هل نبرئ الناخب عامة من أجل هذا؟
هل نبرئ المرشحين؟ هل نبرئ الأحزاب؟
كلا، لا نبرئ أحدا ولا ندين أحدا، غير أننا نعلم كما يعلم الكثيرون من طبائع الناس أنهم قابلون للتضحية وقابلون للبطولة كلما وجد السبب الذي يرتفع بهم إلى تلك الذروة، ولكنك تطلب كرامة القديسين إذا أردت من الناس في جملتهم أن يتغلبوا على مصالحهم لغير قضية عامة يفهمونها ويستثار بها شعورهم من ركود الحياة اليومية.
والخلاصة التي لا نشك فيها، أن الناخب المصري يقاوم كل محنة وكل إغراء في سبيل إيمانه بقضية وطن وعظمة زعيم، فإن لم يكن هذا، فالشرط اللازم لصحة الانتخاب أن يكون قيام الوزارة القادمة معلقا على نتائجها، ولا تكون هذه الوزارة معلومة قبل إجراء الانتخاب، فإذا تيسر ذلك وسلمت للناخب حريته، فتمثيل الشعب في هذه الحالة أصح تمثيل مستطاع.
وهذا أيضا في الدفتر
وأصحابنا الأقدمون لم ينسوا هذه الخصلة ولم يجهلوا خطرها في التربية السياسية؛ فقد كان الناخب الأمثل عندهم هو الناخب الذي يدين بالولاء للمدينة، وكانت المدينة عندهم مرادفة للوطن في الزمن الحديث، فكانوا يقولون إن الأثيني الحق من ينسى نفسه حين يعطي صوته، أو من يوفق في حياته الخاصة وحياته العامة؛ فلا تجور إحداهما على الأخرى، وكانوا مع ذلك لا ينسون أن المواطن الصالح والإنسان الصالح وصفان لا يتساويان في المعنى إلا إذا ارتقى المجتمع إلى الأوج المثالي في الأخلاق والملكات العقلية، وهيهات.
قال المؤلف: «على هذا النحو كانت المدينة، كما يتصورها الأثيني، مجتمعا يعيش أفراده معا في تآلف وانسجام، ويتيح لأكبر عدد مستطاع من أفراده فرصة المساهمة الفعلية في الحياة العامة دون تمييز يرجع إلى ثروة أو جاه، كما يعطي لكل ذي كفاية مجالا طبيعيا هنيئا للعمل والازدهار، ويمكن القول إلى حد كبير بأنه ربما لا يوجد مجتمع آخر نجح في تحقيق هذا المثل الأعلى، مثلما نجح المجتمع الأثيني في عهد بركليس، ولكنها مع ذلك كانت مثلا عليا لا حقائق واقعية، والديمقراطية في أفضل حالاتها لا تخلو من المثالب.»
والصحيح في التعقيب على هذا الرأي أن الديمقراطية كثيرة المثالب، ولكنها تمتاز من هذه الناحية بمزية لا تتوافر لغيرها من نظم الحكومات، فعيوبها هي عيوب الإنسانية أو هي عيوب الأناسي الذين يشتركون فيها، وفرق بين عيوب النظام من حيث هو نظام، وعيوب الناس التي لا يلام عليها نظام الحكم، ولكنها ترجع إلى طبائع المحكومين وأخلاقهم وعاداتهم، ولا أمل في صلاحها بغير التربية السياسية والتجارب المتعاقبة وتكرار الخطأ والتصحيح.
وإذا لاحظنا في كتاب «تطور الفكر السياسي» مأخذا، فإنما نلاحظ عليه أنه خلا من الشرح الكافي للتفرقة بين الديمقراطية المعيبة والديمقراطية الممسوخة، التي كان الإغريق يسمونها «أوخلوكراسي»
Ochloocracy
Page inconnue