Utopie : une très brève introduction
اليوتوبية: مقدمة قصيرة جدا
Genres
بالنسبة لبلوخ، اليوتوبيا هي «الحلم المستقبلي»، وما لم يتحقق «حتى الآن» جوهري لفهمه لليوتوبيا. وتحمل كلمة «الآن» أهمية خاصة؛ إذ توحي بأن اليوتوبيا تعبر عما هو ممكن. يشير بلوخ إلى «أننا لا نسأم من رغبتنا في تحسين الأوضاع»، وأن «الانجذاب نحو ما نفتقر إليه لا ينتهي.» لكن مثل تلك الرغبة ينقصها التوجيه، فيجب أن تصبح دافعا أو حاجة، ويجب أن تنتقل مما يطلق عليه بلوخ «اليوتوبيا المجردة» إلى «اليوتوبيا الواقعية»، من يوتوبيات منفصلة عن الواقع الإنساني إلى أخرى مرتبطة به. وهو لا ينكر الدافع الذي يؤدي إلى اليوتوبيا «المجردة »؛ إذ يؤمن أن التفاؤل أفضل من التشاؤم، وأن اليوتوبيا المجردة تعبر عن الأمل، حتى إن كان هذا الأمل منفصلا عما هو ممكن. لكن اليوتوبيا الواقعية هي اليوتوبيا المضمنة في فهم الواقع الحالي، وتتصل بإمكانية إجراء تحسين اجتماعي فعلي ذي أهمية.
وفي نفس السياق، وصف فريدريك إل بولاك، عالم الاجتماع الهولندي، ما أطلق عليه «صور المستقبل الإيجابية»، التي يزعم أنها تجذبنا إلى الاتجاه الصحيح. كما يقول بولاك إن «اليوتوبيا تهدف إلى إعلاء الكرامة الإنسانية من خلال جهودنا.» ويذهب إلى أن اليوتوبيا متأصلة في القدرة البشرية على تحقيق الكرامة.
ثمة قضية مركزية في مسألة اليوتوبيا؛ وهي: هل النظام الاجتماعي الأفضل هو ما يتيح للناس أن يصبحوا أفضل، أم أن الأشخاص الأفضل هم من يخلقون نظاما اجتماعيا أفضل؟ كلا جانبي القضية يطرحان مسألة كيفية البدء؛ فيطرح الأول سؤالين: من أين يأتي النظام الاجتماعي الأفضل؟ وهل يمكن خلقه من جانب الأشخاص المتمثلين فينا الآن؟ والثاني يطرح سؤالا واحدا: من أين يأتي الأشخاص الأفضل؟
النظام الاجتماعي الأفضل الذي يتيح ظهور أشخاص أفضل هو النموذج اليوتوبي الكلاسيكي، وهو محور تركيز أغلب الهجوم الذي يشنه مناهضو اليوتوبية. وفي هذا النهج، يكتب عمل يوتوبي بقصد استخدامه - أو بدون قصد ذلك - نموذجا لتحقيق مستقبل أفضل؛ على سبيل المثال، قال إدوارد بيلامي إنه قصد ذلك، ولم يقصده في الوقت عينه، عند كتابة روايته الشهيرة «نظرة إلى الماضي»؛ فاليوتوبيا تجتذب أتباعا لها، كما فعلت رواية بيلامي، وتنشأ الحركات الاجتماعية والسياسية لمحاولة وضع بعض أجزاء اليوتوبيا - على الأقل - موضع التنفيذ. وأحيانا ما تتأسس مجتمعات مقصودة للغرض نفسه، وكثيرا على أمل أن إقامة نموذج ناجح سيقنع الآخرين بأهمية اليوتوبيا. وقد حدث ذلك في حالة رواية بيلامي، رغم أنه عارض تلك المجتمعات.
وحيث ينتظر من أناس أفضل أن يخلقوا نظاما اجتماعيا أفضل، فإن مشكلة المكان الذي سيأتي منه هؤلاء الأشخاص يحلها في أغلب الأحيان الدين. وثمة موضوع شائع في اليوتوبيات المسيحية، وهو أن الناس يمارسون فيها تعاليم المسيح ، وبذلك يحققون عالما أفضل. يمكن أن يبدأ ذلك برجل دين ملهم أو بشخص يضرب مثلا يختار الآخرون أن يتبعوه، كما في رواية تشارلز إم شيلدون (1857-1946) «على خطاه: «ماذا كان سيفعل المسيح؟»» (1897). تقوم اليوتوبيات المسيحية الأخرى على المجيء الثاني للمسيح، لكن ثمة الكثير من الأعمال الساخرة التي تتناول المجيء الثاني للمسيح، وتشير إلى أن المسيح سيلقى رفضا، كما في مشهد «المحقق الكبير» في رواية «الإخوة كرامازوف» (1880) للروائي الروسي فيودور دوستويفسكي (1821-1881).
عندما تصمم يوتوبيا بحيث تكون بديلا واقعيا، لا يكون القصد منها أن تكون مجتمعا قابلا للتحقق بكافة تفاصيله، لكن وسيلة لتقديم بديل للحاضر. ومن هذا المنطلق، اليوتوبيا هي مرآة للحاضر مصممة لإظهار عيوبه لتوضيح السبل التي يمكن أن تكون بها الحياة أفضل، وليس بالضرورة السبل التي ينبغي أن تكون بها الحياة أفضل.
ولأننا ننشأ في مجتمع معين ويكون علينا قبول آرائه، يحتمل ألا نكون قادرين على امتلاك الوعي النقدي لوضعنا؛ فيمكننا أن نعتبر غياب الحرية حرية، وانعدام المساواة مساواة، وفقدان العدالة عدالة. والمنظومات العقائدية السائدة قادرة على أن تعمي أبصار الناس عن حقيقة أوضاعهم. ويحاول الحلم اليوتوبي أن يخترق المواقف التي تميل إلى القبول بالوضع الراهن، ويمكن أن يكون هذا تجربة قاسية؛ لأنها تشير إلى أن واقعنا الحالي خطأ.
يصور منظران اجتماعيان معاصران، وهما: فريدريك جيمسون (المولود عام 1934) وزيجمونت باومان (المولود عام 1925)، الازدواجية الراهنة بشأن اليوتوبيا؛ فقد كانت اليوتوبيا محورية في فكر جيمسون، بدءا من كتابه «الماركسية والشكل» في عام 1971 وحتى «حفريات المستقبل» في عام 2005، وقد ناقش اليوتوبية بوجه عام، إضافة إلى عدد من الأعمال اليوتوبية. وهو يدفع بأن اليوتوبية إيجابية لأنها تفتح الباب أمام إمكانية التغيير المستقبلي، لكنه أيضا يقول بأن «اليوتوبيات تتحدث عن الفشل، وتطلعنا على المزيد عن حدودنا ونقاط ضعفنا أكثر ما تطلعنا على المجتمعات المثالية.» ويؤكد جيمسون على أن أغلب محاولات تخيل اليوتوبيات تكشف عن استحالتها؛ لأننا مرتبطون بالثقافة والأيديولوجية، وهذا يمنعنا من الانفصال عن واقعنا لتخيل أي شيء مختلف جذريا، حتى إن كان أفضل. ويؤكد أيضا في الوقت نفسه على أهمية الاستمرار في المحاولة، ضاربا المثل بأهمية اليوتوبيات النسوية والاشتراكية التي حاولت تخيل عوالم تخلو من الهيمنة على أساس النوع أو التراتب الطبقي.
ومن منظور مختلف نوعا ما، يقيم باومان حجة مشابهة؛ ففي كتابه «الاشتراكية: اليوتوبيا العاملة» (1976)، يقول بأن اليوتوبيا معنية بإمكانية الوصول إلى الكمال (العملية) لا الكمال نفسه (الغاية). واليوتوبيا تحض على التحرر من منطلق أنها بإمكانها أن تساعد على تحرير «النفس من السيطرة العقلية والمادية الطاغية لما هو روتيني واعتيادي و«طبيعي».» ولاحقا قال إن اليوتوبيات الخاصة بالحقبة التي يطلق عليها الحداثة «الصلبة» تؤكد فعليا على الكمال، الذي يقارنها بحقبة ما بعد الحداثة «المائعة». وكتب أنه في الحداثة:
اليوتوبيا هي رؤية لعالم مراقب، مرصود، موجه عن كثب ومدار يوميا. وفوق كل شيء، هي رؤية لعالم مسبق التصميم، عالم فيه التنبؤ والتخطيط يلغيان دور الصدفة.
Page inconnue