Utopie : une très brève introduction
اليوتوبية: مقدمة قصيرة جدا
Genres
أدخل الكاتب الروماني فرجيل (70-19 قبل الميلاد) تغييرات كبيرة على تلك الأساطير؛ أولا، وفوق كل شيء: في أنشودته الرابعة الشهيرة، المعروفة بأنشودة المخلص التي تبشر بقدوم المسيح، من عمله «أناشيد الرعاة»، انتقل بالعصر الذهبي من الماضي إلى المستقبل. ثانيا: أصبح العالم الأفضل قائما على النشاط البشري لا على مجرد أن يكون هبة من الآلهة؛ فالناس يعملون، لا سيما في الزراعة، ويستمر هذا باعتباره أسطورة الفلاح أو المزارع السعيد؛ لتصبح نسخة أكثر واقعية، وإن كانت لا تزال مثالية. لم تمت الأسطورة أبدا، وهي توجد اليوم باعتبارها جزءا جوهريا من اليوتوبية الحديثة.
الصور التي ساقها فرجيل للحياة البسيطة في «أركاديا» تمثل نقلة بين فانتازيا التقليد الأول لليوتوبيا، ويوتوبيا التقليد الثاني التي صنعها الإنسان. إن المجتمعات التي صنعها البشر وصورها الكتاب الإغريق والرومان هي الأكثر شبها ب «يوتوبيا» توماس مور والأعمال التي تلتها. وهذا الفرع من التقليد اليوتوبي يمنح الناس الأمل؛ لأنه أكثر واقعية، ولأنه يركز على بشر يحلون مشاكل البشر، مثل كفاية الطعام والمسكن والملبس والأمن، لا الاعتماد على الطبيعة أو الآلهة.
وفي الغرب، يبدو أن اليوتوبيا الرسمية نشأت في العصر الكلاسيكي لليونان القديمة، وطغت أوصاف أسبرطة، الدولة-المدينة الإغريقية، عليها. فصور الكاتب الإغريقي بلوتارك (46-120 ميلاديا) دافع ليكرجوس، المؤسس المفترض لأسبرطة - ويمكن أن يناسب تصويره آخرين - قائلا:
كان مقتنعا أن إدخال تغيير جزئي في القوانين لن يكون له أي فائدة تذكر، بل ينبغي له أن يمضي كالطبيب الذي يعالج مريضا أعياه المرض وهو مصاب بكافة أنواع الأسقام؛ فيجب أن يغير وضع الحالة التي أمامه باستخدام العقاقير والمطهرات، ويوصي له بنظام علاج جديد ومختلف.
كان المجتمع الذي أسسه ليكرجوس في أسبرطة قائما على أعلى درجات المساواة بين المواطنين، لكن بين المواطنين فحسب (كان هناك عبيد، ولم تكن النساء من المواطنين). كان نظام الحكم في أسبرطة عسكريا. وفي أسبرطة، في ظل حكم ليكرجوس، كان على كل شخص أن يهب نفسه تماما لخدمة البلد. كان عليهم أن يفقدوا ذواتهم من أجل الكل؛ «فقد عود مواطنيه على ألا تكون لديهم الرغبة أو القدرة على العيش من أجل أنفسهم.»
يربط كثير من المعلقين بين أسبرطة و«الجمهورية»، يوتوبيا الفيلسوف الإغريقي أفلاطون (428 / 427-348 / 347 قبل الميلاد) الذائعة الصيت، والتي تعتبر معين اليوتوبية الغربية. وجمهورية أفلاطون معنية في المقام الأول بالوصول لفهم لمفهوم العدالة، وهي حوار أفلاطوني نموذجي يمتد من بداية إلى منتصف الفترة التي يطرح فيها سقراط (469-399 قبل الميلاد) سؤالا، وتستمر عملية السؤال والجواب حتى يتم الوصول لعدد من المواقف، التي يرفضها سقراط كلها، ثم يقدم إجابته، وبالتدريج يهيمن على النقاش محولا إياه إلى حوار أحادي، ولا يصدر عن الآخرين المشاركين في الحوار سوى تعليقات روتينية تعوزها الحماسة.
إن المجتمع الذي يصفه أفلاطون في «الجمهورية» هو الأقرب إلى المجتمع المثالي. يضم هذا المجتمع ثلاث طبقات، تقابل العناصر الأساسية الثلاثة للروح أو الذات. والطبقات الثلاث هي طبقة الملوك الفلاسفة (أو العقل)، وطبقة الحراس (الذين يمثلون عنصر العاطفة)، وطبقة الحرفيين والتجار (الذين يمثلون ضبط النفس والاعتدال). يعنى أغلب الحوار في عمل «الجمهورية» بأول طبقتين، وهما المعروفتان إجمالا باسم ولاة الأمر. ولا يتحدث أفلاطون كثيرا عن الأغلبية العظمى من أهل الجمهورية، باستثناء التلميح إلى أن كل فرد في تلك الدولة المدينة المنظمة بشدة، سيعمل في المكان الذي يناسبه تماما؛ ونتيجة لذلك، سيغدو الجميع سعداء.
إلا أن أي مجتمع من صنع البشر لا يمكن أن يعدو كونه انعكاسا ضعيفا للمجتمع المثالي، ويجب أن يفشل. يتناول أفلاطون عملية الفشل بإسهاب كبير. وفي إسهابه، يضع نظرية للفساد ويطبقها على الأفراد والمجتمعات. والمهم هنا ليس النظرية، بل النقطة الأساسية المتمثلة في أنه لا يمكن أن يوجد مجتمع أو إنسان مثالي على هذه الأرض. وأفضل ما يمكننا تحقيقه هو الاقتراب من هذه الصورة المثالية، وهذا التقريب سينهار حتما في نهاية الأمر.
بينما تتطابق المقومات الأساسية (التناغم، والمعرفة، والحياة الطيبة للشخص الصالح) في يوتوبيا أفلاطون الكبيرة الأخرى، محاورة «القوانين»، مع المقومات الأساسية لتلك الخاصة بمحاورة «الجمهورية»، فإن الطريقة التي تتحقق بها هذه المقومات مختلفة؛ فهناك الاختلاف الواضح المتمثل في أن الدولة في محاورة «القوانين» تقوم على القانون، في حين أن الدولة في محاورة «الجمهورية» تقوم على حكمة البشر المتجسدة في الملوك الفلاسفة. ويبدو أن أفلاطون إذ فقد الأمل في إيجاد أو خلق الظروف المثالية لتنشئة الملوك الفلاسفة، كان عازما على تقديم أفضل ثاني خيار: النظام القانوني الذي سيفرضه الملوك الفلاسفة للدولة، التي لا ترقى إلى الوصول لمستوى الدولة في «الجمهورية»، بل وقدم بديلا للملوك الفلاسفة في مجلس ليلي بإمكانه إسقاط القوانين إن اختار ذلك.
كان اليوتوبيون الإغريق، بمن فيهم أفلاطون، يعتبرون ما نطلق عليه المجتمع الصغير أو المتفاعل افتراضا أساسيا. لم يمكنهم تصور أن مجتمعا طيبا يمكن أن يكون كبيرا بحيث يعجز فيه جميع المواطنين عن الالتقاء والتحاور بانتظام، ولم تظهر فكرة إمكانية وجود شيء أكبر إلا مع سقوط الدولة الإغريقية وصعود الدولة الرومانية.
Page inconnue