل يقبل منه في الحكم؟ يخرج على روايتين، والله أعلم. وكذا في الوقف والبيع، والله أعلم.
القاعدة العشرون
قاعدة: إذا أردت باسم الفاعل الحال أو الاستقبال، نصبت معموله، وإن أريد به المضي، فإن كان معموله ملتبسا ب "أل" جاز النصب به، وإن عري عنها فلا، بل يتعين إضافته وقال الكسائي: يجوز أن ينصب مطلقا، وحيث يجوز النصب به، فيجوز الجر أيضا، بل هو أولى لأنه الأصل. وقال سيبويه: "الجر والنصب سواء". وقال هشام: "النصب أولى".
إذا علمت ذلك. . فمن فروع القاعدة: إذا قال قائل: أنا قاتل زيد، ووجد زيد مقتولا، فإن نونه ونصب به ما بعده، لم يكن إقرارا.
القاعدة الواحدة والعشرون
قاعدة: مقتضى اسم الفاعل صدور الفعل منه، ومقتضى اسم المفعول صدوره عليه.
إذا تقرر هذا، فمن فروع القاعدة: إذا حلف لا يأكل مستلذا، فإنه يحنث بأكل للذيذ، سواء استلذ به أو لا، إذا كان لذيذا عند غيره، ولو عند نفسه ولم يستلذ به.
وإن حلف لا يأكل شيئا لذيذا، لم يحنث ألا بما استلذه هو، لأن المستلذ من صفات المأكول، واللذيذ من صفات الأكل.
ومنها: إذا حلف لا يأكل مرا، حلف بأكل ما كان مرا بطبعه، ولم يجده هو مرا، وإن قال شيئا مريرا لم يحنث، وفيهما نظر، والله أعلم.
القاعدة الثانية والعشرون
قاعدة: أفعل التفضيل مقتضاها المشاركة
1 / 10
ذكره النحاة، وتكون للمشاركة مطلقا، كما هو مقتضى كلام النحاة وسواء كان محلى ب "الألف واللام" أم لا. فالمحلى مثل: الأرشد، وغير المحلى مثل أرشدهم.
إذا علمت هذا، فمن فروع القاعدة: إذا وقف على ولده، وشرط النظر للأرشد فأرشد، اشترك جميع من استوى في الأرشدية في النظر من الذكور والإناث.
وقد رد بعض الحنفية على الفقهاء، فقال: أفعل التفضيل إذا ورد محلى ب"الألف واللام" قال أهل العربية: يجب مطابقته الموصوف إن كان مذكرا فمذكر، وإن كان مؤنثا فمؤنث، فيكون على وزن الفعلى، لا على وزن "الأفعل"،والفقهاء يدخلون الأنثى حين يقول الواقف: النظر للأرشد، فالأرشد من أولاده، والأرشد صفة للمذكر عند أهل العربية، فما وجه دخول الأنثى في لفظ الأرشد فالأرشد؟.
وجواب على هذا: وقد أجاب شيخنا الشيخ تقي الدين بن قندس عن هذا بجواب مطول، وهو أيضا في الحكم: "أيها الكاتب هذا السؤال، والواقف عليه، والسامع له، إن قوله: الأرشد صفة للمذكرعند أهل العربية، خصه ممنوع بل قد يكون للمذكر فقط، وقد يكون لما يعم المذكر والمؤنث، وألفاظ الواقفين كلها أو غالبها إنما تقع على الثاني دون الأول.
فعلى تقدير وقوعها على الأول، لا يصح إدخال الأنثى فيه، ولا يوجد الإدخال المذكور في كلام فقيه، فإن وقع فهو سهو، وإذا وقع على الثاني - كما هو المعهود من ألفاظ الواقفين - تعين الإدخال، إعطاء اللفظ حقه، ما لم يوجد مانع معتبر.
فالاستشكال إنما نشأ من الإجمال في مقام التفصيل، فإذا حصل التفصيل المعتبر، وأعطى كل مقام ما يليق به زال الإشكال واتفق كلام الفريقين - الفقهاء وأهل العربية - بتوفيق الله تعالى" فصل في بيان وجوب التفضيل بمذكور في هذا المقام، وألفاظ الإجمال بعد الاعتصام بالهادي من يشاء إلى صراط مستقيم. فنقول: إن" الأرشد" من أفعل التفضيل، وهو تابع في معناه للموصوف به، فإن كان الموصوف به للمذكر فقط، كان "الأرشد" للمذكر فقط، وإن كان الموصوف به للمذكر والمؤنث، كان "الأرشد" كذلك للمذكر والمؤنث.
فإذا وقف على ولده الأرشد، أو جعل النظر لولده الأرشد، كان ذلك شاملا للذكر والأنثى - كما هو معلوم في كلام الفقهاء وغيرهم - وليس في كلام أهل العربية ما يخالفه، بل في كلامهم ما يعضده ويوافقه.
وأما إذا قال: على ذكر ولدي الأرشد، فهو للمذكر فقط، لا يعلم في كلام فقيه ما يخالفه، وهذا كاف في جواب ما كتب، والله أعلم بالصواب.
وذلك لأن "الأرشد" صفة للمذكر والمؤنث، فلو وقف على بناته وشرط النظر للأرشد، فالأرشد، صح.
فإذا وقف على أولاده، وشرط النظر للأرشد فالأرشد، دخل فيه الذكور والإناث، لأن "الأرشد" صفة للمذكر والمؤنث، والله أعلم بالصواب.
فإذا قال: وقفت على ولدي الرجل، ووصفه بأفعل التفضيل تعين أن يقول"الأفضل"، ولا يقال: "للأفضلين"، لأن لفظ "الرجل" مفرد فتعين "الأفضل" لأنه مفرد، حتى تحصل المطابقة المعتبرة، مع أن "الرجل" للعموم فتعم كل رجل أفضل، لأن المفرد المحلى ب "الألف واللام" للعموم، اعتبرت المطابقة للفظ دون المعنى.
وأما أحكام الفقهاء فسرت على المعنى، ويدخلون تحت ذلك اللفظ مدخل "أفضل" وفسر على ذلك ما في معناه.
ولو سلم أن كلام الفقهاء مخالف لكلام أهل العربية، فوجه كلام الفقهاء أنهم يبنون الحكم على ما يتعارفه الواقفون ويفهمونه من كلامهم، لا على دقائق أهل العربية التي لا معرفة للواقف بها، فإن قيل: لا سنلم أن "الآرشد" تابع للموصوف به، فإن كان الموصوف به مذكرا ف "أرشد" للمذكر، وإن كان مذكرا ومؤنثا كان "الأرشد" للمذكر والمؤنث، كما ذكرتم.
بل نقول: الموصوف به تابع له، فإذا كان الموصوف به مذكرا كان مطابقا له، فإذا قال: ويكون النظر للابن الأرشد، ثم للرجل الأرشد، أو للذكر الأرشد، حصلت المطابقة، لأن الابن والرجل للمذكر، فحصلت الموافقة لمساواة كل منهما التذكير في الآخر.
وأما إذا كان الموصوف به يشمل المذكر والمؤنث، فإنه مخصص بذكر "الأرشد" ويصير للمذكر، فالولد - مثلا - يشمل المذكر والمؤنث إذا كان مجردا، فإذا اتصف ب "الأرشد" يخصص وصار للمذكر لكونه وصف بالمذكر، وهو "الأرشد".
1 / 11
وهذا ظاهر يبطل قولكم: إن "الأرشد" تابع للموصوف به، بل الآخر بالعكس، وهو أن الأرشد ما وصف به تابع له وتخصص به، قلنا: الجواب عن ذلك أن أهل العربية الذي اعتمدتم عليه في الاستشكال وأوردتم لأجله السؤال يهدم دعواكم، وينصب في المقام سواكم.
ألا ترى أنهم يقولون: إذا كان أفعل التفضيل ب "الألف واللام" لزم مطابقته لما هو له، أي أفعل التفضيل يطابق الموصوف به، فيكون أفعل التفضيل تابعا للموصوف به لا بالعكس. وهذا ظاهر واضح لا يخفى على من هو عالم يعطي التأمل حقه.
وأيضا إذا كان الموصوف موضوعا للمذكر والمؤنث، ووصف بالمذكر فقط، فقد يقال: لا تحصل المطابقة المعتبرة في المقام، وأيضا لو صح ذلك لجاز أن يوصف الشامل للمذكر والمؤنث، فيصح أن يقول: ولدي "الأرشد"، ويصح أن يقول: ولدي "الرشدى"، ويصح أن يقول على الطائفة "الأفضل"، والطائفة "الفضلى"، وعلى الفريق "الأفضل"، وعلى الفريق "الفضلى"، وهلم جرا.
وصريح كلام أهل العربية يمنع ذلك، وأنه تتعين المطابقة، والقبيلة - مثلا - "الفضلى" والفريق "الأفضل"، لأن لفظ "الطائفة" ونحوها مؤنث، ولفظ الفريق مذكر، وإن كان كلا منهما يشمل المذكر والمؤنث في المعنى والدلالة.
ولذلك لفظ " الولد" مذكر فتعين له لفظ "الأرشد" لأنه مذكر، وإن كان يدخل في المعنى كلا منهما - المذكر والمؤنث، وكذلك إذا قال: "القبيلة" تعين - مثلا - أن يقول " العظمى"، ولا يقال: "الأعظم"، لأن الأعظم، لأن لفظ "الأعظم" مذكر، و"العظمى" مؤنث، فتعين المؤنث للمطابقة، ولا يمنع الفقهاء من إدخال الذكر والأنثى في مثل هذه، لأن معناها شامل لهما، وهذا يقوي أن أهل العربية مرادهم الألفاظ دون المعاني الشاملة، لأنهم ذكروا في المطابقة الإفراد والتثنية والجمع ومنها: إذا وصى لأقارب زيد، دخل الأبوان - كما قد صرح به الأصحاب -.
ومنها: إذا قال: أنت أزنى الناس، أو أزنى من فلان، كان صريحا في القذف، وإن قال: أنت أزنى مني كان قذفا، ولو قيل له: يازان، فقال: أنت أزنى مني، كان قاذفا. وحكى الأسنوي أنه لا يكون قاذفا، والله أعلم.
القاعدة الثالثة والعشرون
قاعدة: لفظ "الأكثر" - ب "الثاء" المثلثة - أفعل تفضيل في أصل الوضع إذا تقرر هذا، فمن فروع القاعدة: إذا ادعى عليه فقال: لفلان علي أكثر من مالك، وقال: أردت التهزئ، لم يقبل منه ويلزمه حق لهما.
ولنا وجه لا يلزمه شيء، والصحيح الأول، ويكون حق من قال له على أكثر، "أكثر" وسواء كان نفعا أو بقاء، ونحوه كما سيأتي.
ومنها: إذا قال: له علي أكثرمن مال فلان، لزمه التفسير، فإن فسره بأكثر قدرا قبل، وإن قل، وإن فسره بأكثر بقاء أو نفعا قبل منه مع يمينه، وسواء علم مال فلان أو جهله، أو ذكر قدره أو لم يذكره. جزم به الأصحاب في كتبهم، والله أعلم.
ومنها: إذا قال له: علي دراهم كثيرة، قبل تفسيرها بثلاثة دراهم فما فوقها، جزم به الأصحاب.
وإن قال: مال كثير، قبل تفسيره بالقليل والكثير.
ومنها: إذا حلف لا يصلي صلاة كثيرة، حنث بثلاث ركعات، والصيام الكثير ثلاثة أيام ومنها: إذا قال: أنت طالق أكثر الطلاق، طلقت ثلاثا، كما قد صرح به الأصحاب في كتبهم فانظروه.
ومنها: إذا أوصى له بأكثر ماله، فهو فوق النصف بأي شيء كان.
ومنها: الأكثر عددا أفضل من الأحسن في الأضاحي، مثاله: إذا كانت شاة بعشرة، وخمسة بعشرة، فالخمسة أفضل، ذكره في "تجريد العناية"، وذكره أنه نص أحمد، وأطلق في "القواعد الرجبية" في المسألة روايتين.
ومنها: أن تعدد الركعات في الصلاة أفضل من طول القنوت، جزم به بعض الأصحاب، وأطلق بعضهم في المسألة روايتين.
القاعدة الرابعة والعشرون
قاعدة: المصدر المنسبك نحو يعجبني صنعك إن كان بمعنى الماضي أو الحال، فينحل إلى "ما" و"الفعل" نحو ما صنعت، أو تصنع، وإن كان بمعنى الاستقبال فينحل إلى "أن" و"الفعل"، وكذا "أن" المشددة مع "الفعل". وذكر في "الارتشاف" أن النحاة فرقوا بين "انطلاقك" و"أنك منطلق"، أن المصدر لا دليل فيه على الوقوع.
إذا علمت ذلك، فمن فروع القاعدة:
1 / 12
إذا قال: أوصيت لك أن تسكن هذه الدار، أو بأن يخدمك هذا العبد، فإنه يكون إباحة لا تمليكا، وفي كلام الفقهاء ما يدل عليه، لأنهم قالوا في الأمة: يجوز أن يوصي لشخص بمنافعها، والآخر برقبتها.
ومنها: لو وكله، وقال: وكلتك في أن تبيع هذا، أو أن تشتريه، أو في أن تصدق به، أو في أن تقفه، تارة يكون قصد الموكل بهذا أن لا يوكل، فليس للوكيل أن يوكل فيه، وتارة لا يكون له قصد، فهذا يجوز للوكيل أن يوكل بشروط، والله أعلم بالصواب.
القاعدة الخامسة والعشرون
قاعدة: قد يحذف المصدر وتقام صفته مقامه.
إذا علمت هذا، فمن فروع القاعدة: إذا قال: أنت واحدة، وقع عليها واحدة، وإن وقع بالرفع، فهي من كنايات الطلاق الخفية، جزم به في "المقنع"، وأكثر أصحاب الإمام أحمد، ويقع بها ما نواه من واحدة وثلاث، وما نوى.
ومنها: إذا قال: أنت طالق أقل من طلقتين، وأكثر من واحدة وقع طلقتان، وأفتى بهذا أبو المعالي من أصحاب الشافعي.
وأفتى أبو إبراهيم بوقوع ثلاث، لأنه قال: أقل من طلقتين وقعت واحدة، وأكثر من واحدة وقع ثلاث.
القاعدة السابعة والعشرون
قاعدة: المصدر لا يشتق من المصدر بلا خلاف بين النحويين إنما اختلفوا أن المصدر.. هل هو أصل والفعل والوصف مشتقان منه؟ أو أن الفعل أصل والمصدر والوصف مشتقان منه؟ أو أن كلا منهما أصل بنفسه؟ فيه أقوال للنحاة.
إذا علمت ذلك فمن فروع القاعدة" الكتاب مشتق من الكتب، والكتب مصدر، والكتاب مصدر ذكر ذلك الفقهاء، وقد رد بعضهم كلام الفقهاء، وقال المصدر لا يشتق من المصدر.
وقد أجاب عنه شيخنا تقي الدين بن قندس فقال: "الفقهاء لم يقولوا: الكتاب مشتق من الكتب، إلا بعد حكمهم على"الكتاب" بأنه اسم مفعول، ولهذا قالوا: "كالخلق بمعنى المخلوق"، والله أعلم بالصواب.
القاعدة الثامنة والعشرون
قاعدة: "مع" اسم استصحاب، وحركته إعراب، يجوز بناؤه بالسكون على لغة، وأصلها "معي"، فحذفوا الياء للتخفيف إذا علمت هذا فمن فروع القاعدة: إذا قال أنت طالق طلقة مع طلقة، أو معها طلقة، طلقت طلقتين. جزم به في "المقنع" وغيره من أصحاب الإمام أحمد ﵀.
ومنها: إذا أوقع بامرأته طلاقا، أو ظهارا، أو إيلاء، أو غيره، ثم قال لأخرى: أنت معها، وقع بها مثل ما وقع بالأولى. جزم به الأصحاب.
ومنها: إذا قال: زنيت مع فلان، كان قذفا لها.
ومنها: إذا قال: له علي درهم مع درهم، لزمه درهمان. جزم به الأصحاب، وعند الشافعية يلزمه درهم.
ومنها: إذا حلف لا يخرج من البلد إلا معه، فخرجا معا، لكن تقدم أحدهما عن الآخر خطوات، فلم أر لأصحابنا فيها شيئا، لكن الذي ينبغي عدم الحنث، وللشافعية وجهان، وصحح في "الروضة لهم عدم الحنث.
ومنها: إذا قال لوكيله: بع هذا العبد مع هذا الآخر، فإن كان قصده اجتماعهما في البيع، فليس للوكيل التفريق بينهما، وإن لم يكن قصده ذلك جاز.
ومنها: إذا قال: بعتك هذه الدابة مع أخرى في البيت، فلا يصح، وكذا كل ما جمع فيه بين معلوم ومجهول.
ومنها: إذا قال: إن كلمت زيدا مع عمرو، فأنت طالق، فلا تطلق حتى تكلمهما. وهل تطلق إذا كلمتهما منفردين، أو لا بد من اجتماعهما؟ الذي ينبغي أن لا تطلق حتى تحدثهما مجتمعين، صرح بهذا بعضهم. وذكر الرافعي: ويحتمل أن تطلق حيث وجد الكلام، وهو المتباردر إلى الذهن من الحالف، والله أعلم.
ومنها: إذا قال: أنت طالق طلقة واحدة مع طلقتين، طلقت ثلاثا، كما جزم به الأصحاب، والله أعلم.
ومنها: إذا حلف: لا أقام مع زيد، أو لا جلس معه، فجلس في قوم هو فيهم، فإن كان يعلم حنث، وإن لم يعلم لم يحنث، فإن علم وهو بينهم خرج، فإن لم يخرج حنث.
ومنها: إذا حلف: لا أقمت مع الماء، وكان الماء راكدا، حنث، وإن كان جاريا لم يحنث، إذا كان يرى الماء الذي هو فيه بعينيه.
ومنها: إذا حلف: لا أقام في هذه الساعة، لم يحنث لأنه لا يقيم فيها، لأن المذكور مثل الماء الجاري، والله أعلم.
القاعدة التاسعة والعشرون
قاعدة: إذا قطعت "مع" عن الإضافة، فإنها تنون، وتكون مثل "جميعا" في المعنى.
قال أبو حيان: "ومعناها لا تدل على الاتحاد في الوقت، بل معناه التأكيد، وقال أحمد بن يحيى: "تدل على الاتحاد في الوقت".
1 / 13
إذا علمت هذا، فمن فروع القاعدة: إذا قال: إن ولدتما معا، أو دخلتما معا، أو إن خرجتما معا، فأنتما طالقتان، أو حران.
هذه المسألة لم أر لأصحابنا فيها منقولا، لكن الذي ينبغي الوقوع بدخولهما ولو مع التفرق كما هو أحد الوجهين عن الشافعية، نقله ابن الرفعة عن الشافعي، والله أعلم.
القاعدة الثلاثون
قاعدة: أول الأيام "الأحد" عند أهل اللغة، وقال بعض العلماء: أولها السبت منه قول الشاعر:
ألم تر أن الدهر يوما وليلة ... بكران من سبت عليك إلى سبت
والأشهر الحرم أربعة: ذي القعدة، وذي الحجة، ومحرم، ورجب، وذهب الكوفيون إلى أن الابتداء بالمحرم قلت: وعندي أولها رجب، والله أعلم بالصواب.
ويترتب على هذا: النذور، والطلاق، والأيمان، وجميع التحاليف، والله أعلم بالصواب.
القاعدة الواحدة والثلاثون
قاعدة: لفظ "قبل" نقيض "بعد"، فإن مدلوله التقدم في الزمان، وهل يستدعي وجودهما؟ فيه خلاف.
إذا علمت هذا، فمن فروع القاعدة: إذا قال: أنت طالق قبل أن أنكحك، أو أمس، فإن نوى إيقاع الطلاق وقع، وإن لم ينو لم يقع في ظاهر كلام أحمد، وجزم به في "الوجيز"، وقال القاضي: "وحكى عن أبي بكر لا يقع إذا قال: أنت طالق أمس، ويقع إذا قال قبل أن أنكحك"، وإن قال: أردت أن زوجا قبلي كان طلقها، أو طلقتها أنا في نكاح قبل هذا، قبل منه، إن احتمل الصدق في ظاهر كلامه، فإن مات، أو جن، أو خرس قبل العلم بمراده لم تطلق، جزم به في "الوجيز"، ولنا وجه تطلق، وأطلقها في "المقنع" ومنها: إذا قال: أنت طالق قبل قدوم زيد بشهر، فقدم قبل مضي شهر، لم تطلق، وإن قدم بعد شهر وجزء يقع الطلاق فيه وقع، جزم به في "المقنع" و"الوجيز".
ومنها: إذا قال: أنت طالق قبل موتي، تطلق في آخرجزء من حياته.
ومنها: إذا قال: أنت طالق قبل أن تدخلي الدار، فإنها تطلق في الحال.
ومنها: إذا قال: له علي درهم قبله درهم، لزمه درهمان، جزم به الأصحاب.
ومنها: إذا قال: له علي درهم قبل درهم، لزمه درهمان، جزم به في "المقنع".
ومنها: إذا قال: أنت طالق في شهر قبل رمضان، أو قبل ما قبل قبله رمضان، وقد نظم بعض الفضلاء فيها بيتين فقال:
ماذا يقول الفقيه أيده الله ... ولا زال عنده الإحسان
في فتى علق الطلاق بشهر ... قبل ما قبل قبله رمضان
وهذا البيت ذكروا فيه أن منه مسائل بعضه يدخل في هذه القاعدة التي بعدها، فأربع مسائل تدخل في هذه، وأربع في التي بعدها: أحدها: كما في البيت "قبل ما قبل قبله" والثاني: "قبل مابعد بعده" الثالث: "قبل ما بعد قبله".
الرابع: "قبل ما قبل بعده" والأربع مسائل تجيء في القاعدة التي بعدها، وقد ترى هذه المسألة في غير هذا الكتاب، والضابط فيها أنك إن قدمت لفظة "بعد" جاءت أربعة أوجه: الأولى: كلها "بعدات".
الثانية: "بعدان وقبل" الثالثة: "بعد وقبلان" الرابعة: "بعد وقبل ثم بعد" وإن تقدمت لفظة "قبل" جاءت أربعة كذلك.
إذا عرفت هذا فضابط الجواب عن هذه الأقسام الثمانية، أنه إذا اتفقت الألفاظ، فإن كان "قبلا"، فيكون الشهر هو الذي تقدمه رمضان بثلاثة أشهر، فيقع الشهر في ذي الحجة، فكأنه قال: أنت طالق في شهر ذي الحجة، لأن المعنى: أنت طالق في شهر رمضان قبل قبل قبله، فلو قال: رمضان قبله، طلقت في شوال، ولو قال: قبل قبله، طلقت في ذي القعدة، وقبل رمضان تطلق في شعبان.
وسيأتي الكلام على "البعدات" في القاعدة التي بعدها، وإن قال: في شهر قبل قبل رمضان طلقت في جماى، وقيل: في رجب، وقيل في شعبان.
القاعدة الثانية والثلاثون
قاعدة: "بعد" ظرف زمان يدل على تأخر ما قبله عما بعده إذا علمت ذلك، فمن فروع القاعدة ما ذكرناه في المسألة الأولى.
إذا قال: أنت طالق في شهر بعد ما بعد بعده رمضان، وقد قلبت ما في البيتين وهو:
ما يقوله الفقيه أيده الله ... ولا زال عنده الإحسان
في فتى علق الطلاق بشهر ... بعد ما بعد بعده رمضان
إذا قال: بعد ما بعد ما بعده رمضان، طلقت في جمادى الآخرة، ولو قال: بعده رمضان، أو رمضان بعده طلقت في شعبان، ولو قال: بعد بعده رمضان طلقت في رجب.
1 / 14
وإن اختلفت الألفاظ، وهي ست مسائل فضابطها: إن كل ما اجتمع فيه "قبل" و"بعد" فألغهما نحو قبل بعد بعده، وبعد قبل قبله، فاعتبر الثالث.
فإذا قال: قبل بعد بعده، أوبعد قبل قبله فألغ اللفظين.
الأول: يصير كأنه قال في الأول: بعده رمضان، فيكون شعبان.
وفي الثاني: كأنه قال: قبله رمضان، فيكون شوال.
وتقرير هذا أن كل شهر واقع قبل ما هو بعده، ويعد ما هو قبله، وإن توسطت لفظة بين مضادين لها، نحو قبل بعد قبله، وبعد قبل بعده، فألغ اللفظتين: الأول: فيكون شوال في الصورة الأولى، كأنه قال في شهر قبله رمضان.
وشعبان في الثانية، كأنه قال: بعده رمضان.
وإذا قال: بعد بعد قبله، أو قبل قبل بعده، هما تمام الثمانية.
طلقت في الأولى في شعبان، فكأنه قال: بعده رمضان.
وفي الثانية في شوال، كأنه قال: قبله رمضان، والله أعلم.
ومنها: إذا قال السيد لعبده: أنت حر بعد موتي، فإنه يصح ويعتق بعد موته.
ومنها: إذا قال: إذا عتق سالم، فأنت حر بعده صح، ومتى عتق سالم عتق عبده، لأنهم ذكروا أن العتق يصح تعليقه بالصفات، وهذا من جملتها.
ومنها: إذا قال: أنت طالق بعد موتي، لم تطلق، جزم به أكثر أصحاب الإمام أحمد.
ومنها: إذا تزوج أمة أبيه، ثم قال: أنت طالق بعد موت أبي، فمات أبوه، لم تطلق، قدمه في "المقنع"، ويحتمل أن تطلق.
ومنها: إذا قال: أنت طالق اليوم وبعده وبعده، فهل تطلق ثلاثا أو واحدة؟ في المسألة وجهان حكاهما الأصحاب.
ومنها: إذا قال: بعد ما أطلقت فأنت طالق، ثم طلقها، فالذي ينبغي أن لا تطلق إلا واحدة إن كان الطلاق بائنا، مع أني لم أر للأصحاب فيها كلاما، والله أعلم.
ومنها: إذا قال: له علي درهم بعد درهم، فإنه يلزمه درهمان، جزم به أكثر أصحاب الإمام أحمد، منهم الشيخ موفق الدين في كتبه وصاحب"الوجيز" وغيرهم.
ومنها: إذا قال وقفت على أولادي وأولاد أولادي، بطنا بعد بطن.
قال الشيخ تقي الدين بن تيمية: "هذا ترتيب جملة".
قال صاحب "الفروع": "مع أنه محمتل، فإن زاد على أنه، إن توفي أحد من أولاد الموقوف عليه ابتدأ في حياة والده أي الواقف وله ولد غير الذي مات، ثم مات الأب أي الواقف عن أولاده لصلبه وعن ولد ولده لصلبه، الذي مات أبوه قبل استحقاقه، فله معهم ما لأبيه لو كان حيا، فهو صريح في ترتيب الأفراد.
وقال الشيخ تقي الدين أيضا فيما إذا قال: بطنا بعد بطن، ولم يزد شيئا: "هذه مسألة فيها نزاع، والأظهر أن نصيب كل واحد ينتقل إلى ولده، ثم إلى ولد ولده، ولا مشاركة".
وقال صاحب "الفروع" في أول هذه المسألة: "ولو قال أولادي، ثم أولادهم، ثم الفقراء، فترتيب جملة، وقيل: أفراده".
وفي الانتصار: "إذا قوبل جمع بجمع، اقتضى مقابلة الفرد منه بالفرد من مقابلة لغة، فعلى هذا الأظهر استحقاق الولد، وإن لم يستحق أبوه، قاله الشيخ تقي الدين".
وأن الأظهر فيمن وقف على ولديه نصفين، ثم أولادهما وأولاد أولادهما، وعقبهما بعدهما بطنا بعد بطن، أنه ينتقل نصيب كل واحد إلى والده، ثم ولد ولده، ولا شك أنه ترتيب، لكن الخلاف هو: هل هو ترتيب جملة أو أفراد؟.
وعند الشافعية: هو ترتيب، صرح به البندنيجي، والماوردي، وإمام الحرمين، والغزالي، والقاضي حسين، وصاحب "الذخائر"، وصححه صاحب "التعجيز"، وهو المذكور في فتاوى الشيخ تقي الدين بن رزين، ونقله الرافعي عن الزيادي.
وذهب العبادي والفوراتي والبغوي إلى عدم الترتيب، وصححه الرافعي تقليدا للبغوي، ثم النووي تقليدا للرافعي. قال الأسنوي "وهو باطل بحثا ونقلا". والذي يظهر لي من كلامهم أن اختلافهم هل هو ترتيب أم لا؟ أنه إذا لم تقل: إنه ترتيب، كل ما مات أحد من الطبقة انتقل نصيبه إلى ولده، ومن قال: إنه ترتيب يقول: لم يستحق أحد من الأولاد شيئا حتى ينقرض جميع الآباء، ثم ينتقل إلى البنين، ثم إذا انقرضوا إلى بنيهم، وإن مات أحد البنين عن أولاد، وعن إخوته الذين هم طبقته، إنما ينتقل إلى إخوته لا إلى ولده، فإذا انقرض إخوته انتقل إلى أولاده وأولادهم.
القاعدة الثالثة والثلاثين
قاعدة: "إذ" ظرف للوقت الماضي من الزمان، لازم للنصب على الظرفية، والإضافة على جملة ملفوظ بها أو مقدرة.
1 / 15
وأجاز الأخفش والزجاج نصبه على المفعولية، وذكر ابن مالك أنها تجيء حرفا للتعليل.
إذا علمت ذلك، فمن فروع القاعدة: إذا قال: أنت طالق إذ قمت، أو إذ تزوجتك، فإن كان المراد المضي فتطلق، أشبه ما لو قال: أنت طالق قبل أن تدخلي الدار. وإن كانت للتعليل، فيكون قوله: أنت طالق لأجل قيامك، أو لأجل تزوجك، أو لأجل نومك، أو لأجل صومك، ونحوه. والله أعلم.
القاعدة الرابعة والثلاثون
قاعدة: "إذا" ظرف للمستقبل من الزمان، فيه معنى الشرط غالبا، وقد تقع للماضي، وقد لا يكون فيها معنى الشرط، وإذا دلت على الشرط، فلا تدل على التكرار على الصحيح، قيل: بلى، واختاره ابن عصفور.
إذا علمت هذا، من فروع المسألة: إذا مت فأنت حر، فإنه يصير مدبرا بهذا، وإن قال: إذا أردت فأنت مدبر، كان على التراخي لأنه للاستقبال، بخلاف ما ذكروا في "إن شئت". وكذا في العتق، والله أعلم.
ومنها: في الطلاق، إذا قال: أنت طالق إذا قدم زيد، أو إذا جاء غدا، أو إذا جاء رأس الشهر، أو إذا شئتِ، أو إذا شاء زيد، إو إذا ذهبتِ فتطلق.
وكذا سائر التعاليق تدخل في هذه القاعدة من الطلاق والأيمان ونحوهما، وكذا في الإقرار، إذا قال: له علي ألف إذا شهد بها فلان، أو إذا جاء رأس الشهر، والله أعلم بالصواب.
القاعدة الخامسة والثلاثون
قاعدة: "إذ" تقع موقع "إذا" فتكون للمستقبل، وكذلك بالعكس في أحد المذهبين للنحاة، وأصحها المنع.
إذا علمت ذلك، فمن فروع القاعدة: جميع ما ذكر في "إذا"، فإنه يجيء في هذا إذا كان مراده، ك "أنت طالق إذ قمت"، إذا كان مراده "إذا" وإذ نمت، وإذ صمت، وإذ قمت.
والدليل على هذا ما في صحيح البخاري في حديث ورقة بن نوفل "ياليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك.." والدليل الأول قول الله ﷿: (وإذ قال الله ياعيسى ابن مريم ءأنت قلت للناس) الآية، والله أعلم بالصواب.
القاعدة السادسة والثلاثون
قاعدة: كما لا تدل "إذا" أيضا على التكرار، لا تدل أيضا على العموم على الصحيح، وقيل: تدل عليه. وهل هي للتراخي أو على الفور؟ فيه وجهان.
إذا علمت هذا، فمن فروع المسألة: إذا قال: إذا طلقت امرأة، فعبد من عبيدي حر، ثنتان فعبدان، وثلاثا فثلاثة، وأربعا فأربعة، ثم طلقهن معا، عتق أربعة من عبيده، لأنها تقتضي التكرار. وعند الشافعية يعتق واحد لأنها لا تقضي التكرار ولا العموم، والله أعلم.
ومنها: إذا قال: إذا أتاك طلاقي فأنت طالق، ثم كتب إليها: إذا أتاك طلاقي فأنت طالق، فأتاها، وقيل: أو أتى موضع الطلاق، طلقت طلقتين، وإن أراد بالثاني الأول، ففي قبول قوله في الحكم روايتان ومنها: لو كتب إليها: إذا قرأت كتابي هذا فأنت طالق، فقرئ عليها، وقع إن كانت أمية وإلا فوجهان. وفي "الترغيب" قال أحمد: "لاتتزوج حتى يشهد عندها شهود عدول، شاهدان لا حامل الكتاب وحده، والله أعلم.
ومنها: إذا قال: إذا قمت فأنت طالق، فقامت، طلقت، ولا يتكرر الطلاق بتكرر القيام، جزم به في "الفروع"، وكذا إذا قال: إذا رأيت فقيها، أو إذا أكلت رمانة، ونحوه.
ومنها: إذا قال: إذا حضت فأنت طالق، وقع بأوله، نقل مهنا: تطلق برؤية الدم.
وفي "الانتصار" و"الفنون" و"الترغيب" و"الرعاية": يتبينه بمضي أقله، ويقع في: إذا حضت حيضة بانقطاعه، وقيل: وغسلها.
وذكر ابن عقيل رواية من أول حيضة مستقبلة، وإن قال: إن طهرت وقع الطلاق بأول طهر مستقبل، نص عليه، وفي "التنبيه" قول: حتى تغتسل.
وإذا قال: إذا حضت نصف حيضة فأنت طالق، فمضت حيضة مستقرة، وقع لنصفها، وفي وقوعه ظاهرا بمضي دم سبعة أيام ونصف، أو لنصف العادة وجهان. وقيل: فيها كالمسألتين الأوليين.
وكذا إذا قال: إذا كلمت زيدا فأنت طالق، فكلمته طلقت، ولا يتكرر بالتكرار. ويتركب على هذا مسائل كثيرة في الطلاق تفهم من هذا التركيب، وذلك أن كل مسألة فيها "إذا" تدخل في هذه القاعدة، وكذا في الأيمان والعتق.
القاعدة السابعة والثلاثون
قاعدة: "إن" من أدوات الشرط، وليست للتكرار، وهي على التراخي، ما لم تقترن بها "لم".
إذا علمت هذا، فمن فروع القاعدة:
1 / 16
إذا قال: إن قمتِ، أو قعدتِ، أو إن دخلتِ فأنت طالق، فقامت طلقت، ولو بعده بزمن، لأنها على التراخي، ولا يتكرر بتكراره، جزم به في "الفروع"، والله أعلم.
ومنها:: إذا قال: إذا أكلت رمانة، أو إن أكلت نصفها فأنت طالق، فأكلت رمانة فثنتان، واختار الشيخ تفي الدين بن تيمية وحدة.
ومنها: إذا قال: إن حضتِ فأنت طالق، فهي مثل"إذا". وإن قال: إن حضت فأنت وضرتك طالقتان، طلقتا بإقراره بالحيض، ولو لم تحيضا، وإن ادعته وأنكر طلقت دون ضرتها، كقوله: إن أضمرت بغضي فادعته، بخلاف دخول الدار.
وإن قال: إن حضتما فأنتما طالقتان، فادعتاه طلقتا إن صدقهما، وإن كذب واحدة طلقت وحدها.
وإن قال لأربع، فادعيته وصدقهن، طلقن، وإن كذب واحدة طلقت وحدها.
ومنها: إذا قال: أن قمت، فتارة يكون بفتح الهمزة، وتارة لا، فإن كان بفتح الهمزة شرط من العامي، وقيل: يقع إذا كان وجد ك "نحوي"، وقيل: إن نوى مقتضاه، وفيه - في الترغيب - وجه يقع "إذن" ولو لم يوجد كتطليقها لرضاء أبيها، وأطلق جماعة عن أبي بكر فيها يقع إذن.
ولو بدل "إن" ك "هي"، وفي "الكافي": يقع إذن ك "إذ"، وفيه احتمال ك "أمس"، والله أعلم.
ومنها: إذا قال: إن قمت، إن قعدت، لم تطلق حتى تقعد ثم تقوم، قدمه في "الفروع"، وذكر القاضي إنه ك "الواو"، وعنه تطلق بأحدهما، والله أعلم.
ومنها: إذا قال: إن كنت حاملا بذكر، فأنت طالق واحدة، وإن كنت حاملا بأنثى فاثنتين، فوضعتهما، فثلاث.
وإن قال: "إن كان" مكان "كنت" لم تطلق وإن قال: إن كنت حاملا، وهذه المسألة مشهور في كتب أصحاب الإمام أحمد.
ومنها: إذا قال ل "عمرة": إن طلقتك، فحفصة طالق، ثم قال ل "حفصة": إن طلقتك ف "عمرة" طالق، فحفصة هنا كعمرة هناك، والله أعلم.
ومنها: إذا قال: إذا كلمت زيدا فأنت طالق، فكلمته، طلقت، ولا يتكرر الطلاق بتكرار الكلام، ويكون ذلك على التراخي.
وهذه القاعدة يدخل فيها مسائل كثيرة في الطلاق والأيمان والعتق، ولا تخفى على الطالب إذا عرف أصلها مما قررناه، فإن العلماء ذكروا مسائل كثيرة من فروع هذه القاعدة، وغالبها في باب تعليق الطلاق بالشروط، والله الموفق.
القاعدة الثامنة والثلاثون
قاعدة: "متى" من أدوات الشرط، وليست للتكرار، وقيل: بلى وهي على التراخي.
إذا علمت ذلك فمن فروع القاعدة: إذا قال: متى قمت فأنت طالق، فقامت طلقت، جزم به الأصحاب. وهل يتكرر الطلاق بتكرار القيام؟ في المسألة وجهان، أطلقهما في الفروع، والله أعلم.
ومنها: إذا قال: متى لم أطلقك، فأنت طالق، فمضى ما يمكنه طلاقها فيه، ولم يطلقها طلقت، والله أعلم.
ومنها: إذا قال: متى حضت، أو متى حملت، أو متى ولدت، طلقت إذا، أو ولدت أو حملت، ولا يتكرر ذلك بتكرار الحمل على الصحيح، والله أعلم.
ومنها: إذا قال: متى كلمت زيدا، وحكمها حكم ما سبق.
ويدخل في هذه القاعدة مسائل كثيرة من هذا الباب، ومن باب الأيمان والعتق أيضا، والله الموفق.
القاعدة التاسعة والثلاثون
قاعدة: "مَنْ" أيضا من أدوات الشرط، وليست للتكرار، فهل هي للفور أو على التراخي؟ قولان.
إذا علمت ذلك، فمن فروع القاعدة: إذا قال: من قامت فهي طالق، فمتى قامت طلقت، ولا يتكرر بتكراره، جزم به في "الفروع" وغيره. وهل يكون على الفور؟ جزم في "الفروع" أنه على التراخي، ويمكن أن يكون مبنيا على الخلاف في الأصل، والله أعلم.
ومنها: إذا قال: من حاضت، أو من حملت، أو من ولدت، أو من طهرت. ولا يخفى أمر ذلك عليك، وكذا إذا قال: من رأت الهلال وسائر التعاليق.
ومنها: من بشرتني بقدوم أخي فهي طالق، فأخبرته به امرأتان، طلقت الأولى منهما، إلا أن تكون الثانية هي الصادقة، فتطلق وحدها، وإن قال: من أخبرتني بقدومه فهي طالق، فكذلك عند القاضي، وعند أبي الخطاب: يطلقان. ولا يخفى عليك فروع هذه القاعدة أيضا هنا، وفي الأيمان والعتق، والتدبير.
القاعدة الأربعون
قاعدة: أي أيضا من أدوات الشرط، وليست للتكرار، وهل هي على التراخي، إلا أن تضاف إلى شخص إذا علمت ذلك، فمن فروع القاعدة: إذا قال: أي وقت قمت فأنت طالق، فأي وقت قامت طلقت، ولا يتكرر بتكرار القيام، والله أعلم.
1 / 17
ومنها: إذا قال: أي وقت لم أطلقك فأنت طالق، ومضى ما يمكن طلاقها فيه ولم يطلق، وقع عليه الطلاق، والله أعلم.
ومنها: أي وقت حضت فأنت طالق، طلقت بأول الدم، وكذا أو وقت طهرت، وأي وقت حملت، وأي وقت ولدت، فأنه تطلق بأو وجوده. والله أعلم.
ومنها: إذا قال: أي وقت أخبرتيني بكذا، فأخبرته، وهو سكران، أو لم يسمع، أو نائم، أو في غفلة، ففيه خلاف.
ولا يخفى عليك ما يترتب على هذه القاعدة من التعاليق والله الموفق.
القاعدة الحادية والأربعون
قاعدة: "كلما" أيضا من أدوات الشرط، وهي للتكرار، تكون على التراخي.
إذا علمت ذلك، فمن فروع القاعدة: كلما قمت فأنت طالق، فمتى قامت طلقت، ويتكرر بتكرار القيام، جزم به في "الفروع" وغيره. وكذا إذا قال: كلما صمت، أو كلما قعدت، أو كلما رأيت فقيها، أو كلما أكلت رمانة، ونحوه.
ومنها: إذا قال: كلما حاضت إحداكن فضراتها طوالق، فادعيته وصدقن، طلقن ثلاثا ثلاثا، وإن صدق واحدة لم تطلق بل ضراتها طلقة طلقة، وإن صدق ثنتين طلقتا طلقة طلقة، والمكذبتين ثنتين ثنتين، وإن صدق ثلاثا، طلقن ثنتين، والمكذبة ثلاثا، والله أعلم.
ومنها: إذا قال: كلما طلقتك فأنت طالق، ثم طلقها، ثم طلقها وقع ثنتان، وإن قال: كلما وقع عليك طلاقي، فثلاث، والله أعلم.
ومنها: إذا قال: كلما طلقتك واحدة فعبد من عبيدي حر، وكلما طلقت اثنتين فاثنتان، وثلاثا فثلاثة، وأربعا فأربعة، ثم طلقهن معا أو لا، عتق خمسة عشر، وقيل: سبعة عشر، وقيل: عشرون، وقيل: أربعة وقيل عشرة، والله أعلم.
ومنها: إذا قال: كلما كلمت زيدا، أو كلما خرجب بغير إذني، أو كلما شئت، أو كلما قعدت، أو كلما صمت، أو كلما أردت نحو هذا، فإنه يكون للتكرار، ويكون على التراخي.
ولا يخفى عليك ما يترتب على هذه القاعدة من هذا الباب، ومن كتاب الأيمان، ومن التعاليق، والله أعلم وعليه التكلان.
القاعدة الثانية والأربعون
قاعدة: حيث قلنا "إذا" للشرط، فلا يلزم اتفاق زمان شرطها وجزائها، بخلاف "متى" فإنه يشترط فيها ذلك.
إذا علمت ذلك، فمن فروع القاعدة: إذا قال: إذا جاء غدا، أو متى جاء غدا، وإذا جاء الشهر، أو متى جاء الشهر، أو إذا جاء الشتاء، ومتى جاء الشتاء.
ولا يخفى عليك ما يتعلق بهذه القاعدة. والله الموفق.
القاعدة الثالثة والأربعون
قاعدة: تقول: صمت رمضان وقمته، وإن شئت أضفت إليه "شهرا"، فتقول: قمت شهر رمضان، وجوز بعضهم إضافة" الشهر" إلى سائر الشهور، وخصه بعضهم رمضان والربيعين، وضبطه بكل شهر في أوله "راء" إلا رجب.
إذا علمت هذا: فإذا قال: صمت رمضان، فيكون العمل في جميعه في أوقات خاصة، وإن قال: صمت شهرا كان الفعل في جميعه، وإن قال: صمت شهر رمضان يحتمل أن يكون العمل في جميعه، ويحتمل أن يكون في بعضه.
إذا علمت هذا، فمن فروع القاعدة: النذر، إذا نذر صيام شهر أو شهر رمضان، أو شهر رجب، أو شهر ربيع الأول، أو شهر صفر بلا "شهرا" وكذا الاعتكاف، والنذر ونحو ذلك والله أعلم.
القاعدة الرابعة والأربعون
قاعدة: إذا علق فعلا بيوم، كان في بعضه وفي جميعه، سواء أضفت إليه شهرا أو لا، وقال ابن خروف: هي كالشهور فيجيء فيها ما فيها.
ويترتب على ذلك التعاليق ونحوها، والأيام البيض الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، وغيره الشهر ثلاثة أيام من أوله.
وسَلْخ الشهر وانسلاخه ومُنْسَلَخُهُ، بضم الميم وفتح السين واللام، وهو اليوم الأخير منه والليلة الأخيرة. وينبني على ذلك التعاليق في الطلاق، والله أعلم.
و"الوسط" - بسكون السين - ظرف مكان، وينبني عليه التعاليق في الطلاق والقرض ونحوهما، كما لو قيل: إذا جاء وسط الشهر، أو وسط السنة، أو وسط الدار، أو وسط النهر، ونحوه والله أعلم.
القاعدة الخامسة والأربعون
قاعدة: هل "غير" هو الصفة، والاستثناء لها عارض، بعكس "إلا"؟ إذا علمت هذا، فمن فروع القاعدة: إذا قال: علي درهم غير دانق، فإنه يكون استثناء، كما يفهم من كلام الأصحاب، وهو الصحيح من مذهب الشافعي، وقال بعض الشافعية والنحاة: إن رفع "غير" فعليه درهم تام، لأنه صفة، ومنها: إذا قال: كل امرأة لي غيرك طالق فقط استثناها، إلا ما يفهم من كلام بعض الشافعية.
1 / 18
فإن قال كل امرأة لي غير هند طالق، فلم أر لأصحابنا فيها شيئا، وهذه على كلام من يقول: إنها تطلق هناك تطلق هنا من باب أولى، وأما على قواعدنا فلا يجيء هذا، والله أعلم بالصواب.
القاعدة السادسة والأربعون
قاعدة: كيف للحال، سواء كانت استفهاما أو خبرا إذا علمت هذا، فمن فروع القاعدة: إذا قال: أنت طالق كيف شئت، لم تطلق حتى تشاء، جزم به أكثر الأصحاب، وهو على التراخي، قدمه في "الفروع" و"المقنع" وهو الصحيح، وقيل: تختص إن بالمجلس، حكاه في "الفروع" قولا، وفي "المقنع" احتمال، ولو شاءت كارهة، ذكره في "الفروع"، وقيل يقع وإن لم تشأ، حكاه فيها.
ومنها: في القذف، إذا قال: كيف زنيت؟ فانه صريح في القذف، والله أعلم.
القاعدة السابعة والأربعون
قاعدة: صيغة الجمع "كل" عند الإطلاق من ألفاظ العموم الدالة على التفصيل إذا تقرر هذا، فمن فروع القاعدة: إذا أجره كل يوم، أو كل شهر بعشرة، صح، جزم به في "المقنع" و"الفروع".
ومنها: إذا استأجره كل دلو بتمر بتمرة صح، نص عليه الإمام أحمد، وجزم به غالب الأصحاب.
ومنها: إذا أكراه الدابة عشرة أيام، فما زاد فله بكل يوم درهم، فقال أحمد: هو جائز، وقال القاضي: يصح في العشرة وحدها، والله أعلم.
ومنها: إذا قال: كل عبد أملكه أو لي حر، عتق مدبروه، ومكاتبوه، وأمهات اولاده، وشقص ما يملكه. جزم به في "المقنع" و"الفروع"، وعبد عبده التاجر. والله أعلم.
ومنها: إذا باعه وشرط البراءة من كل عيب، فهو فاسد لا يبطل البيع ولا يبرأ به، قدمه في "المقنع" و"الفروع"، وقال: "في ظاهر المذهب. قال أبو الخطاب وجماعة، لأنه خيار يثبت بعد البيع، فلا يسقط قبله كالشفعة، واعتمد عليه في "عيون المسائل"، وعنه: يبرأ إن لم يكتمه ونقل ابن هانئ: إن عينه صح، ومعناه نقل ابن القاسم وغيره: لا يبرأ إلا أن يخبره بالعيوب كلها لأنه مرفق في البيع كالأجل والخيار. وفي "الانتصار": الأشبه بأصولنا أن ننصر الصحة كبراءة من مجهول، وذكره أيضا هو وغيره رواية، وإن خرج عيب باطن لايعرف غوره فاحتمالان، وإن باعه على أنه به، وأنه برئ صح.
ومنها: إذا قال: أنت طالق كل الطلاق، فإنها تطلق ثلاثا، جزم به الأصحاب.
ومنها: إذا قال: كل واحدة منكن طالق، طلق جميع نسائه، والله أعلم.
ومنها: إذا قال: أنت طالق كل يوم، فهل تطلق واحدة، أو ثلاثا؟ يخرج على وجهين، والله أعلم.
القاعدة الثامنة والأربعون
قاعدة: يشترط في التثنية والجمع اتحاد المفردات في اللفظ، وهل يشترط اتحادهما في المعنى؟ فيه مذهبان.
إذا علمت ذلك، فمن فروع القاعدة: إذا وقف على مواليه، وله موال من فوق، وموال من أسفل، تناول جميعهم، قدمه غير واحد من الأصحاب، وقال ابن حامد: "تختص الموالي من فوق"
القاعدة التاسعة والأربعون
قاعدة: "القوم" اسم جمع للرجال، واحده في المعنى"رجل" ذكره النحاة واللغويون، واستدلوا بقوله تعالى: (ياأيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن) ويقول الشاعر:
فما أدري ولست أخال أدري ... أقوم آل حصين أم نساء
إذا علمت هذا فمن فروع القاعدة: ما إذا أوصى، أو وقف على قوم، فهو للرجال والنساء من أولاده، وأولاد أبيه، وجد أبيه، وعنه إن كان يصل قرابته من قبل إمه، صرف إليهم وإلا فلا.، وحكى في "الفروع" عن ابن الجوزي أنه للرجال دون النساء وهو مذهب الشافعي.
ونقل القاضي أبو الفتوح من الشافعية في كتاب "أحكام الخنائي" في دخولهن وجهين.
القاعدة الخمسون
قاعدة: أقل الجمع "ثلاثة" وهو الصحيح عند النحاة، وقيل اثنان، وأكثره، عشرة.
إذا علمت هذا، فمن فروع المسألة: إذا قال: له علي دراهم، فله "ثلاثة"، جزم به في "المقنع" وغيره، وقدمه في "الفروع"، وقال: "ويتوجه أن يلزمه عشرة"، وأما الشافعية فمنهم من قال: يلزمه ثلاثة، ومنهم من بناها على هذه القاعدة.
ومنها: إذا قال: أعتقت عبيدا، أو نذرت دراهم، أو صلاة، أو صياما، ونحو ذلك.
1 / 19
ومنها: صلاة الجماعة، هل لا بد فيها من ثلاثة، أو اثنان يكفي فيها؟ فالذي جزم به في "الكافي" و"الفروع" يكفي اثنان، قال في "الكافي": فإن أم الرجل عبده، أو أمته كان جماعة..".
ومنها: الأم له الثلث إذ لم يكن له ولد، ولا ولد ابن وكذا اثنان من الإخوة، لقوله تعالى: (فإن كان له إخوة) هذا جمع فأقل الجمع اثنان، وقال مجاهد: ثلاثة لأنه أقل الجمع.
ومنها: الصلاة على الميت، ويكفي فيها واحد، جزم به في "الفروع"، وعند الشافعية يكفي واحد، وقيل: لا يكفي.
وهل يشترط إذا لم يكف اثنان أو ثلاثة؟ على وجهين.
ومنها: شهادة الاستفاضة، تثبت من عدلين، قاله القاضي، وظاهر كلام أحمد والخرقي، وجزم به أكثر الأصحاب، لاتثبت إلا من عدد يقع العلم بخبرهم.
القاعدة الواحدة والخمسون
قاعدة: بضعة عشر رجلا، وبضع عشرة امرأة للمونث - ب "تاء" - في "عشرة" وللمذكر في "بضعة".
ولا يخفى عليك فروع هذه القاعدة.
القاعدة الثانية والخمسون
قاعدة: المضارع حقيقة في الحال، مجاز في الاستقبال، وقيل عكس هذا، وقيل: لا يستعمل في الاستقبال أصلا، وقيل: لا يستعمل في الحال أصلا. وقيل: مشترك بينهما، وهو الصحيح.
إذا علمت هذا، فمن فروع القاعدة: إذا قال لزوجته: طلقي نفسك، فقالت: أطلق، فتارة تريد الوقوع في الحال فيقع، وتارة تريد الاستقبال فلا يقع في الحال شيء، وتارة تريد المعنى.
ومنها: إذا ادعى عليه فقال: أنا أقر، فقد قال الأصحاب: إنه لا يكون إقرارا، جزم به أكثرهم، وصححه في "الفروع".
القاعدة الثالثة والخمسون
قاعدة: المضارع المنفي ب "لا" يتخلص للاستقبال، وقيل: هو للأمرين فإن دخلت عليه "لام" الابتداء، أو حصل النفي ب "ليس" أو كان مضارعا، ففي تعيينه الحال قولان.
إذا علمت ذلك، فمن فروع القاعدة: اليمين على هذه الصفة.
ومنها: إذا ادعى عليه فقال: لا أنكر، فجزم في "المقنع" أنه لا يكون مقرا في "لا أنكر"، وصححه في "الفروع"، وذكر الأزجي إن قال: لا أنكر دعواك، يكون مقرا، والله أعلم.
ومنها: إذا قال الموصَى له: لا أقبل هذه الوصية، كان ردا لها، ليس فيه خلاف لكن بعد الموت.
القاعدة الرابعة والخمسون
قاعدة: الفعل الماضي إذا وقع شرطا انقلب إلى الإنشاء.
إذا علمت هذا، فمن فروع القاعدة: إذا قال: إن قمت فأنت طالق، فلا يحمل على قيام صدر منها. قبل: هذا ليس في طلاق، وكذا العتق ونحوه.
القاعدة الخامسة والخمسون
قاعدة: "كان" تدل على اتصال في اسمها بخبرها في الماضي، وهل تدل على انقطاعه أم لا، بل هي ساكتة عنه؟ فيه قولان.
إذا علمت هذا، فمن فروع القاعدة: إذا ادعى عينا فشهدت بينة أنها كانت له لم تقبل ومنها: إذا قال: كان علي ألف، فقال الخرقي: ليس بإقرار، والقول قوله مع يمينه.، وقال أبو الخطاب: يكون مقرا مدعيا للقضاء.
ومنها: إذا قال: إن كانت زوجتي: "طالق"، فليس هذا صريح في لفظ الطلاق، ومهما قال فلن يقبل منه.
ومنها: إذا قال: كان عبدي "حر"، عتق، إلا أن يريد حرا قبل أسره فيدين فيه.، وهل يقبل في الحكم؟ يخرج على روايتين.
القاعدة السادسة والخمسون
قاعدة: "أرى" يستعمل بمعنى "علم" وبمعنى "ظن"، تقول: رأيت الله عظيما، أي علمت. وفي أظن تقول: رأيت أن يجيء الخبر، ونحوه.
إذا علمت هذا، فمن فروع القاعدة: إذا قال لغيره أنت ترى أن عبدي حر، فإن قلنا: إنه للعلم عتق، وإن قلنا: للظن لم يعتق. ولكن يتعين هنا العتق، لأنها تطلق على العلم والظن، فتحقق العتق، وهذا قاله أيضا الرافعي من الشافعية، وقاله عن الروياني، وقال النووي: الصواب عدم الوقوع. قال الأسنوي "وقول النووي واضح".
قلت والله أعلم: إنهم نظروا إلى أن الحرية ثابتة، وهذا لفظ يحتمل العتق وعدمه، فالحرية ثابتة، والعتق مشكوك فيه، فظاهر كلام الأسنوي أنه يرجع إلى نية القائل، فإن قال أردت"العلم" عتق، وإن قال: "تظن" لم يعتق، وكذا الطلاق.
القاعدة السابعة والخمسون
قاعدة: "كاد" في الإثبات مثل: كاد زيد يفعل، معناها مقاربة الفعل، والنفي مثل: ما كاد زيد يفعل فمعناها الإثبات، أي فعل بعد مشقة، والصحيح أنه لنفي المقاربة، ويلزم من عدم المقاربة عدم الفعل.
1 / 20