Mon Mari Tharwat Abaza

Afaf Aziz Abaza d. 1438 AH
30

Mon Mari Tharwat Abaza

زوجي ثروت أباظة

Genres

وقد طلبت حكومة الكويت من الدكتور «عثمان خليل» أن يضع لهم دستورهم وسافر فعلا هو وعائلته وأتم عمله على أعلى مستوى، وبقي هناك أربعة عشر عاما، وكلما أراد العودة إلى مصر استبقته الحكومة بإصرار، وقد أحاطته بكل تقدير واحترام.

وأما رجل الأعمال «طارق حجي» فقد أحبه «ثروت» واعتبره ابنا له، وكان يستمتع بالحديث معه عبر التليفون الذي يدوم وقتا طويلا، ويتطرق الحديث إلى الأدب والشعر؛ فطارق حجي على رغم أنه اقتصادي معروف وكان أول رئيس مصري لمجلس إدارة شركة «شل» إلا أنه أديب وذواقة من الطبقة الأولى، وكنا إذا دعينا عند «طارق حجي» في بيته مع شخصيات أجنبية هامة كان يتركهم لفترة ويدخل مع ثروت في حوار عن المتنبي وابن الرومي والبحتري إلى أن يصلوا إلى أمير الشعراء أحمد شوقي، وكان هذا هو الحديث الممتع بالنسبة لهما، وكان طارق حجي يهدي «ثروت» كتبه عن الاقتصاد، وهي كتب قيمة جدا يعرض فيها المشاكل وهي كثيرة ومعها الحلول والعلاج، وقد قرأناها وأعجبنا بما تحويه هذه الكتب من كنوز. وأما زوجته فهي سيدة رقيقة وجميلة وعلى خلق وقفت إلى جانبه منذ بداية حياته العملية وحتى وصل إلى هذه المكانة.

وأما عن موسيقار الأجيال الأستاذ محمد عبد الوهاب فقد عرفه ثروت وهو ما يزال طالبا في كلية الحقوق، وكان قد دعاه الفنان الكبير إلى منزله في الهرم، وأسمعه مطلع قصيدة «مضناك جفاه مرقده» وكان لم ينته من تلحينها بعد، وكان «ثروت» يقول لي: «لقد غنى عبد الوهاب لي وحدي.» وبعد ذلك اتصلنا عائليا عندما تزوج من السيدة «نهلة القدسي» ودعانا كثيرا في بيته الأنيق في الزمالك، وكنا نقابل كثيرا من كبار الصحفيين، ويسعد زوجي بلقائهم، وكانت السيدة نهلة القدسي تشع على البيت أنسا ومرحا فهي مضيافة ممتازة تشعر كل مدعو بأهميته.

وعندما عين الموسيقار محمد عبد الوهاب عضوا في مجلس الشورى كان الاتصال بينهما بالتليفون مستمرا.

وعندما كان يعود من باريس في نهاية الصيف كان يبعث له بأجمل الهدايا، وإذا مرض «ثروت» سأل عنه الموسيقار باهتمام وسأل عن أدق تفاصيل المرض، ودعوناه مرة على العشاء وكان اليوم قريبا من يوم ميلاده ففاجأناه «بتورته» مكتوب عليها تهنئة له وبها شمعة واحدة، وغنينا له «سنة حلوة يا جميل» وإذا به يشاركنا الغناء؛ فخفتت أصواتنا ولم يبق إلا صوته وكأنه آت من السماء، وكان معنا المطرب «محمد ثروت» الذي تبناه الموسيقار بعد وفاة المطرب «عبد الحليم حافظ» وكان يحتضن موهبته، وطلب منه في تلك الليلة أن يغني أغانيه القديمة مثل «مين عذبك» «لما أنت ناوي تغيب على طول» «امتى الزمان يسمح يا جميل» ويغني محمد ثروت ببساطة وتلقائية ولا يتعمد أن يرجوه المستمعون أن يغني، وكان عبد الوهاب عندما يتكلم فهو قيثارة شجية ينطق بالحديث المنمق الجميل الساحر.

وقد حضرنا معه مرة حفلة في مسرح الموسيقى العربية وتكلم الخطباء والمثقفون، وتكلم عبد الوهاب فكان أكثرهم وضوحا وأكثرهم تألقا.

ولا أستطيع أن أتكلم عن أصدقاء «ثروت» ولا أذكر ذلك الصديق الوسيم المبتسم دائما ذا الوجه الطفولي والقلب الصافي وهو الكاتب الكبير «يوسف السباعي»؛ فقد كان صديقا بكل ما تحمل هذه الكلمة من معان، ووقف إلى جانب زوجي في الأوقات الحرجة، وقفات كلها حب ومساندة، وكانت تجمعهما كثير من الصفات المشتركة هي الطيبة وصفاء النفس ومساعدة العدو والحبيب.

وأذكر أن الكاتب العظيم الأستاذ «أنيس منصور» وكان رئيسا لتحرير مجلة آخر ساعة أرسل لي صحفيا لأكلمه عن كتابي «أبي عزيز أباظة» وسألني الصحفي لمن تقرئين من الكتاب؟ قلت أقرأ لنجيب محفوظ ثم لزوجي. وبعد شهور دعونا الكاتب الكبير «يوسف السباعي» وأسرته على الغداء، فما إن رآني حتى قال لي: «قرأت في آخر ساعة حديثا أجروه معك ولم أر اسمي بين الكتاب الذين تقرئين لهم.» فأسرتني هذه البساطة وهذه التلقائية؛ فهو لم يتردد في أن يعاتبني لأنه خال من أية عقد ويتكلم على سجيته. والحقيقة أنني لم أجد ردا، ولكن زاد إعجابي به وحبي له. وأذكر أنه كان في مستشفى الجمعية الخيرية الإسلامية لمدة شهر وكان «ثروت» يزوره كل يوم إلى أن عوفي وخرج وهو في صحة جيدة، وكان أبنائي يحبونه - والصغار يشعرون بالصفاء والطيبة عند الكبار فينجذبون إليهم - ابنتي أمينة وهي في سن المراهقة لا تجد طريقة لتظهر بها حبها له إلا أن تهديه لوحا من «الشيكولاته» وكان يسعد جدا بهذه الهدية، وكان يفخر جدا أنها تحرم نفسها منها ليفرح هو بها، وكان يحكي لي ولزوجي أثر هذه الهدية البسيطة عنده.

كان لثروت صلة قوية بالكاتب الكبير «أنيس منصور» وفي فترة من الفترات كنا ندعى عنده على العشاء مرة أو مرتين في الشهر، وكان هو وزوجته الفاضلة - وهي صديقة عزيزة - يحتفيان بضيوفهما أيما احتفاء، وكنا نلتقي عندهما بالفنان العملاق صلاح طاهر وزوجته العظيمة رحمها الله، وكنا نسعد بأحاديث الوزير السابق «زكريا توفيق عبد الفتاح» وزوجته الصديقة العزيزة «فتنة كامل» وكنا نستمتع بغناء «فايزة أحمد» الأصيل على نغمات عود زوجها الموسيقار الكبير «محمد سلطان» وقضينا عندهما أجمل الأوقات. وزوجة الكاتب الكبير أنيس منصور سيدة عظيمة ومشرفة ذكية وعطاؤها بلا حدود، والغريب أنها تجمع بين صفتين قلما يخص بهما الله شخصا واحدا وهما الجمال الباهر وخفة الظل.

وكان زوجي شديد الإعجاب بكتابات كاتبنا الكبير وكان دائما يقول في أحاديثه الصحفية والإذاعية إن كتاب «صالون العقاد» من أعظم الكتب التي صدرت في هذه الحقبة.

Page inconnue