Phénomène des marées dans le patrimoine scientifique arabe
ظاهرة مد وجزر البحار في التراث العلمي العربي: مراحل تطور النظريات العلمية التي تفسر ظاهرة المد والجزر في البحار وإسهامات العلماء العرب والمسلمين فيها مع تحقيق مجموعة من المخطوطات العربية المتعلقة بالموضوع
Genres
موقف غريب من شخص مثل ابن الجوزي؛ فالكل مؤمن بقدرة الله - عز وجل - على فعل ما يريد وكيف يريد، لكن الله لم يحرم على عباده التفكير والبحث في الأسباب المادية الكامنة وراء الظواهر، ولو أنه عطلوا عبادة التفكر التي أمر بها بالقرآن لتعطلت الحياة نفسها، وهذا ما لا يريده الخالق بكل تأكيد. فنحن نعلم اليوم وجود خاصية الجاذبية في الشمس والقمر والفعل المتبادل بينهما وبين المياه في البحار والمحيطات، فهل ما توصل إليه التفكير العلمي يناقض أو يتعارض مع إيماننا بقدرة الله الذي أودع هذه الخصائص في هذه الأجرام؟!
بكل تأكيد لا يتعارض ولا بأي صورة من الصور، إذ أمكنت هذه المعرفة من أن تجعل الناس يدرءون عن أنفسهم خطر المد والجزر، ويحولونه إلى أحد مصادر الطاقة التي استفادوا منها بمختلف الأشكال.
نشير أخيرا إلى أن أبا بكر بن عبد الله بن أيبك ابن الدواداري (توفي بعد 736ه/بعد 1432م) اقتبس ما ذكره ابن سبط الجوزي كاملا، ويبدو أنه يتبنى رأيه.
100 (5-5) زكريا القزويني
تناول المؤرخ والجغرافي زكريا بن محمد القزويني (توفي 682ه/1283م) في كتابه «عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات» ظاهرة المد والجزر وعزاها إلى القمر.
قال القزويني: «زعموا أن تأثيراته بواسطة الرطوبة كما أن تأثيرات الشمس بواسطة الحرارة ويدل عليها اعتبار أهل التجارب ومنها أمر البحار، فإن القمر إذا صار في أفق من آفاق البحر أخذ ماؤه في المد مقبلا مع القمر، ولا يزال كذلك إلى أن يصير القمر في وسط سماء ذلك الموضع إذا صار هناك انتهى المد منتهاه، فإذا انحط القمر من وسط سمائه جزر الماء، ولا يزال كذلك راجعا إلى أن يبلغ القمر مغربه فعند ذلك ينتهي الجزر منتهاه. فإذا زال القمر من مغرب ذلك الموضع، ابتدأ المد مرة ثانية إلا أنه أضعف من الأولى، ثم لا يزال كذلك إلى أن يصير القمر في وتد الأرض فحينئذ ينتهي المد منتهاه في المرة الثانية في ذلك الموضع، ثم يبتدئ بالجزر والرجوع ولا يزال كذلك حتى يبلغ القمر أفق المشرق ذلك الموضع فيعود المد إلى ما كان عليه أولا، فيكون في كل يوم وليلة بمقدار مسير القمر في ذلك البحر مدان وجزران.»
101
ثم انتقل للحديث عن نظرية أصحاب حرارة أشعة القمر التي سبق وقال بها الكندي، ثم حاول تأكيدها بأن أورد حديث الملك المسئول عن الظاهرة. حيث قال: «وأما مد بعض البحار في وقت طلوع القمر فزعموا أن في قعر البحر صخورا صلدة وأحجارا صلبة، وإذا أشرق القمر على سطح ذلك البحر وصلت مطارح أشعته إلى تلك الصخور والأحجار التي في قرارها ثم انعكست من هناك متراخية فسخنت تلك المياه وحميت ولطفت فطلبت مكانا أوسع وتموجت إلى ساحلها ودفع بعضها بعضا وفاضت على شطوطها وتراجعت المياه التي كانت تنصب إليها إلى خلف فلا تزال كذلك ما دام القمر مرتفعا إلى وسط سمائه فإذا أخذ ينحط سكن غليان تلك المياه وبردت تلك الأجزاء وغلظت ورجعت إلى قرارها وجرت الأنهار على عادتها، فلا يزال كذلك دائما إلى أن يبلغ القمر إلى الأفق الغربي، ثم يبتدئ المد على مثال عادته في الأفق الشرقي، ولا يزال ذلك إلى أن يبلغ القمر إلى وتد الأرض وينتهي المد، ثم إذا زال القمر عن وتد الأرض أخذ الماء راجعا إلى أن يبلغ القمر إلى أفقه الشرقي. هذا قولهم في مد البحار وجزرها. وأما هيجانها فكهيجان الأخلاط في الأبدان فإن ترى صاحب الدم والصفراء وغيرهما يهتاج به الخلط ثم يسكن قليلا قليلا، وقد عبر النبي
صلى الله عليه وسلم
عن ذلك بعبارة لطيفة فقال: «إن الملك الموكل بالبحر يضع رجله بالبحر فيكون منه المد ثم يرفع فيكون منه الجزر».»
Page inconnue