قصده بها من غير تغير يلحقها في لفظها، وعما يوجبه الظاهر إلى أشباهه من المعاني. ولذلك تضرب وإن جهلت أسبابها التي خرجت عليها، وأستجيز من الحذف ومضارع ضرورات الشعر فيها ما يستجاز في سائر الكلام.
وقال الراغب: المثل عبارة عن قول في شيء يشبهه قولا في شيء آخر بينهما مشابهة ليبين أحدهما الآخر ويصوره، نحو قولهم: " الصيف ضيعت اللبن " فان هذا القول يشبه قولك: " أهملت وقت الإمكان أمرك. " قلت: وتلخيص القول في هذا المقام أن المثل هو قول يرد أولا لسبب خاص، ثم يتعداه إلى أشباهه فيستعمل فيها شائعا ذائعا على وجه تشبيهها بالمورد الأول؛ غير إنّ الاستعمال على وجهين:
أحدهما أن يكون على وجه التشبيه الصريح، سواء صرح بالأداة كقولهم: " كمجير أم عامر. " وقولهم: " كالحادي وليس له بعير. " أو لم يصرح كقولهم: " تركته ترك الصبي ظله. " وهو كثير.
الثاني إنّ لا يكون وجه التشبيه الصريح كقولهم: " الصيف ضيعت اللبن. "؛ وقولهم: " هان علي الأملس ما لاقى الدبر " ونحو ذلك، وهو اكثر من الأول.
أما الوجه الأول فهو تشبيه من التشبيهات، إلى إنّه سار وذاع في بابه فعد مثلا سائرا لمّا عرفت من أن التشبيه كله تمثيل. ومن ثم تجد قدماء اللغويين وأهل العربية يطلقون المثل على المجاز، ويقيدون ما كان سائرا منه بالمثل السائر أو بأنه من أمثال العرب ليفهم ذلك.
وأما الوجه الثاني فهو في مورده لا تشبيه فيه، ولكن يستعمل في مضاربه على وجه تشبيهها بالمورد من غير تصريح " بالتشبيه "، بل على أن يستعار اللفظ المستعمل في المورد الأول للشيء الشبيه بذلك. فقول القائل أولا للمرأة التي طلقها: " الصيف ضيعت اللبن " لا يريد تشبيها أصلا؛ وإنّما أراد انك فرطت في اللبن
1 / 21