وأنَّكِ أجرأُ الأحياءِ طرًّا ... علَى سفكِ الدِّماءِ وتسلَمينا
وقال أبو تمام الطائي:
أتَضعضعتْ عبراتُ عينكَ إذْ دعتْ ... ورقاءُ حينَ تضعضعَ الإظلامُ
لا تنشِجنَّ لها فإنَّ بُكاءهَا ... ضحكٌ وإنَّ بكاءكَ استغرامُ
هنَّ الحَمامُ فإنْ كسرتَ عَيافةً ... مِنْ حائهِنَّ فإنَّهنَّ حِمامُ
وقال البحتري:
ما لخُضرٍ ينُحْنَ في القضُبِ الخُضْ ... رِ علَى كلِّ صاحبٍ مفقودِ
عاطلاتٌ بلْ حالياتٌ يُردِّدْ ... نَ الشَّجى في قلائدٍ وعقودِ
زِذْنَني صبوةً وذكَّرنني عهْ ... دًا قديمًا مِنْ ناقضٍ للعهودِ
ما يريدُ الحَمامُ في كلِّ وادٍ ... مِنْ عميدٍ صبٍّ بغيرِ عميدِ
كلَّما أُخمدتْ لهُ نارُ شوقٍ ... هِجنَها بالبكاءِ والتغريدِ
وقال بعض الأعراب:
إلى اللهِ أشكو مقلةً أريحيَّةً ... وقلبًا متى يعرِض لهُ الشَّوقُ يرجفُ
ونفسًا تمنَّى مخرجًا مِنْ وِعائها ... إذا سمعتْ صوتَ الحمامةِ تهتفُ
وقال يزيد بن الطثرية:
وأسلمَني الباكونَ إلاَّ حمامةً ... مطوَّقةً قدْ صانعتْ ما أُصانعُ
إذا نحنُ أنفدْنا الدُّموعَ عشيَّةً ... فموعدُنا قرنٌ منَ الشَّمسِ طالعُ
وقال بعض الأدباء:
ناحتْ مطوَّقةٌ ببابِ الطَّاقِ ... فجرتْ سوابقُ دمعكَ المهراقِ
حنَّتْ إلى أرضِ الحجازِ بحُرقةٍ ... تُشجِي فؤادَ الهائمِ المشتاقِ
إنَّ الحمائمَ لم تزلْ بحنينَها ... قِدمًا تُبكِّي أعينَ العشَّاقِ
كانتْ تفرِّخُ بالأراكِ وربَّما ... سكنتْ بنجدٍ في فروعِ السَّاقِ
فأتَى الفراقُ بها العراقَ فأصبحتْ ... بعدَ الأراكِ تنوحُ في الأسواقِ
فتبعتُها لمَّا سمعتُ حنينَها ... وعلَى الحمامةِ جُدتُ بالإطلاقِ
بي مثلُ ما بكِ يا حمامةُ فاسأَلِي ... مَنْ فكَّ أسركِ أنْ يفكَّ وثاقِي
وقال بعض الأعراب:
صَدوحُ الضُّحى هيَّاجةُ اللَّحنِ لم تزلْ ... قيودُ الهوَى تُهدَى لها وتقودُها
جزوعٌ جمودُ العينِ دائمةُ البُكا ... وكيفَ بُكا ذي مقلةٍ وجمودُها
مطوَّقةٌ لمْ تُطربِ العينَ فضَّةٌ ... عليها ولمْ يعطلْ منَ الحِليِ جيدُها
وقال آخر:
مطوَّقةٌ لا تفتحُ الفمَ بالَّذي ... تقولُ وقدْ هاجتْ ليَ الشَّوقَ أجمَعا
تُؤلِّفُ أحزانًا تفرَّقنَ بالهوَى ... إذا وافقتْ شعبَ الفؤادِ تصدَّعا
دعتْ ساقَ حرٍّ بالمراويحِ وانتحتْ ... لها الرِّيحُ في وادٍ فراخٌ فأسرَعَا
وحقَّ لمصبوبِ الحشَا بيدِ الهوَى ... إذا حنَّ باكٍ أن يحنَّ ويجزَعا
وقال آخر:
ألا هلَ إلى قمريَّةٍ في حمائمٍ ... بنخلةَ أوْ بالمرجتينِ سَبيلُ
فتُلبسَني قمريَّةٌ مِنْ جناحِها ... وذلكَ نيلٌ للمحبِّ قليلُ
مطوَّقةٌ طوقًا ترَى لفصوصِهِ ... روائعَ ياقوتٍ لهنَّ فصولُ
وقال آخر:
رويدكَ يا قمريُّ لستُ بمضمرٍ ... منَ الشَّوقِ إلاَّ دونَ ما أنا مُضمرُ
ليَكْفكَ أنَّ القلبَ منذُ تنكَّرتْ ... أُمامةُ مِنْ معروفِها متنكِّرُ
سقَى اللهُ أيَّامًا خلتْ وليالِيًا ... فلم يبقَ إلاَّ عهدُها والتَّذكُّرُ
لئنْ كانتِ الدُّنيا عنتْنَا إساءةً ... لمَا أحسنتْ في سالفِ الدَّهرِ أكثرُ
وقال بعض العقيليين:
لقدْ هاجَ لي شوقًا وما كنتُ ساليًا ... ولا كنتُ لو رُمتُ اصطبارًا لأصبِرا
حمامةُ وادٍ هيَّجتْ بعدَ هجعةٍ ... حمائمَ وُرقًا مُسعدًا أوْ معذِّرا
كأنَّ حمامَ الوادِيينِ ودوْمةٍ ... نوائحُ قامتْ إذا دجَى اللَّيلُ حسَّرا
محلاَّةُ طوقٍ ليسَ تخشَى انقضابهُ ... إذا همَّ أن يهوِي تبدَّلَ آخرا
دعتْ فوقَ ساقٍ دعوةً وتناولتْ ... بها صحرا علَى بديل لتحذَرَا
وإنَّ هذا لمن نفيس الكلام قد اشتمل على لفظ فصيح ومعنى صحيح ألا ترى إلى احترازه من أن يتوهَّم سامع كلامه أنَّ الحمام أعاد له الشوق بعد سلوته أو ردَّ عليه ما كان ذهب من صبوته ثمَّ ما عقَّب به بعد ذلك من الجزالة السَّهلة والرِّقَّة المستحسنة.
ولقد أحسن الَّذي يقول:
1 / 94