أثناء حديث جيري، التفت زيتون ليشاهد سجينا يبعد عنه بعدة أقفاص، كان ذا بشرة بيضاء، في منتصف العشرينيات، نحيلا، ذا شعر بني طويل، كان يجلس على الأرض، وقد ضم ركبتيه إلى صدره، وكان ينطق تلك العبارة كأنما كانت ترنيمة، ولكن بصوت مرتفع. «كن لطيفا مع ماما! عاملها بحنان!»
وكان المحتجزون الثلاثة الآخرون في قفص هذا الشاب تبدو عليهم أمارات الضيق منه، والظاهر أنه ظل يكرر هذه التعليمات الغريبة مدة طويلة، وإن لم يبدأ زيتون يسمعها إلا الآن.
وقال وهو يتأرجح إلى الأمام والخلف: «لا تلعب بالكبريت! النار خطرة!»
كان الرجل يعاني من عجز ما وأخذ زيتون يراقبه بدقة، لم يكن عقله سليما، ويبدو أنه أصيب بصدمة نفسية قبل أن يتجاوز عامه الخامس أو السادس . كان يكرر بعض القواعد والتحذيرات الأساسية التي قد يطلب من طفل بالغ الصغر أن يحفظها في روضة الأطفال. «لا تؤذ ماما! كن لطيفا مع ماما!»
واستمر على هذا المنوال، وكان زملاؤه في القفص يحاولون إسكاته، بل ينخسونه بأقدامهم لكنه لم يعبأ بهم؛ إذ كان في حالة تشبه الغيبوبة.
ولما كان صوت محرك القاطرة بالغ الارتفاع، لم تكن ترانيم الشاب مصدر ضيق لأحد آخر، ولكن عقله الطفولي لم يكن، فيما يبدو، يدرك المكان الذي كان فيه وسبب وجوده فيه.
وكان الحارس الذي يجلس على مبعدة أمتار قليلة من قفص الرجل يصر بإلحاح على أن يظل في منتصف «الحظيرة» حتى تتاح رؤيته بسهولة، كانت أي حركة إلى اليسار أو اليمين ممنوعة، ولكن الرجل في داخل القفص لم يفهم ذلك، فكان بكل بساطة ينهض وينتقل إلى الناحية الأخرى، ولم يتضح ما كان يحفز الرجل إلى أن يقرر أن الوقت قد حان للانتقال من مكان لمكان، ولكن انتقاله الذي لم يكن له مبرر، بل كان ممنوعا، أثار غضب الحارس.
فصاح قائلا: «عد إلى مكانك! حيث أستطيع أن أراك!»
ولم يدرك الرجل أن الخطاب كان موجها إليه، فعاد يقول: «نظف أسنانك بالفرشاة قبل أن تنام! اغسل ذراعيك ويديك. اذهب فتبول الآن حتى لا تبلل فراشك!»
ووقف الحارس وقال: «عد إلى مكانك وإلا فسوف أعاقبك أيها الحقير!»
Page inconnue