ـ[يوميات شامية]ـ
المؤلف: محمد بن عيسى بن محمود بن كنان (المتوفى: ١١٥٣هـ)
[الكتاب مرقم آليا غير موافق للمطبوع]
Page inconnue
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
سموت اللهم بوصف البقاء والقدم، وتعاليت عن لحوق الفناء والعدم، يتقاصر عن دركك عقول العقلاء، وتعجز عن بلوغ غايتك ألسن الفصحاء، والصلاة والسلام على نبيك محمد مبدأ الأنوار العلية، ومن علوم المقدم والتالي إليه كالقضية الجزئية، وعلى آله وأصحابه النجوم السائرة في فلك التوحيد أحسن سير، الواصلين به إلى الحد الذي لا يحد، من نعوت الفضل والخير، وسلم.
وبعد:
خطبة الكتاب
فهذا تاريخ قد حررته، ومن الأخبار النفيسة قد جمعته، فهو نعم السفير في الحضر، والأنيس في السفر، جمع من الفوائد أحسنها، ومن فرائد المنثور والمنظوم أكملها وأجملها، يتعلق بالحوادث اليومية من تاريخ إحدى عشر وألف ومية.
أهمية فن التاريخ
واعلم أن فن التاريخ، فيه عرفت شعائر الأنبيا، وبه نقلت أخبار من سلف ومن مضى، وبه يقتدى بما كانوا عليه من مكارم الأخلاق، وبه يأبى الشخص عما صدر من الخلاف والشقاق، وكفاه شرفًا أنه علم منه القصص، وبراهين النبوة، وأعلام الرسالة، قال تعالى: " نحن نقصُّ عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك " وأداء القصص، أداء الخبر على وجهه، وبه بعث الله أنبياءه وصفوته من خلقه.
قال تعالى: "وكَلاَّ نقصُّ عليك من أنباءِ الرسل وما نُثبِّتُ به فؤادك، وجاءك في هذه الحقّ وموعظةٌ للمتَّقين ".
ودينه وهديه وصل إلينا بالإخبار
ثم اعلم أن الأخبار تنقسم إلى ثلاثة أقسام: الأنبياء، والملوك، والعلماء وذوو المراتب، وما كانوا عليه من محاسن الأخلاق. وهذا أيضًا نافع لمن همته عالية، وقريحته صافية، فإن في طباع من هو كذلك، الارتياح لذكر أهل مكارم الأخلاق عند سماع أخبار الكرام والعلماء الأعلام. وكيف وقد قال بعض المفسرين في قوله تعالى: " فاسْألِ العادّين " أن المراد بهم المؤرخون، ومن قوله تعالى في النحل " بالبيّناتِ والزُّبر " أخبار الأمم.
فيحب الاقتداء، ويعتبر بعبره، فيرتدع من العيب والردي، ويجنح لحسن الذكر والثناء. ولذلك صارت الأنفس الفاضلة إليه وامقة، وله محبة وعاشقة، فلا يزدري به إلا جاهل معاند، قد نصب لأهل الدين حبال المكايد، أو من عقله مدخول، وقلبه في غلول. وسميته الحوادث اليومية من تاريخ إحدى عشر وألف ومية.
محرم الحرام سنة ١١١١
٢٩ - ٦ - ١٦٩٩م
الحكومة
وسلطان الممالك الرومية والعربية وبعض العجمية السلطان مصطفى خان بن محمد خان بن عثمان، والوزير الأعظم مصطفى باشا الكبرلي، تلميذ الشمس بن بلبان الصالحي، المحدث المشهور، والباشا، حسن باشا السلحدار، هو كافل دمشق، ورد إليها بالمنزل، عشية يوم السبت، آخر ذي الحجة الحرام سنة عشرة، وأوايل سنة إحدى عشرة وماية وألف، وهو مأمور بالخروج مع الجردة، وقاضي الشام عطا الله أفندي شوي زاده، ومفتي الروم فيض الله أفندي، ومفتي دمشق مولانا الشيخ إسماعيل أفندي ابن الحايك، والمدرسون على حالهم، والأمير قبلان.
قضية الشيخ أحمد السبحان
المحرم، واستهلت السنة المذكورة بالاثنين على موافقة الوقفة والصوم.
ثالثه، الأربعاء، ورد الشهابي الشيخ أحمد بن السبحان البعلي الحنبلي من بعلبك، لوقوع قضية جرت، وهو أن ولده الشاب الشيخ محمد، تشاجر مع رجل ميازري شريف من أهالي البلد، وتشاتما، ثم بعد ذلك دخل الناس بينهما وتصالحوا عند نائبها القاضي عبد الوهاب ابن العلامة الشيخ عبد الحي الصالحي الشهير بابن العكر، وكتب بذلك حجةً.
فبعد كم يوم، خرج ذلك الميازري بالأعلام والمزاهر إلى ترابلس، مشتكيًا على ابن الشيخ أحمد إلى أصلان باشا اللاذقي، نائب ترابلس، فأرسل أصلان باشا مباشرًا، فطلب منهم خمسماية غرش، وقيل سبعماية، وختموا بيت الشيخ أحمد، وخرج الشيخ أحمد هاربًا إلى جبة عسال، وجاء للشام.
ثم إن ذلك المباشر، أغلظ على أهلية الشيخ أحمد من نساء ورجال، فحصلوها بعد رهن أسباب وبيع ما أمكن من أماكن، فلما وصل الشيخ أحمد لدمشق، حكى ما وقع للأعيان، من علماء ومفتية وآغاوات، ممن له التكلم. وقام معه الشيخ مراد اليزبكي وغيره من علماء الشام وكبارها، وأرسلوا مكاتيب من دمشق ليرجعوا له ما أخذوه، ولم يأت الجواب.
1 / 1
وقمت معه في ذلك، ثم ذهبنا نحن وإياه لنجمعه في المحب صادق آغا ابن الناشف، وكان إذ ذاك متولي الجوالي، وكان مراده التوجه إلى ترابلس لأجل أموال النصارى، حتى يرافقه، فجمعناه به وعرفناه به، فوعده بوقت الذهاب حتى يهيئ حاجته.
مذاكرة في الإطناب
ثم خرجنا من عنده إلى عند شيخنا المدقق العلامة ملا عبد الرحيم الكابلي، نزيل دمشق سنة ١١٠٩، أبقاه الله تعالى، وتذاكرنا في بحث الأطناب اللفظي والمعنوي، وهو في قوله تعالى: " فويلٌ للذين يكتبون الكتاب بأيديهم " لاحتمال معاني كثيرة، منه كتابة الحق والباطل والعقود الفاسدة، مثاله قول الأبوصيري:
كلٌّ أمر ناب النّبيّين فالش ... دّة محمودة فيه والرخاء
لو يمسّ النضار هون من النّا ... ر، لما اختير للنضار الصّلاء
كذا مثله لي فيه، الشيخ عبد الله المقدسي الحنبلي.
دروس المؤلف
ونقلت لملا عبارة ابن كمال باشا في المعنوي، وذكر أنه في قوله تعالى: " ولا تخطُّه بيمينك ". إلى غير ذلك.
قرأت على المولى المزبور سابقًا مبادئ شرح إيساغوجي للفنري، ثم في شرح الشمسية مع حاشيتها للسيد الشريف، وحصة من أواسط المجتبى بقراءة أوايله، على العلامة الشمس بن الطويل الشافعي وحضرت دروس القاضي البيضاوي بقراءة بعض أصحابنا الأفاضل على الملا المذكور، مع الحواشي وغير ذلك، نفع الله به، آمين.
الجردة
وفيه شرع في التوجه مع الجردة والسفر لملاقات الحج حيث أمكن، وكان الباشا المذكور ورد لكفالة دمشق في يوم السبت عشيةً بالمنزل في آخر ذي الحجة، وهو قريب العهد بخروج لحيته، وهو مأمور بالخروج مع الجردة، مع باشة عجلون ابن القواس لملاقات الحج الشريف، مع أميره محمد أفندي، من أعيان الكتاب بالروم. والحاصل: المتعين للجردة باشتها ابن القواس، وإبراهيم آغا، ابن أخي أصلان باشا ابن أمير الحج سابقًا قبلان باشا، أخي أصلان المذكور، كل ذلك للإعانة على العرب الجلالية الذين أخذوا القطرانة، وقتلوا بعض ينكجرية بها في السنة السابقة، وعملوا متاريس في الحسا على الماء، ويسمى بالتركي: تابوت قرصي، أي تابوت الماء الأسود، لأن الوادي كهيئة التابوت، أحد طرفيه ضيق، والآخر واسع، والله يصلح الأحوال.
نفير عام للجردة:
وفيه في محرم السادس فيه، وهو يوم السبت، صار نفير عام على الزعماء والينكجرية، للسفر لملاقات الحج الشريف إلى حيث أمكن، خوفًا عليه من العرب، لأنه في سنة عشرة وماية وألف، أخذت العرب الجلالية الجردة كلها، وقتلوا باشتها محمد آغا بن صدي، من أهالي دمشق، وغنمت لشيء كثير.
وفيه خرج أوائل الجردة
وفي يوم الاثنين الثامن، شارع بدمشق أن بعلبك وجهت لشيخ الإسلام فيض الله أفندي، وأرسل لها وكيلًا، مفتي محروسة طوس، محمد أفندي الطوسي، ومعه جماعة من جماعة شيخ الإسلام المذكور.
هرب المباشر بالمال:
وفيه بلغنا من الشيخ أحمد بن السبحان، أن أهالي بعلبك اشتكوا على المباشر لوكيل شيخ الإسلام، فأمروه بإحضار المال، وكان بعد لم يسافر إلى ترابلس، فقال لهم: في غد، وقدره سبعماية غرش ثم أصبحوا لم يعلموا له خبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وهذه المنزلة، كرامة للشيخ أحمد السبحان، والبغي مصرع مبتغيه وخيم.
وفي يوم الأربعاء العاشر في محرم سافر جميع الزعماء والينكجرية ولم يتخلف أحد.
سفر الشيخ السبحان
يوم الخميس الحادي عشر، سافر الشيخ أحمد المزبور إلى ترابلس، مع آغة الجوالي المتقدم ذكره، لطلب الدراهم التي أُخذت ظلمًا، وأخذ الشيخ أحمد معه مكاتيب من أكابر دمشق، من الملا مراد، ومن سعيد أفندي البكري وقاضي الشام، وغيرهم من المشاهير.
مذاكرة أدبية
وفي يوم الأربعاء السابع عشر، اجتمعت بالفقيه الشيخ منصور الحبال، الفقيه الأديب الناظم، مقابل قناة يخرج منها الماء من أنبوبة من النحاس الأصفر، والماء كالفضة المسبوكة، فقلت له: انظم في ذلك شيئًا، فلم يحضره، فقلت من بحر الرجز:
أُنبوبةٌ تحسبها ... من فوق ماءٍ مطلق
سبيكةً من فضّةٍ ... لكنّها الحرّ تقي
1 / 2
فتذاكرنا في إعرابه من جهة النحو: فأنبوبة مبتدأ معلوم، وجملة تحسبها الخبر، والرابط ضمير الجملة، وأن سبيكةً مفعول ثان لتحسب، والحر: مفعول مقدم لتقي، ولكن بمعنى إن في أحد إطلاقاتها.
وتذاكرنا من جهة بديع الأبيات من الجناس المصحف، وفيه التشبيه البليغ، لأن الأصل كسبيكة.
ومن جهة العروض، وأنه من بحر الرجز، لكن دخله الخبن، وهو حذف الثاني الساكن، وفيه الطي، وهو حذف الرابع الساكن، والمجموع يسمى خبلًا، إلى أن انتهى مجلسنا.
محمد الكفرسوسي
وفيه توفي من كتاب محكمة الباب، القاضي محمد أفندي بن الكفرسوسي، وخلف مالًا وابنتين لا غير، وصلي عليه يوم الخميس بالجامع الكبير، ودفن بتربة الدحداح.
تسعير اللحم
وفيه نادى حسن باشا، باشة الشام، على اللحم بسبعة مصاري وثمانية مصاري، بنداء القاضي أيضًا.
وفي تاريخه، كان رخاء في الفاكهة جدًا، أُبيع الرطل التفاح من السكري بمصرية.
الشمع لضريح النبي يحيى:
وفي تاريخه، في محرم بعد الظهر، ورد الباشا للجامع، والقضاة والعلماء والقبجي، لأجل وضع الشمعات التي أوقفها السلطان مصطفى على ضريح النبي يحيى ﵇، وهم قنطار راجح، وعين خادمًا بعلوفة، وعمل لهما شبكات، وضعوا واحدة عند رأسه والأخرى في المعزبة الأخرى عند رجليه، ودعا المفتي الحنبلي الشيخ أبو المواهب بحضور الباشا والقبجي والناس، ودعوا للسلطان حفظه الله.
وفي تاسع عشر الشهر، تمت السفريات النحاس، وجاءت في غاية الجودة والحسن والنضارة، وحليت بالذهب واللازورد، وكتبت فيها أبيات عربية وتركية.
وفي يوم السبت فيه، ورد قفل الباشا، مع محمد باشا، كيخية حسن باشا.
حكاية الكمال المصري مع النصراني المسلم
وفيه سلمنا على الكمال يونس المصري، مدرس قبة النسر بالجامع الأموي، في داره بالقنوات. وكان ببلاد الروم، وأخبرنا من جهة الأمر الذي حصل له حين ذهابه للروم على جهة ترابلس، قال: كنا خرجنا من عند باشة ترابلس أصلان باشا على ساحل البحر، فخرجوا علينا الفرنج مسكونا وأنزلونا المركب، وأما أنا فأجلسوني في القمرة، فاضطجعت ودخل علي صاحب المركب، وأنا مضطجع فلم أقم له ولا جلست، فقال لم لا تقم؟ فقلت له أنا من العلماء، فسكت ولم يرد علي بشيء، فبعد برهة أنزلني إلى سفل المركب، فنزلت، فما مكثت ساعة حتى نزل إلى عندي أمرد كأنه القمر، لم أر أحسن منه، فقبل يدي وقال: يا سيدي أنت من العلماء؟ فقلت له نعم، فقال: مرادي تعلمني النحو. وكان أخبرني أنه يحفظ كم بيت من شعر العرب العرباء، وأتى إلي بمأكول ومشروب مفتخر وقال: أريد الإسلام، وبلغني الشهادة بإذني سرًا، وقال: أجتمع بك في بلاد الروم، وقال: أنا أُتقن الكيمياء وأُعلمك إياها وتعلمني علم النحو، فقلت له: على راسي، وطلب مني مصحفًا فأعطيته، ثم أخرجني إلى ظاهر المركب في أوضة حسنة، ويأتيني كل يوم بالمأكول والمشروب مدة ثلاثة أيام، ففكنا أصلان باشا فخرجنا من المركب وتوجهنا إلى الروم.
وفي يوم الجمعة، ركب حسن باشا وجاء وصلى بالجامع عند رأس نبي الله يحيى ﵇، وقدامه الريش والإيباشية، وعليه قباء سفرجلي بسمور، وقيل إنه يحفظ القرآن عن ظهر قلبه.
حكاية الأمير منصور وأرملة الباشا
وفي يوم الاثنين ثالث صفر وأوله الجمعة، خرج حسن باشا لملاقات الحج الشريف وقيل: يمر على صفد لقتل الأمير منصور الدرزي، الضامن صفد من أصلان باشا، من جهة أخذه زوجة أحمد باشا بن صالح باشا الصفدي كافل دمشق وكان أخذها قهرًا حين قتل الوزير زوجها أحمد باشا، باشة دمشق، ببلاد الروم من غير عقد ولا نكاح. وكان بلغ أهالي دمشق، وكان بها ناس من صفد للشكاية عليه في ذلك، فقام العلماء والموالي والدولة، وأرادوا الركوب عليه، ويعملوا نفيرًا عامًا. واهتم بذلك الشيخ مراد، وقاضي الشام، فخافوا من هروبه على البحر، فتركوا الأمر حتى يأخذوه على حين غفلة.
ولما بلغ منصورًا أن خبره اتصل إلى دمشق، أرسل وراء قاضي صفد وهدده ليكتب كتابه، فلم يرض لعدم صحة ذلك على مذهب الإمام الأعظم، فقيل عرض عليه القتل، وقيل قتله. ثم أخذ يتخضع وراسل أعيان دمشق، وهاداهم بكل ممكن حتى فتروا عنه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
احتراق سوق العطارين
1 / 3
وفي يوم الاثنين. رابع عشر شهر صفر، احترق السوق عند رأس البزورية. أعني سوق العطارين، غربي مادنة الشحم.
إسقاط ضريبة
وفي سابع عشر صفر، ورد قبجي من الروم بنحو عشرين سرجًا.
وفيه بلغ أن شيخ الإسلام أسقط ربع العوارض عن دمشق وبعلبك والأراضي الشامية كلها.
مصطفى بيك
وفي يوم الجمعة، ثامن عشر صفر، ورد نجاب من الحج، ومعه مكاتيب تخبر بالحج، وبموت مصطفى بيك، سردار الحج. وفتحوا داره.
المكتبة العمرية
وفي يوم الاثنين، ثاني عشرين الشهر، فتح متولي العمرية بالصالحية السيد إبراهيم أفندي بن حمزة النقيب خزانتي الكتب الكائنتين بالمدرسة المذكورة، بنظارته عليها، لأجل نفض الكتب، وكان الشيخ مراد اليزبكي والشيخ إسماعيل أفندي بن الحايك، وغيرهما من العلماء والطلبة.
وكتب علي من تلك الكتب على وجه العارية كتابين: الأول: لغة الأطباء لجامعة الحافظ ابن عبد الهادي المقدسي الصالحي الحنبلي، وكتاب آخر فيه مختصر التلخيص في المعاني والبيان، وجمع الجوامع، في الأُصول الشافعي، ومختصر الروضة في الأصول الحنبلي. الأول للسبكي الشافعي، والثاني للطوفي البغدادي الحنبلي، وهم عندي إلى الآن.
وعمل ضيافةً وضعت في الرواق، ولم أحضر الضيافة ولا فتح الخزانة الثانية، وهما خلوتان لصق البلاط، مقابل الباب في الخط الشرقي.
وفي عهدنا تشتمل كل واحدة على ألف مجلدة من ساير العلوم، كالقرآن والنحو والأصول والحديث، إلى غير ذلك من الفنون، وفيها كتب من خط الحافظ جمال الدين المقدسي الحنبلي، وكذا من خط الشمس ابن طولون الحنفي الصالحي.
محمد النقيب
وفي يوم الأربعاء عشرين صفر توفي السيد محمد بن السيد عبد الكريم ابن حمزة النقيب، وحضر الأعيان والفقهاء، ودفن بباب الفراديس عند جده السيد محمد النقيب في التربة الغربية.
دخول المحمل ٢٦ صفر
وفي يوم السبت السادس والعشرين من صفر، دخل الحج الشريف في أحسن حال من الرخاء والأمن، ولم يقع ضرر والحمد لله.
يوم الأحد السابع والعشرين دخل المحمل، ومحمد باشا الشهير بالأفندي، ووصل ابن القواس للمعظم، والمعنيون إلى معان.
جرائم عنيزة
وفي يوم الاثنين ثامن عشرين صفر، سلمنا على أصحابنا الحجاج، وأخبرونا أن بني عنيزة أخافوا المدينة قبل وصول الحج، وقتلوا من أهل المدينة ثلاثين رجلًا، غير المماليك والعبيد، قالوا: وأهل عنيزة هم كثيرون، وأرضهم من دون العلا للمدينة.
سلطان الهند ومدينته الجديدة
وفيه أخبرني صاحبنا السيد مصطفى الخواجا، أنه في هذه السنة اجتمع في الحج بإمام سلطان الهند، واسمه الشيخ محمد الشامي، وحكى له عن سلطان الهند أنه شرع في مدينة عظيمة، دورتها ثلاث أيام، وأكملها، ونقل إليها واستوطنها وسماها باسمه، وعلى أن عرضها كان نحو أيام كثيرة. وأخبر أن السلطان أمر كل وزير بسكنى جهة، وخطوا أسواقها وبيوتها وخاناتها، ووضب لها اثني عشر ألف معمار، ما عدا التوابع.
عودة ابن السبحان
وفيه ورد الشيخ أحمد السبحان المتقدم ذكره، وحصل جميع الدراهم، ولم يأخذ له أصلان الدرهم الفرد، وأكرمه غاية الإكرام.
ملاحقة تاركي الصلاة:
وفي آخر الشهر، نادى حسن باشا على تراك الصلاة، وكبس القهوات، لأنه بلغه أنه يكون في القهوات أناس ولا يخرجوا لصلاة الجمعة، فكبسهم مرات، حتى كادت تبطل القهوات لعدم من يجيء إليها خوفًا من الباشا.
شعر في الحكمة:
وفيه أنشدني صاحبنا مصطفى بيك الترزي من لفظه قول بعضهم:
قيمة المرء علمه عند ذي العق ... ل وما في يديه عند الرّعاع
فإذا ما حويت علمًا ومالًا ... كنت عين الزّمان بالإجماع
وإذا منهما غدوت خليًّا ... رحت في الناس من أخسّ المتاع
من شعر الشافعي: وأنشدني أيضًا من لفظه للشافعي، ﵁:
قد يعسر المرء في رزقه ... ويرزق الفاجر والكافر
ويسلم الأطمس من حفرةٍ ... يسقط فيها الناظر الباصر
ويحفظ الجاهل من لفظةٍ ... يهلك فيها العالم الماهر
لا يعجب الإنسان من أمره ... هذا الذي قدّره القادر
إنارة الأسواق:
1 / 4
وفي يوم الخميس، مفتتح ربيع الأول، أمر الباشا أن تشعل أرباب الحوانيت على كل حانوت، قنديلًا لأجل الضوء.
وفي يوم الأربعاء سابع الشهر، أنشدني بعض أصحاب لمولانا أحمد أفندي الحلبي، مفتي دمشق الشام في القرنفل لمناسبة جرت، توفي المزبور يوم الخميس في جمادى الآخرة سنة ١١٠٥، ودفن بتربة الشيخ رسلان، قدس سره، آمين.
أمطار في الصيف:
وفي اليوم، الاثنين، في الشهر الذي هو ربيع الأول، نزل بالصالحية مطر غزير، وصار رعد وبرق، وكانت مربعانية الصيف، والله على كل شيء قدير.
صاعقة:
وقيل وقع صاعقة غربي الشالق مما يلي المدرسة الكوجانية التي بالشرف الشمالي، أي شمالي التكية.
وهذا الشرف كان محلة عظيمةً في عصر السبعماية، بأسواق وجوامع وخانات وبيوت وقصور على الميدان الأخضر، وخربت تلك المحلة في عصر الثمانماية. قال ابن طولون: أدركت أني صليت الجمعة في جامع هناك.
التدخين ممنوع:
وفي يوم الجمعة العاشر، نادى الباشا على التتن لا يشربوه في الأسواق.
مدارس في بعلبك:
وفيه بلغ أن مفتي طوس، وكيل شيخ الإسلام، مرادهم يعمروا ببعلبك أربع مدارس، والآن الحادية.
وبنو متوال مخذولون، والآن تعمر قرى كثيرة كلها سكنتها أهل السنة، وأن ابن الحرفوش، الأمير شديد، طايح الآن في البادية لا يأوي، وله معلوم على فلاحين الشيعة هناك، ومعه نحو الخمسين خيالًا.
حملة ثانية على المدخنين:
وفي يوم الجمعة، فيه طلع الباشا متخفيًا للصالحية وكسروا بعض أقصاب الدخان، وعند الصلاة حضر بالموكب للجامع الأموي.
مذاكرة في الحديث الشريف:
وفي يوم السبت الثامن عشر، كنا عند الشيخ مراد اليزبكي في داره شمالي الحاجبية، أعني جامع الورد، وأما الحاجبية بالصالحية فتسمى المحمدية، وكان عنده الشيخ أبو الصفا بن الوجيه أيوب، شيخ السلطنة العثمانية، وعنده جماعة من دولة الشام. ومع الشيخ أبي الصفا، كتاب الشيخ تقي الدين المكي في الحديث يتأمل فيه، فتذاكروا في حديث ملئ عمار إيمانًا، وفي رواية: عمار ملئ إيمانًا، فذكر الشيخ مراد أن الحكمة من تنويع الروايات تنويع الفائدة.
وفي التوحيد:
ثم جاءت مذاكرة في قول الجنيد: الاشتغال بالحديث ليس من دأب السالكين. فذكر الشيخ مراد كلامًا حسنًا، وهو أن العلم، مقدمة على العلم بالله علمًا، وذكرًا وشهودًا ووجدانًا، وعلم الحديث جزء من تلك المقدمة، والجزء لا يحتاج إليه عند الحصول على الكل.
وفي المعميات:
ثم وردت مذاكرة في المعمى، فقال إنه في اسم هود في قوله تعالى: " ما من دابَّةٍ إلاّ هو آخذ بناصيتها " أراد أخذ الدال من دابة، وهو لطيف.
أقول: ومن ألطف ما وجدت في المعمى، تاريخ أعلم العلماء، مولانا حسين الخافقي في العمل الحسابي، قول بعضهم: انقلب محراب الزهد والديانة والدولة، وهي السعادة عند الفرس، وأراد بانقلابها أن تصير هكذا ٨٨٨ يعني تاريخ وفاته سنة ٨٨٨ هـ.
عرس شامي:
وفي يوم السبت، سابع عشرين ربيع الأول، عمل محمد آغا بن سليمان آغا الترجمان، فرح يحيى آغا بن طالو، الشاب الخالي العذار، صهره زوج ابنته، وتكلف كلفةً بالغةً، ودعوا باشة الشام حسن باشا، وقدموا له تقدمةً عظيمةً مكلفةً ما يساوي ثلثماية غرش، وأعطى الجاويشية عشرين غرشًا، والمدخل كل واحد ثلاث غروش، وكانوا سبعة أيضًا، وللمشعلية نحو العشرة غروش، والعشية نحو العشرين، والشعالين نحو خمسة، والموالدية نحو خمسة، وعشية للرجال، وعشية للنساء، ومكث الفرح سبعة أيام، والضيافة: واحدة الظهر، والثانية العصر.
ترتيب المدعوين:
وفي أول يوم الفرح، كان الباشا وقاضي الشام، وفي ثاني يوم الموالي وجماعاتهم وبقية القضاة والكتاب، ثالث يوم، الشيخ مراد وسادات الصوفية أصحاب الطرقات وجماعتهم وصلحاء العلماء، ثم وجاق الزعماء، ثم وجاق الينكجرية، ثم دولة القلعة كآغة القبول وآغة القلعة، وبقية الأيام تجار وبقية الناس، وتكلفوا كلفةً باذخةً.
ترجمة صالح بن صدقة:
1 / 5
وهذا، يحيى آغا بن خليل آغا بن طالو، ابن الذي قتل سنة قتل الآغاوات بدمشق، سنة ١١٠٣هـ، والقصة مشهورة، وكان السبب، قتلهم لصالح آغا بن صدقة من متقاعدي دمشق، وكان أنشأ خيرات وعمر مسجدًا بخطبة شرقي داره، وأوقف له أوقافًا، ورتب فيه أجزاء ومؤذنين، وعمر جسر ثورا وقنيًا كثيرةً، وبلط مواضع ورتب خيرات، وكان يرسل مبرات إلى أربابها، وأدركته: كان أشقر أبيض الرأس واللحية، فيه بعض حول، وأمواله كانت لا تحصى، فقوي الحسد عليه مع ما فيه من الخيرات والمبرات.
وكان له حسن تدبير ورأي حسن، وكلمته نافذة في سائر البلاد، وحتى إلى مصر والروم إلى غير ذلك، ثم خنقه قول دمشق ظلمًا وحسدًا ليظفر بالشهادة، وذلك في يوم سنة ١١٠٠، وصلي عليه بجامعه وغسل فيه لأنهم ختموا داره، حتى أخرجوا نساءه منها، ودفن غربي بلال بن حمامه، ﵁.
نهب أمواله:
ونهب ماله وذخائره، وأجروا في ذلك دعاوي عليه افتراءً لا أصل لها، رغبةً في المال، لدى أبي الصفا أفندي بن أيوب، وكان نائبًا بمحكمة الباب، ولم يبق لورثته شيئًا سوى أملاكه وأوقافه، وبلغت أمواله من تركته ألف كيس توزعوها: هذا يدعي أن له عنده ألف، وهذا خمسماية وهذا ثلثماية وهذا ماية، كل على قدر قوته، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ثم بعد مدة ورد الكرجي محمد باشا كافلًا بدمشق، ومعه فرمانات بقتل زربا دمشق، وكان من قبله يرد معه ذلك، ويأخذ من الوجاق مالًا ويترك الفرمان. لكن هذا وصي على ذلك وأُكد عليه.
أسماؤهم:
وكان الزربا آغاوات الشام زاد غرورهم وقوتهم وشأنهم، ورئيسهم كور إبراهيم آغا ومن معه، وكان من رؤسائهم ومتقاعديهم هذا خليل آغا ابن طالو، كذلك مصطفى آغا بن كيوان، وإسماعيل آغا بن كيوان، وقاسم آغا بن كيوان، وسليمان آغا ترجمان، ومحمد آغا بن الترجمان، وجعفر آغا، ومحمد آغا، آغة النيكجرية، ونعمتي جعفر آغا، وعمر آغا الرومي، والكيخية ابن سالم خاير، إلى غير ذلك من أعيان الوجاق.
الباشا يداهنهم:
ثم إن الباشا أرسل يتلاقاهم بالمودة، وكان الواسطة في ذلك محمد آغا ابن عبدي، من أهالي دمشق، وشكر لهم حسن حاله، وأنه يعطيهم الخط الشريف، ويعرض لهم بالعفو، فدخل في ذهنهم كلامه، وأنهم يدخلوا السرايا، ولا بأس عليهم.
فاجتمعوا، فذهب للسرايا منهم جماعة، كآغة الينكجرية محمد القشجي، ومصطفى آغا كيوان، وخليل آغا بن طالو، وبقيت البقية، ودخل مع هؤلاء غير المذكورين في الخط الشريف، وكان سبقهم ابن عبدي وقال: تعالوا هناك وأخرج أنا وأنتم، فلما رآهم دخلوا السرايا ورآهم الباشا من بعيد، قام ابن عبدي وذهب، وهم ما رأوا على أنفسهم الرجوع، فجلسوا فأسقاهم الشربات وأكرمهم، ثم أمر الديوان أفندي بقراءة الخط الشريف، وفيه أسماؤهم وبياض، فما تم الكلام إلا ومسكوا.
مقتلهم
وأول ما قتلوا موسى آغا ترجمان، وكان شابًا لطيفًا كاملًا، لم يكن مذكورًا في الخط الشريف، فذبح عند النحر، ثم قتلوا البقية وألقوهم خارج السرايا جثثًا بلا رؤوس، وذلك يوم الجمعة ٢٧ رمضان سنة ثلاث وماية وألف، وكانوا بعد جلوسهم سكروا السرايا، فلما أخرجوهم نادوا بالأمان والاطمئنان، وأُمر بقية الآغاوات بالخروج وأن لا أحد يتعرضهم.
وهرب محمد آغا وإسماعيل آغا الكيواني إلى بلاد الدروز عند الأمير أحمد ابن معن، وأرسل الباشا للحوق بهم عسكرًا، فلم يظفروا بهم.
ثم بعد أيام، رفع للقلعة سليمان آغا بن الترجمان، وخنق بقلعة دمشق، وأُرسل رأسه هو والجماعة للروم، ثم نعمتي ثم جعفر آغا ثم عمر آغا الرومي ثم الكيخية، وكل ذلك أصله بسبب دم صالح آغا، وآخرهم قتلًا البلكي التركماني محمد باشا، وكان هو الباش جاويش في كل سنة في الحج الشريف.
الشعراء يرثونهم
وفيهم يقول الشاعر:
نفذ القضاء فلا مردّ لحكمه ... في قتل أربعة بهم فرط الفرط
فثلاثةٌ أسقط بلا بدلٍ وفي ... موسى إذا أرّحته: بدل الغلط
وقال آخر:
لمّا سقى ساقي الحمام شرابه ... أمراء جلّق بالكؤوس المترعة
نزل القضاء بمصطفى ومحمّدٍ ... وخليل مع موسى القتيل مبمضيعه
أسماؤهم تاريخهم لكنّه ... لم يظهر الا بعد قتل الأربعة
وقال آخر:
1 / 6
لهفي على جلّق الهيفاء قد طرقت ... بغادرٍ صير الأحياء أمواتا
" تلا إذا زُلزلتْ " في ربعها وتلا ... بشمل أجنادها أرّخت أشتاتا
وفي يوم السبت أصبحت دمشق كقول الشاعر:
فأصبح بطن مكّة مقشعّرًا ... كأنّ الأرض ليس بها هشام
وقول الآخر:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا ... أنيسٌ ولم يسمر بمكّة سامر
وعلى كل حال، كان لهم كلمة ومهابة كلية، كل رجل منهم قد وزير أعظم، والباشا الذي يرد كأنه من بعض جماعتهم، إلى أن انتهى أمرهم، فسبحان من لا تغيره المنون، ولا يصفه الواصفون.
وكان لهم قوة بالغة في تجييش الجيوش الأُلوف، وكلمتهم مسموعة في البحر والبر وأطراف البلاد، وورقتهم إلى أي بلدة أو مدينة نافذة أمر من الخط الشريف، يعني من باب المبالغة، حتى من له قضية صعبة في بلد، يجيء للشام لهمتهم وقوتهم.
ربيع الثاني، لم يقع فيه ما يؤرخ.
الأمين المحبي
جمادى الأولى في أوائله، يوم الخميس، توفي إلى رحمة الله أمين جلبي المحبي صاحب النفحة، والتاريخ المشهور، والمضاف والمنسوب، وصلي عليه بالجامع، ودفن بتربة باب الفراديس الشرقية.
وكان عالمًا أديبًا متفننًا منشئًا، قرأ النحو والمنطق والأصول، وأتقن فنون الأدب والنظم، وشعره في غاية الرقة والجودة والحسن، وكان لطيف الهيئة جدًا، نحيفًا، كامل الخلقة، أدركته أبيض الرأس واللحية، معظم الملبس والهيئة، حسن النضارة متواضعًا، حليمًا ظريفًا في شكله وهيئته، لم ير مثله. وتأسف الناس عليه، ورثاه كثير من أفاضل دمشق بقصائد طنانة، وكان انتهى إليه فن الأدب والشعر والتاريخ، ألف كتبًا حسانًا، وأتقن بها كل الإتقان، أخذ عن الفتال والعلاء الحصكفي، والشيخ إسماعيل أفندي النابلسي، وأخذ الطريقة الخلوتية عن غوث زمانه السيد محمد العباسي الصالحي الحنبلي الخلوتي، وترجمه في تاريخه وأتقن، ﵀ وعفا عنه، آمين.
جمادى الثانية لم يقع ما يؤرخ.
رجب ورد للحج حجاج أروام.
باشة الحج
شعبان ورد حجاج كثيرون وعلماء وصوفية وتجار وآغوات، وكان أمير الحج المتعين محمد باشا الرومي الشهير بمحمد أفندي، أصله من الأفندية من العلماء، ومنع كبار دولة دمشق من المقارشة معه، كإسماعيل آغا بن كيوان، ومحمد آغا ترجمان، الفاضلين عن القتل، ونزل دار محمد آغا بن عبدي شمالي باب الفراديس.
القاضي محمد الشويكي
وفي ثاني عشر شعبان، يوم الأحد بعد العصر توفي القاضي محمد ابن القاضي أحمد الشويكي الصالحي بالصالحية، وهو من كتاب محكمة المدرسة الجوزية، عن غير ولد، وله مملوك، وعنده بعض ثروة، وصلي عليه بالسليمية الظهر يوم الاثنين، ودفن في صفة الدعاء بالسفح قرب القاضي علاء بن المرداوي الحنبلي الصالحي، صاحب كتاب التنقيح، تحت الروضة، ومقابل زاوية وتربة الشيخ الجليل الشيخ عبد الرحمن الداودي، شارح أوراد والده الشيخ أبي بكر الداودي صاحب كتاب أدب المريد والمراد.
أبو بكر الطعام
وفيه توفي الشيخ أبو بكر الطعام، بتشديد العين، نسبةً لبيع الطعم. أخذ في نهايته الطريق الخلوتي عن عيسى الخلوتي الصالحي، واشتغل بالتعبد والأوراد التي تلقنها عن أستاذه، وواظب قيام الليل والتهجد وورد الوسائل والصبح في نفسه، أو مع جماعة الأستاذ وقت الاجتماع، ثم انقطع بالحاجبية، وحج نحو ثلاث مرات. وغسل بالحاجبية، وصلي عليه بالجامع المظفري، ودفن بالسفح، شمالي الداودية، عفي عنه، آمين.
رمضان: لم يقع ما يؤرخ.
آخر شوال: طلع المحمل والباشا.
ذو القعدة: لم يقع فيه ما يؤرخ.
القاضي الجديد
ذو الحجة: فيه عزل جوي زاده، ودخل قاضي الشام سيف الدين إبراهيم أفندي آخر الشهر، وأول السنة.
محرم الحرام سنة ١١١٢
١٨ - ٦ - ١٧٠٠م
الحكومة
وسلطان مملكة العرب والروم وبعض العجم السلطان مصطفى بن السلطان محمد بن عثمان، وكافل دمشق حسن باشا، وقاضي الشام، السيد سيف الدين إبراهيم أفندي، والمفتي إسماعيل أفندي، وأمير الحج محمد باشا الأفندي الرومي، بالحج الشريف.
وفي يوم الخميس، ورد صاحبنا الأعز عمر آغا بن الناشف من الروم، من قبرس، في البحر.
حكاية يوسف أفندي
1 / 7
وفي أوايله حضرنا مع نقيب الأشراف إبراهيم أفندي بن حمزة، ويوسف أفندي قاضي قبرص، بقصر سنان آغا بالصالحية، بحكر الأمير المقدم، وكان ليوسف أفندي أربعون سنةً مفارقًا دمشق، وأصله من طلبة العلم والتصوف، تعانى التجارة مدةً بدمشق، ثم أخذته المقادير إلى الروم، فتعرف بها بآغة البنات بزي جماعة سرايا فرقاه في المناصب والملازمات حتى صار من موالي الروم، وتولى قضاء بير الأغراض وبرصا وقبرس، وقيل أُعطيها سركنةً والله أعلم.
فتوجه بعد فراغ منصبه لدمشق وأبقى ولده في بقية المدة، ونزل دارًا حسنةً بدمشق في وقف بني الأسطواني، نواحي الخضراء.
الطريقة الخلوتية
أخذ في بدايته طريق الخلوتي عن السيد محمد العباسي الخلوتي، قطب زمانه، وصحب الوالد مدةً، ولما ورد سأل عني وأرسل إلي متوددًا، لمحبته في الوالد، مع شيخنا الشيخ العالم العلامة عبد الرحمن السلمي النحوي، وكان أخاه في طريق السيد محمد العباسي.
وحكى رحمه الله تعالى، أن شيخه دعا له في رؤيا رآها وبشره فيها. قال: لما توفي شيخنا السيد محمد العباسي، وقام بالأمر بعده شيخنا الشيخ عيسى الخلوتي سنة ١٠٧٤، وذلك يوم السبت في ربيع سنة ١٠٧٤، ودفناه في الدحداح، نمت تلك الليلة كئيبًا حزينًا لا أدري كيف أتوجه، فرأيت أني داخل التربة، وإذا بالقبر مفتوح، والشيخ جالس على ركبه، واضع يديه على ركبتيه معتمدًا عليهما، قال: وكان هذا دأبه.
فقال: يوسف بحذف حرف النداء أخذت على عيسى؟ خذ على عيسى فإني خلفته، فاستيقظت، وكان وقت آخر الليل، فقمت وتوضأت وذهبت إلى عند شيخنا الشيخ عيسى للمدرسة السميساطية، فرأيت ضوءه مشعولًا، فطلعت إلى خلوته بها، فرأيته يصلي التهجد، فوقفت إلى أن فرغ وسلم، فقال لي: لولا أرسلك السيد محمد العباسي ما جئت، اجلس، فجلست فبايعته.
ثم في الليلة الثانية رأيتني داخلًا إلى التربة، وإذا بقبر الشيخ مفتوح، والشيخ جالس على الهيئة التي سبق ذكرها، فقال: يوسف بحذف حرف النداء أخذت على عيسى؟ قلت نعم يا سيدي، فقال: أسعدك الله.
حكايته في الروم
فأخذتني الأقدار إلى الروم، ولما وصلت إلى الروم جلست في خلوة في بعض المدارس، غريبًا فقيرًا، لا أحد يلتفت إلي مدة أربعة أشهر. فبينما أنا في بعض الأيام، وإذا بعبد أسود مكلف يقول: أين يوسف أفندي؟ فلم أرد، ظننت أنه يطلب أحدًا من الأروام، فلم أرد ولم أخرج إليه.
فقال لهم: يوسف أفندي الشامي، الذي جاء من الشام منذ أيام، فأشاروا إلي، ففتحت له فقال: قم كلم الآغا. فقمت معه إلى أن وصلنا إلى داره، فلما دخلت عليه قام واعتنقني وسلم علي سلام مودة بالغة، ولم يكن سبق لي صحبة معه ولا اجتماع. فأمرني بأني أُجعل خجا لأولاد خزنته فامتثلت، وأمر بأسبابي التي بالمدرسة أن يأتوني بها إلى مكانه الذي أنا فيه، وفرش أوضةً حسنةً بداره وخادمًا، إلى غير ذلك من البر والإحسان والعلوفة مما لا يحصى، إلى أن ترقيت إلى المدارس إلى القضاء، وكل ذلك ببركة سيدي السيد محمد العباسي ودعاءه الذي دعاه.
وفيه كانت الخلوة البردبكية بدمشق وذلك في محرم سنة ١١١٢، وكانت الخلوة تحكم في ذي الحجة في سنة إحدى عشرة، في ذي الحجة قبل محرم، فلذا لم تذكر في سنة إحدى عشرة، والله أعلم.
يوسف الحنفي
وفي آخره توفي يوسف أفندي بالإسهال، وصلى عليه الشيخ عثمان القطان، ودفن في البقعة المقابلة لشباك الشيخ أرسلان، وذلك يوم الاثنين في المحرم من السنة المذكورة، عفي عنه آمين.
كارثة الحج
1 / 8
صفر: أوله ورد نجاب من الحج، يخبر عن الحج، ومعه مكاتيب ينبغي أن لا تحكى، لما صار في الحج بمنزلة هدية من المهانة. والذي كان قدام لم يشعر بما صار في الآخر، وفقد خلق كثير من الحجاج والأزلام، وأخذوا المحمل والسنجق وحريم الناس، وأُخذ صوان الباشا وحريم، واستفك الحريم والصوان بمال مقدار أكياس، وغالب التجار جاءهم القواس، والذي سلم من القتل مشى، ومن عجز عن المشي تورمت رجلاه فهلك جوعًا وعطشًا. وأخذوا للسقا باشي ثلاثين حملًا تفاريق. وأما الجمال والأموال والأحمال فلا تحصى، إلى أن وصلوا إلى العلا، أراد العرب يكملوا عليهم في العلا، ويأخذوا الحج كله بأحماله وقتل رجاله، فإذا هم بمحمد باشا كيخية حسن باشا، وابن المطرجي وباشة الجردة بنحو عشرين بيرقًا، وهي التي كانت مع الجردة، وفاتوا عنها بيوم، فحموا بقية المشاة وسلم. وشلح من له في عسكر الجردة ثوبين، يلبس واحدًا ويلبسوا العراة من نساء ورجال ثوبًا واحدًا، لأن حريم الباشا تعروا وفكهم بعدهم.
الجردة تدرك الحجاج
وفي يوم النهبة صار بدمشق ظلمة عظيمة حتى ظهر نجم في السما وقت الظهر. وقتل بالرصاص رجل يسمى الشيخ إبراهيم الحافظ: قاتل العرب مع المقاتلين فجاءه رصاص قتله.
قيل إن العرب كانت أربعة ألف بارودة، وأن الشريف أربعماية فرخ، ما تحملوا العرب ساعة حتى راحوا على السيف. وبقي الشريف، وأصاب الرصاص فرسه قتلها. ولما رأت العرب الكواخي والبيارق وعلموا بها قبل العلا ترفعوا بعدما فعلوا ذلك، لم يعلم لهم خبر. وكان مرادهم يفنوا الحج كله، ويأخذوا ما معه.
الشيخ يوسف الحنفي
وفي يوم الاثنين عشرين في صفر، توفي يوسف أفندي، قاضي قبرص المذكور سابقًا، وصلي عليه بالجامع الظهر، وصلى شيخنا العلامة الشيخ عثمان القطان، ودفن بتربة الشيخ أرسلان في الصفة المقابلة للشباك.
دخول المحمل
وفيه في آخر صفر، دخل الحج والمحمل ومحمد باشا أفندي، بعدما قاسوا من المهالك ما لا يوصف. فمكث الناس ثلاثة أيام من غير الماء لحيلولة العرب بينهم وبينه، فهلك خلق كثير من العطش، ولا قوة إلا بالله.
حبس أمير الحج
ربيع الأول، في أوله حبس الباشا أمير الحج محمد باشا أفندي بقلعة دمشق، وذلك في يوم الاثنين.
وقيل إن رأس هؤلاء العرب الذين طلعوا بهدية، رجل يقال له الدبيس من أرض العلا.
وفيه كان سفر آخر الحج الرومي، كأمين الصر ونحوه.
ربيع الثاني، وجمادى الأولى، لم يقع ما يؤرخ.
حسن باشا أميرًا للحج
جمادى الثاني، ورد الأمر الشريف بأمرية الحج لباشة الشام حسن باشا، وأرسلوا له تقويةً بأكياس. وأخذ نحو الألفين من الجمال، وأربعة آلاف قربة، غير بيارق كثيرة. وجمع الزعماء والدولة. وأخذ ذخيرةً لا تحصى.
وصهرًا للسلطان
وفي رجب عقد نكاحه على أُخت السلطان مصطفى، وأرسل شيئًا كثيرًا إلى الروم من التحف والخيل ونحو ذلك.
وفيه ورد صاحبنا إسماعيل آغا بن الخطاب بتولية السليمية.
وعلي آغا بن دلاور آغا بالسليمانية وبالعوارض والخراج، ودخل تحت أكياس.
مقتل الشيخ زين العرودكي
وفي يوم الخميس الخامس من شعبان، دخل الشيخ عبد الرحيم العرودكي، خادم الشيخ أبي بكر العرودك بالصالحية، على أخيه الشيخ زين ذي المئزر، فرآه مسكرًا عليه الباب، ففتحه فإذا أخوه مذبوح مغطى باللحاف، وكان عند زين هذا بعض نزوة، وكان عزبًا في دار وحده يعاشر العتورة والفساق، وكان متهمًا ببعض الأمور، سامحه الله، وغسل بعد المغرب، ودفن بالجبل، ولم يعلم قاتله بعد، ورمي على حارة الشيخ عرودك مال.
الخواجا عمر السفرجلاني
وفي يوم الخميس الثاني والعشرين من شعبان، توفي الخواجا عمر السفرجلاني، عن أربع وعشرين ولدًا، ذكورًا وإناثًا، وصلي عليه بالأموي، وحضر الباشا للجامع، والقاضي وأعيان البلد، ولم يتخلف أحد من أهل دمشق، وكانت جنازته حافلة، ودفن بالباب الصغير.
وكان يحب الخيرات ويكثر منها وعمر كم مساجد، وعمر مسجدًا كبيرًا له مئذنة، وله أوقاف ومبرات لا تحصى، وطرقات وقني، وله تعابين في الشهري والسنوي واليومي ما لا يحصى، ولم يكن في زماننا مثله في الخير، كان متواضعًا حليمًا وقورًا.
1 / 9
وفيه ورد من الروم ابن شيخ الإسلام، مفتي السلطنة، قاضيًا بمكة. وخرج للقائه الأكابر والأعيان، وجاء ناحية الصالحية ومر على تحت القلعة والباشا على يساره، وهو شريف، وخدمه أسعد أفندي خدمةً عظيمةً.
رمضان، ورد الحج، نحو أكراد وداغستان، لكن الحج أقل من العام الماضي.
مرض الباشا
شوال: في أوائله، تمرض الباشا بالحميرا ودموية.
وفيه حبس الباشا الرزنامجي محمد أفندي، ورفعه للقلعة، لكونه سكر، وذهب كسر باب كاتب الديوان من أجل غلام كان يحبه، فأخذه منه، فحمل إلى الباشا سكرانًا. فأرسل الباشا خلف نائب الباب، عبد الرحمن أفندي الحلبي المتولي جديدًا في الشهر المذكور، فأقام عليه الحد، ثم أرسله للقلعة، وهذا الرزنامجي يحب الأولاد والشراب، ولا قوة إلا بالله.
أحمد الخلوتي
وفي الأربعاء، سابع الشوال، صلي حاضرةً على الشيخ الفقيه الشيخ أحمد بن الشيخ جمعة الشافعي الخلوتي، وصلي عليه بجامع التوبة ودفن بالدحداح.
وفي الشهر المذكور، كان تمام مدة السيد سيف الدين أفندي، وسافر في هذا الشهر إلى الروم.
خروج المحمل ١٥ شوال
وفي أحد عشر فيه، أُفرج عن الرزنا مجي على مال وفي يوم الاثنين خامس عشر الشهر طلع المحمل والباشا وفي السبت ثالث عشرين شوال دخل الحلبي.
عبد الله العجلوني
وفيه دخل باشة أدرنة للقدس ومعه نحو الألف خيال.
وفي ثالث عشرينه أيضًا توفي العلامة زين الدين عبد الله العجلوني، وصلي عليه بالأموي، ودفن بالباب الصغير قرب بلال.
حمام الذهبية
وفيه تمت عمارة حمام الذهبية، وهي كانت أطباق فوق أطباق للذهبية وطواقي النساء، ثم بطلت الطواقي زمان إسماعيل باشا بدمشق سنة ١١٠٧، بإشارة الشيخ أبي المواهب الحنبلي المفتي، وجعلوا موضع تلك الطباق والأماكن التي تخربت وانتركت من تلك الحرفة وهدوها حمامًا مليحًا للجامع، وهو حمام كبير من الغايات، وهو بدرجين مطل على جيرون والنوفرة، وتكلف الحمام كثيرًا، وعمل في مقابله حوانيت، وفتح في عيد رمضان.
حماما السلسلة
وانتهى تجديد حمام السلسلة الصغير ووسع، وكان صغيرًا جدًا، قبل انتهاء هذا بسنة، ووسع أُوضةً زايدةً في حمام السلسلة الكبير بتولية متولي المدرسة، الشيخ عبد الرحمن أفندي المنيني.
والسلسلة الصغير لبني الغزي، والكبير نصفه للسميساطية، والباقي لأربابه، والذهبية كله للجامع.
يوم الثلاثاء رابع ذي القعدة، وردت المزيربتية وأُخبرت عن الحج أنه بخير
داود الترجمان
وفي يوم الجمعة، رابع عشر ذي القعدة، دخل داود، ترجمان القاضي الكبير بالشام، حمام الذهبية، فمات عندما خرج، فغسل فيه، وصلي عليه بالجامع، ودفن بالباب الصغير.
دخول القاضي الجديد
وفيه دخل قاضي الشام إبراهيم أفندي، خجاة السلطان محمد بن عثمان، وذلك يوم الخميس، آخر الشهر من ذي القعدة، وجاء يوم الجمعة وصلى بالجامع.
وفيه خطب بالجامع صهر المفتي الشيخ إبراهيم بن الشيخ محمد أفندي الشامي، لتمرض المفتي الشيخ إسماعيل أفندي، ولتمرض نائبه مدة مرضه، وهو مصطفى جلبي الأُسطواني.
الباشا يرفض دفع الصر
وفي الجمعة، وردت أخبار العلا وأن الديبس تطلب الصرة من حسن باشا فلم يعطه وقال: ما عندي إلا السيف وكلمه في ذلك أكابر دولة الشام، كإسماعيل آغا الكيواني، وكان معه في الحج، وغيره من الأعيان ليعطي، خوفًا على الحج في الرجعة، وحذروه من العرب، فلم يمكن أن يرجع إلى كلامهم، فتركوا الأمر، ولا قوة إلا بالله.
محرم الحرام سنة ١١١٣
٧ - ٦ - ١٧٠١ أمير المؤمنين
الحكومة
وأول محرمها الثلاثاء، وسلطان مملكة العرب والروم وبعض العجم السلطان مصطفى بن محمد خان، بن عثمان، وباشة الشام حسن باشا بالحج الشريف، والمفتي أبو الفدا إسماعيل أفندي ابن الحايك، والمدرسون على حالهم، والقاضي الكبير إبراهيم أفندي، خجاة السلطان، وكان من العلماء الأجلاء، يحفظ القرآن والشاطبية والألفية وشواهد النحو، مما لا يحصى من الأشعار والفنون.
إلزام المدرسين بالدوام
وفي مدته حرج على المدرسين في مباشرة الدروس في مدارسهم، وصارت المباشرة ولله الحمد
1 / 10
فباشر المدرسة الجقمقية مولانا أسعد أفندي، والبلخية مولانا محمد أفندي القاري، والظاهرية، مولانا عبد الرحمن أفندي القاري في الدرر والغرر، والكمال الشيخ يونس المصري بالتقوية، وفي السليمانية مدرسها مولانا علي أفندي العمادي، والنورية مدرسها عبد الرحمن أفندي بن أحمد أفندي، مفتي الشام سابقًا، والمفتي الجديد إسماعيل أفندي بالشبلية بالصالحية، وكانت وردت له الفتوى سنة ١١٠٨ هـ، وغيرهم في بقية المدارس.
كارثة الحج سنة ١١١٣ هـ
صفر في الخامس عشر فيه، وردت الأخبار بنهبة الحج من الدبيس في الرجعة عند أبيار الغنم، قرب العلا بأربع ساعات، بعد أن طلع طليعة بخمسماية فارس، فطلبوا الصرة، فقال الباشا: لا أعطي، ما عندي إلا السيف.
سقوط القافلة بيد الدبيس
وكان الباشا لما طلع للحج جيش جيشًا عظيمًا، حتى لما دخل مكة ظنوا أنه السلطان، فاغتر في ذلك، فلما أيسوا من أخذ الصرة توجهوا للقتال، فكر العرب على عسكر الباشا وأخذوهم وشلحوا الأزلام وقتلوهم عن آخرهم، ومسكوا الحج، فكان على الجمل الواحد نحو الخمسة من العرب، فصار الحج مأسورًا إلى جهة الدبيس نحو غرب العلا، لا نحو الشام، بالخيام والصواوين والقضاة والكبراء، وأخذوا الحريم الذي في الحج كله، ومن شذ من الحجاج شلحوه أيضًا، أو قتلوه، فهفي أكثر الناس في الأرمان، وماتوا جوعًا وعطشًا، وأُخذ المحمل والصنجق، ووصل للعلا شرذمة قليلة من الناس، وبعض نساء عجايز عراة، ليس عليهم ساترة، وبقي الحج والجمال وأكثر الناس كالعرضى للدبيس، والنساء مأسورات، وغيرهن من الرجال والأولاد، والطفل يرموه، والعجوز يشلحوها، ثم يطلقوها.
وهرب الباشا وحده مشلحًا، جلس تحت شجرة في الأرمان خارج العلا، وألقى على الشجرة ثوبًا لأجل الظل.
وأما الدواب، فكانت ترمي نفسها في البير لشدة العطش، وكان الحج تلك السنة كثيرًا، لكن حزر على العرب الذين أخذوا الحج وقاتلوه ونهبوه نحو الخمسين ألفًا.
وجمع الدبيس أموال الحج حتى بقيت الأموال كالبيادر، وأحمال التفاريق والدواب والجمال، مما لا يحصيه إلا الله تعالى.
وكان للباشا في العلا بعض ذخاير، فذهب الباشا ماشيًا إلى عند الدبيس غربي العلا، لفك المحمل والصنجق وقاضي مكة، صهر شيخ الإسلام بالروم، وشفعوا في تخت له وجملين، ورتبوا صرًا لهذا الفكاك.
أحوال الحجاج
ثم من كان مع الجمال من المشاة والركاب أرسلوهم بالزلوط، والنساء أخذوهن. فأخذوا يمشون في البادية لا يدركون كيف الطريق، حتى هلك غالبهم. حتى من مر من هناك يرى الأموات من الرجال والنساء أجواقًا أجواقًا موتى.
ولما ذهب حسن باشا إلى عند الدبيس، قام إليه زيدان، ابن أخيه وضربه على وجهه جرحه، فزجره الدبيس، قاتله الله.
الباشا يفتدي الصنجق والمحمل
ولم يقع أشد من هذه السنة للحج ولا أبلغ، ولا حول ولا قوة إلا بالله. فرجع المحمل والصنجق وقاضي مكة والكل عراة جلس في التخت عاريًا على الدف. ففي ثاني يوم، وصل محمد باشا بن بيرم، فأركب المنقطعين، على كل جمل اثنتين وثلاثة، ووزع أسباب الحجاج والجرداوية على الحجاج، ثم رحلوا بعد هذه المقاساة، فما قطعوا منزلة العلا، إلا توفي قاضي مكة ودفن في الطريق، رحمه الله تعالى.
وفاة قاضي مكة
وكانوا أنزلوه من التخت وعروه، فأخذ يمشي مع كبر سنه إلى أن وصل للعلا، ولعله حصل له من دله على طريق العلا.
دخول الحاج ٢٢ صفر
وفي يوم الأربعاء ثاني عشرين شهر صفر، ورد الحج الشامي في حال غريبة، كلهم مشاة، حتى السقا باشي، وأمين الصرة، وجماعتهم وغيرهم، لأنه ما فضل عن الدبيس ولا دابة ولا جمل، كله راح، لأنهم أخذوا الحج على نحو خمس درج، فإن الحج كان متوجهًا للشام، صار كله نحو الدبيس بجميع ما فيه، والذي يهرب، يترك أحماله وعياله بعده، ولا يفلت منهم أصلًا، ولو ذهب من أي جهة.
ولم يصل لا تخت ولا محارة ولا جمل ولا دابة إلا ما كان للجردة والباشا في العلا استعير له ماعون منها ليطبخ له شيء، وفيوا على رأسه بعباءة، ووصل فقيرًا لا شيء له أصلًا.
وأما التجار فلم يأت معهم الدرهم الفرد، والمقومين لم يبق لهم شيء، ولا ثوب ولا جمل ولا دابة، بل الكل بالزلوط، وما وصل إلا من كان عمره طويل، لأنهم يقتلوا ويشلحوا.
1 / 11
ولم يقدر الباشا يدخل مع المحمل، بل دخل كيخيته محمد باشا، وقاضي الشام، ولكن باشة القدس ابن بيرم، ظفر بجمال للعرب، نحو ثمانين، فأخذها، فاستعان بها على المنقطعين، وبلغه الخبر لما وصل لتبوك، فأسرع للعلا، وكانت النهبة في أبيار الغنم، موضع العام الماضي.
باشة القدس ينجد الحجاج
ولما وصل باشة القدس للعلا، رمى الناس تحت النخل عراةً لا خيام ولا شيء أصلًا، ولا شيئًا من المأكول والعليق، ولا جمال ولا دواب، والباشا تحت شجرة فوقها عباءة، وذخيرة العلا فرقها على الحجاج.
وأردف ابن بيرم جماعته على خيل: اثنين اثنين، والجمال اثنين أو ثلاثة وبالدور، ولولا ابن بيرم وصل العلا، لهلكوا عن آخرهم لعدم الذخيرة ودراهم للشراء.
وتعوق الحج عن عادته اثني عشر يومًا، والعادة أنه في خامس صفر، ولكن تعوقوا حتى خلصوا المحمل.
سفر الباشا
وبعد مدة سافر الباشا وحده، ومعه آغا المفردة، ولم يجعل موكبًا ولا طبلًا ولا زمرًا خوفًا من العامة، وفي الدخول دخل ليلًا ولم يشعر به أحد، ودخل مع المحمل الكيخية فقط.
وحسب مال الحج الحلبي وحده سبعة عشر كيس، وإذا كان كذلك، فما بال الحجوج الباقية، والحلبي لا يجي الربع.
وصار مع العرب من التحف والذخاير والتفاريق وثقل الباشا ونحاسه وخزنته وصوانه والفرش والدواب والفراء المكلفة من السمور ونحوه، مثل التفاريق السلطانية وأموال جميع من في الحج.
والخواجا ابن بيرك الحلبي، كان معه أحمال من الذهب والفضة، نحو مايتي كيس فأكثر، أو خمسماية، لأجل الصرف، وفيه من هو مثله وأمثل، وهذا قدر الصر ألف مرة، وكله من حبس المال وترك الصدقة.
حكاية الصر
وهذا الصر من جملة أوقاف البر، معدود من الصدقة، فلما منعوه، انظر كيف صار، ولو دفعوه لدفع الله عن الحج هذا السوء الذي صار. وكيف حال، من له علوفة أو صدقة أو رزقة وتنقطع! أما يروم القتل عليها ويستسهل إهدار دم نفسه؟ وهؤلاء العرب تنتظر الصر من السنة للسنة، واعتادوا عليه، ولكن المقدور ما منه مهروب. خلق السبب والمسبب، فلم تقدر الصدقة، فلم يقدر الحفظ من أذى هؤلاء.
أحاديث عن فضل الصدقة
قال ﵇: اتقوا النار ولو بشق تمرة. وقال ﵇: الصدقة تدفع ميتة السوء، وصدقة السر تطفئ غضب الرب، رواه الترمذي وغيره.
وعن أبي ذر الغفاري قال: الصلاة عماد الدين، والجهاد سنام العمل، والصدقة شيء عجيب قالها ثلاث مرات.
وسئل عن الصوم فقال قربة فليس به هناك، قيل فأي الصدقة أفضل؟ قال أكثرها، ثم قرأ: " لن تنالوا البّر حتَّى تُنفقُوا ممَّا تحبُّون "، قيل فمن لم يكن عنده ذلك؟ قال: بعفو ما له، يعني يتصدق بفضل ماله. قيل فمن لم يكن عنده مال؟ قال بفضول طعامه. قيل فمن لم يكن عنده ذلك؟ قال يعين، بضم الياء وكسر العين وسكون الياء الثانية. قيل فمن لم يفعل؟ قال يتق النار ولو بشق تمرة. قيل فمن لم يفعل ذلك؟ قال يكف شره عن الناس ولا يظلم أحدًا ذكره السمرقندي.
قلت: والكلمة الطيبة صدقة، وسقي الماء صدقة.
وعنه ﵇: ما من رجل يتصدق بصدقة يومًا وليلةً إلا حفظ من أن يموت من لدغة أو هدمة أو موت بغتة.
وفي حديث أبي هريرة: ما نقص مال من صدقة وعن ابن مسعود: درهم ينفقه أحدكم في الصحة أفضل من مائة يوصي بها.
فضائل الصدقة العشرة
قال بعضهم: في الصدقة عشر خصال محمودة: خمسة في الدنيا، وخمسة في الآخرة أولها تطهير المال كما قال ﵇: إن بيعكم يحضره اللغو والحلف، فشوبوه بالصدقة.
والثاني تطهير البدن، كما قال تعالى: " خُذْ من أموالهم صَدَقَةً تُطهِّرهم وتزكّيهم بها ".
الثالث أن فيها دفع البلايا والأمراض، كما قال ﵇: داووا مرضاكم بالصدقة.
الرابع، فيها إدخال السرور على المساكين، وأفضل الأعمال إدخال السرور على أخيك المسلم.
الخامس أن فيها سعة المال وسعةً في الرزق، كما قال تعالى: " وما تنفقوا من شيءٍ فهو يخلفُهُ وهو خير الرَّازقين ".
وأما التي في الآخرة: أولها أن تكون الصدقة ظلًا لصاحبها في الآخرة من شدة الحر. الثاني أن يكون بها تخفيف الحساب. الثالث أنها تثقل الميزان. الرابع أنها نور على الصراط. الخامس أنها زيادة في الدرجات في الجنة.
دخول أصلان باشا
1 / 12
وفي آخر صفر توجه حسن باشا خفيةً بغير طبل ولا زمر، بغير موكب.
وفي يوم الأربعاء، خامس ربيع الأول، دخل كافل دمشق أصلان باشا اللادقي، وكان كافلًا بترابلس، وأن مال ترابلس الذي عليه يصرفه على الحج، ودخل بموكب حافل من على السنانية.
وفي الجمعة سابع الشهر، صلى الجمعة بالجامع الكبير، وقدامه الريش والإيباشية والجربحية والجاويشية والكواخي، وانكبت الناس عليه للفرجة.
الباشا يسترضي العرب
وفي جمادى الأولى، أرسل طيب خاطر كليب، وأعطاه صرته وسلفةً عن السنة القابلة كم كيس، على أن يتضمن أمر الحاج إلى المدينة، ويتكلم مع الدبيس، شيخ بلاد العلا، وفرق على العرب قماشًا وجوخًا وأكرمهم، وأرسل هدايا وطيب خاطر الكل. وأنه لا يقطع عليه من الصر شيئًا، وعرض له بأمر الصلح للسلطنة، والله يحسن الحال.
الشيخ إسماعيل الحايك
وفي جمادى الأولى، يوم الاثنين، الثالث عشر منه، توفي مولانا العالم العامل العلامة مفتي الإسلام الشيخ إسماعيل أفندي المفتي بدمشق، والخطيب بها، الشهير بابن الحايك. كان علامة وقته في العلوم، وانتهى فقه الإمام الأعظم إليه. وتوفي بمرض الاستسقاء، وصلي عليه الظهر بجامع المصلى، ودفن شرقي أُويس، ﵁، آمين، وتولى الخطبة مصطفى جلبي الأسطواني، والفتوى بعد لم تأت من الروم.
منصور الدرزي في دمشق
وفي جمادى الثاني، جاء الأمير منصور الدرزي مع باشة الشام، وهو الذي كان تزوج الامرأة بلا عقد نكاح، وتقدم ليواجه به الأكابر، ونزل دار مرتضى باشا قبلي الشالق، وشمالي جامع البغا. وعمله الكافل آيا باشيًا وصنجقًا على وادي التيم، وصار يأتي إلى عنده الأكابر، وفتح بابه.
غرامياته في صفد
وكان منصور الدرزي يحب النساء، حتى نزل على بنت بصفد، في بيت أبيها، فكتفه وفتح البنت. وكان بلغ أهالي دمشق أموره، حتى أرادوا يجيشوا عليه عسكرًا كثيفًا. ثم إنه في دمشق، أراد أن يتصرف فيها وتم على ما هو عليه من الفحش، خصوصًا وأن كلمته نافذة عند أصلان باشا، وصار الناس تروح وتجيء إلى عنده وبعض الأكابر الذين انتفعوا به.
حكايته مع المرأة الدمشقية
وصار يطلب نساءً، كلما سمع بامرأة يطلبها خفيةً، حتى إنه سمع بامرأة بالميدان حسناء، فراح إلى عندها، ومعه من جماعته اثنان. فبينما هو في دارها، وإذا برجل من تركمان الحقلة ينكجري، دخل عليه ومعه دبوس وقال: ما تعمل هنا؟، فارتبك منه وفزع فزعًا شديدًا، ثم قوى نفسه وقام إليه منصور. فلما قام إلى الينكجري ضربه بالدبوس على رأسه أرماه إلى الأرض، وإذا بنحو من عشرين حقلجيًا دخلوا إليه مسكوه وفعلوا معه الفاحشة، ثم عرضوا عليه القتل فاستغاث، فقالوا: الذي يتخطى حريم المسلمين له أكثر من ذلك، ثم إنهم أطلقوه وأخذوا ما معه وشلحوه. فخرج من بينهم حافيًا بقنباز وقميص، وأخذوا الباقي.
وصار هذا الخبر مع النساء والأولاد وعملوا فيه الغناني، والمغنون تقولها، وتم ذلك أكثر من شهر.
ثم خرج إلى بلاد الدروز بلاده، وقيل إن المرأة لم يكن بها شيء، وخذل الله الملعون على يد التركمان الحقلجية، ولله الحمد.
حكايات أخرى عنه
وهذا بعد أن صيره أصلان جربجيًا بريشة، ثم صار صنجق وادي التيم، وكان مراده أن يتهجم على نساء الأكابر وينزل على البيوت بجماعته، كما كان فسد في صفد، لأنه كان بها، كلما سمع ببنت حسناء أو امرأة كذلك، جاء إليها ليلًا ومعه كم بارودة مع جماعته ويكتف أهلها من نساء ورجال، وكل من زعق قتله، ويرسل كيخيته حتى لا يطلع عليه أحد، ويصيح ويقول: ما رحت ولا جيت، ولكن " كفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويًَّا عزيزًا "
الشيخ محمد القطان
ثالث جمادى الثانية. في السنة المذكورة، سنة ١١١٣ توفي الرجل الصالح الشيخ محمد القطان الفاضل الفقيه النحوي الشافعي الخلوتي بالصالحية، وصلي عليه بالخاتونية، ودفن بالسفح.
قرأ في بدايته على الشمس بن بلبان، وحفظ القرآن، وأخذ عنه عيسى الخلوتي، وكان صالحًا ورعًا متعبدًا ناسكًا لا يقطع قيام الليل، وكان يتحرف بالقطن، ويأكل من كسبه.
رجب لم يقع فيه ما يؤرخ.
الشيخ عمر التغلبي
1 / 13
وفي شعبان، أوله، توفي بالصالحية الشيخ عمر بن الشيخ رسلان التغلبي عن نحو سبعين سنة، ودفن عند العجمية بقاسيون، وهو من ذرية الأولياء وأرباب الأحوال، وأخرجوا معه الأعلام، بفتح الهمزة.
تعيينات
وفيه وردت الفتوى للشيخ أبي الصفا بن أيوب، وخطبة الجامع لمصطفى جلبي الأسطواني، مدرس الجوهرية، بعد إسماعيل أفندي المحاسني. وافتى في مدة شغور الفتوى، إلى حين الجواب من الروم، مولانا الشيخ عبد الغني أفندي النابلسي.
شهر رمضان: ورد حجاج من الروم من كل فج.
شوال: كان العيد الاثنين.
القافلة
وفي حادي عشره طلع الحج، والمتعين عليه الأمير كافل دمشق أصلان، باشة الشام.
محمد باشا
وفيه بلغنا أن محمد باشا، كيخية حسن باشا، قتله السلطان، لأنه كان ضمن أمر الحج لحسن باشا المنهوب، وأعطى حسن باشا المنهوب قلعةً بعيدةً في أطراف بلاد الروم.
الثلوج تعيق الحجاج
ذو القعدة: وردت في أوله المزيربتية، وأخبروا عن الثلج أنه كان كثيرًا بحيث كاد الحج أن يهلك، حتى اجتمعوا ودعوا واستغاثوا إلى الله سبحانه من شدة الثلج وكثرته نحو عشرة أيام، وصار على الخيام قامات، وراح جمال وخيام في طريق المزيريب.
الشيخ إسماعيل بن بيليك
وتوفي بالدنق إمام الباشا الشيخ إسماعيل بن بيليك، ولم يكن في دمشق أحسن صوتًا منه، وذلك عند الصنمين، ودفن في الطريق والحج ماش ﵀.
الشيخ عبد القادر الدسوقي
ذو الحجة: أوله الأحد، يوم الخميس الخامس، فيه توفي الشيخ الصالح الولي السيد عبد القادر الدسوقي، وصلي عليه بالأموي الظهر، ودفن بالباب الصغير، وكانت جنازته حافلة لم يعهد مثلها من سنين.
مقتل أمير نابلس وابنه
وفي الشهر المذكور قتل الأمير ابن الشافعي النابلسي، من أمراء نابلس وأكابرها.
وفي ثاني عشر، فيه قتل ولده، وأُرسلت رؤوسهما إلى الروم وبقيا كل منهما عند باب السرايا ثلاثة أيام.
طرد ابن القواس من نابلس
وفيه لم يتم لابن القواس أمر نابلس، وجيشوا عليه.
وفيه ورد قبلان لدمشق، وسافر لنابلس، وعمل صلحًا بينهم وبين ابن القواس ليدخل إليها، لأنه أُعطي كفالتها، ولم يمكنوه منها لما صار منه في المرة الأولى، فإنه عاد وفسد وخرب دور بعض أكابرها، وقتل رجلًا شريفًا صالحًا، وفحش في تلك الديار ما لا مزيد عليه. وكان في زعمه أن ذلك أخذ ثأر للباشا الذي قتلوه في السنة التي قبل سنة.
ثم أراد قبلان حين وصل، الصلح، فلم يمكن، فعاد ابن القواس ترك الأمر، وعاد إلى دمشق لداره، ثم بعد أيام ورد لها كافل من الروم ولم يتعرضوا له بشيء.
الشيخ معتوق
وفي ثامن عشر ذي الحجة، توفي الرجل الصالح الشيخ معتوق في الصالحية من مجاوري العمرية بالطاعون، وغسل بها وصلي عليه بجامع الحنابلة، ودفن بالروضة، فوق صفة الدعاء.
محرم الحرام سنة ١١١٤
محرم الحرام سنة أربع عشرة وماية وألف
٢٨ - ٥ - ١٧٠٢ أمير المؤمنين
الحكومة
وسلطان ممالك الروم، وبعض ممالك العرب وبعض ممالك العجم مصطفى خان بن محمد خان بن عثمان. والوزير بدمشق أصلان باشا اللادقي. وقاضي الشام إبراهيم أفندي، خجاة السلطان محمد. والمفتي بدمشق مولانا أبو الصفا أفندي. والمدرسون على أحوالهم.
في عاشره، عزل قاضي الشام، وتولى نيابة الباب عبد الرحمن أفندي الحلبي.
نجم طويل
وفيه طلع نجم طويل بذنب، كان أوله عند الربوة من نجمة صغيرة، إلى مادنة الجامع الكائن بالأبارين، ثم اختفى بعد أيام.
وفي تاسع عشر محرم، دخل الحج وأصلان باشا والمحمل، ولم يعرض شر، وأما الدبيس فصالحه الباشا وأرضاه، وذلك يوم الجمعة.
مقتل أزعر
وفيه أن شخصًا كان يحب إنسانًا، فوداه في تربة باب الصغير فقتله، فمسكوه وجيء به للحاكم. فأرسل إلى عمه الحاج حسين آغا، خادم نبي الله يحيى ﵇، فقالوا: هذا قاتل ابن أخيك، وقد أقر بالقتل، وهذه الشهود، فقال أنتم في حل من قتله، هذا مستاهل القتل من زمان، وذكر مساويه، فعاد الحاكم أخرج القاتل وأطلقه.
صفر: لم يقع ما يؤرخ فيه.
دخول القاضي الجديد ووفاته
1 / 14
وفي ربيع الأول، في أوله، ورد قاضي الشام الجديد مصطفى أفندي الرومي من الروم، ولم يصل الجمعة إلا مرةً واحدةً، وذلك جمعة دخوله، ثم تمرض بالإسهال والدم نحو عشرة أيام، ففي يوم الاثنين عاشر ربيع الأول، توفي القاضي المزبور، ودفن عند بلال ﵁.
وفي شهر ربيع الثاني، ورد يوم أوايله، ابن شيخ الإسلام من مصر، وهو الذي كان قاضي مكة، وتقدم ذكره في دخول دمشق.
خليل الموصلي
عاشر ربيع الثاني توفي مولانا العالم الماهر العلامة تقي الدين خليل بن الشيخ الأديب الأكمل، الماهر الأريب عبد الرحمن الموصلي، بالسكة غربي الصالحية، وصلي عليه بالسليمية ودفن عند ضريح تربة الشيخ الولي الشيخ محمد الزغبي، بالزاي المعجمة والغين المعجمة، جواره، غربي القبة. وكان من العلماء الأجلاء. اشتغل في فنون كثيرة من الفقه والأصول والنحو والصرف والفرايض والحساب والجبر والمقابلة وعلم الفلك والهيئة والهندسة والمساحة، حتى في وضع الأوفاق وعلم الشمس وغير ذلك. قرأت عليه حصةً وافرةً في شرح جمع الجوامع في الأصول ورسالة الأندلسية في العروض، ﵀ وعفا عنه.
محيي الدين السلطي
وفي يوم الاثنين، ثالث ربيع الثاني، توفي شيخ الأدب بدمشق، الشيخ محيي الدين السلطي الماهر الناظم، وهو قيم الأدب ومرجع أصحاب فن الموسيقى والطرب. له ديوانه المشهور، وله كتابه الجمانات بالأدب وهو من ذوي النكت والنوادر، وصنف في علم النحو ومن نظمه: شعره:
قالت الحسناء يا من في شجن ... هل فني بالله حسني يافنن
أو لحالي شبهٌ قلت فمن ... ربّ خالين مطبوعين من
تعطني منك على صحنٍ ذهب ... فهو ممنوحٌ وإن صدّ وإن
منائي رشف ريقٍ من فمٍ ... فإذا لام عذولي قلت: من
حسن عذاريه بدا عذري ومن ... وجنته أصبح الورد مجن
وله موال قوله:
ربّ خالين مطبوعين مقرونين ... تعطي مسك على صحنين ذهب خدين
من عذاره بدا عذري من الخدّين ... الورد أصبح عجب زاهي على الخدّين
الخد الأول خد الدمع وطريقه في وجهه وهو أثر الحرمان، وهو سواد في الخد، والخد الثاني: الوجنة.
وصلي عليه بالأموي ودفن بالباب الصغير.
دخول المتسلم الجديد
آخر ربيع الثاني، ورد متسلم الباشا الجديد وعزل أصلان من إمرية دمشق والحج.
وفي ثامن عشره ورد له إقرار بالإمرية وباشوية ترابلس، والله يحسن الحال.
وفي آخره سمع بقرب الباشا الجديد، فخرجت الملاقية فلم يروا له خبرًا، ثم ورد أنه معزول فخفف المتسلم وهرب ليلًا، ولم يحاسب على المال الذي أخذه، ثم إنهم عاودوه وقالوا له: خروجك على هذه الكيفية لا يليق، حتى يجيء المتسلم الجديد، وتتحاسب أنت وإياه، وهو إلى الآن، ولم يعلم الغداة بعد لمن يتوجه.
الشيخ أحمد البعلي
يوم الخميس آخر جمادى الثاني، توفي الشيخ الصالح الفقيه العالم الكامل الفرضي النحوي الشيخ أحمد بن السبحان البعلي الحنبلي مفتي بعلبك في مذهب أحمد، وصلي عليه بجامعها، ودفن عند الشيخ العارف الولي، عبد الله اليوناني الحنبلي. أخذ الفقه الحنبلي عن الشمس بن بلبان بدمشق، وجاور بمدرسة شيخ الإسلام أبي عمر لأجل القراءة عليه، وقرأ في العربية والفرائض والحساب، وتقدم ذكره في الأول.
ولاية محمد بيرم باشا
رجب وفي يوم الأحد ثامن عشره، دخل باشة الشام محمد باشا بن بيرم الأركلي، منفصلًا عن القدس الشريف.
وفي ذلك اليوم خرج باشة القدس إليها، ويقال له أشقر محمد باشا، وخرج لوداعه الأكابر، وكان أشقر مهابًا عليه السكينة والوقار، يكره الظلم، غاية في العلم والحلم والأدب.
شعبان، لم يقع ما يؤرخ فيما أعلم.
اغتيال الشيخ محمد الخطيب
رمضان ثامن عشرينه، توفي الفقيه العالم العلامة مفتي الحنفية ببلدة بعلبك الشيخ محمد بن عبد الرحمن الخطيب الحنفي مقتولًا بالرصاص ببندقية من بعض الأعداء، في أوضته في داره خارج الحريم، وكان عنده ولده وبعض أصحاب، ومعه كتاب يطالع به بعد ما جاء من صلاة التراويح من جامعها الكبير، ففتح رجل الباب سرًا أطلقها فجاءت في صدره، فقتل في الحال، ولم يعلم له خبر إلى الآن.
1 / 15
وكان من الفضل والعلم على جانب عظيم. له اجتهاد كلي، وكان يعمل درس الحديث في الثلاثة أشهر بالجامع، وقرأ بدمشق على أفاضلها مدةً مديدةً، وله فهم ثاقب لا يفتر عن المطالعة ولا لحظة، وهو من ذوي المال والثروة، وربما إنه كان في سن الثلاثين، وتوفي المذكور بعد حسين آغا كتخدا شيخ الإسلام، وبعد المفتي الحنبلي الشيخ أحمد بن السبحان. وكل من هؤلاء، ممن اعتصب على الشيخ محمد بن مفتي الشافعية البهائي الشافعي، وكان له سنة في حبس دمشق، وتوفوا الثلاثة في السنة التي حبسوه فيها، فأُخرج بالضرورة، لأنهم توفوا في أواخرها. والبغي مصرع مبتغيه وخيم.
فقد ورد في الحديث عنه ﵇ فيما رواه حميد عن ابن عباس ﵄ قال: أوصى ﵇ رجلًا بثلاث خصال، فقال له: أكثر من ذكر الموت ليشغلك عما سواه، وعليك بالشكر فإنه زيادة في العمر والرزق، وعليك بالدعاء فإنك لا تدري ما يستجاب لك. وأنهاك عن ثلاثة: لا تنقض عهدًا، ولا تسعى على نقضه ولا تستمر على معصية، وإياك والبغي، فإنه من بغي عليه لينصرنه الله، وإياك والمكر فإنه لا يحيق المكر السيء إلا بأهله. ذكره الأردبيلي في تفسيره.
ولا زال مضيقًا على المزبور إلى أن قيل: القول قول شيخ الإسلام وأولاده وأحفاده في سائر بلاد بني عثمان، وهذا راجع، وبه أُخرج كما ستأتي قصة قتله، فله نحو السنة وأشهر بالقلعة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
قافلة الحج ٣٠٠٠ جمل
شوال في أوائله سافر للحج الشريف محمد باشا بن بيرم، وخرج المحمل والحج وكتب عسكرًا من المغاربة والهنود والروم والأكراد، وجمع جمعًا كبيرًا وطيب خاطر كليب وأعطى الصرر بتمامها إلى أربابها، ولم يعارضه معارض حتى رجع، وكان معه من الجمال ثلاثة آلاف جمل.
ذو القعدة، وفيه كثر الوباء والطاعون ولا قوة إلا بالله.
الشيخ محمد الأكرمي
وفي يوم الأربعاء تاسع عشرين ذي الحجة، توفي الشيخ محمد بن الشيخ حسين الأكرمي الحنفي الصالحي، من خدام الشيخ محي الدين بن عربي، وذلك بالطاعون، وكان تزوج جديدًا من نحو أربعة أشهر. وصلي عليه بالسليمية ودفن بالسفح قرب إلايجية.
الشيخ عبد القادر الصمادي
وفي يوم الخميس في اثني عشر من ذي الحجة، توفي الشيخ عبد القادر الصمادي صاحب الطريقة الصمادية القادرية، عن ولد صغير وأخ كبير يقال له السيد صالح. وكان المذكور عهد لولده، فعاد الأكابر وأقاموا مكانه أخاه السيد صالح، وسكن دار أخيه، واستولى على جميع ماله وصلي عليه بالأموي ودفن قرب سيدي بلال، ﵁.
محرم الحرام سنة ١١١٥
٢٧ - ٥ - ١٧٠٣م
الحكومة
وسلطان مملكة العرب والروم وبعض العجم مصطفى خان ابن محمد خان ابن عثمان، والباشا بالشام ابن بيرم بالحج الشريف، وقاضي الشام إبراهيم أفندي، والمفتي أبو الصفا أفندي، والمدرسون والدولة بحالهم، وأوله الخميس.
عمر جلبي الجابي
وفي رابعه، يوم الأحد، توفي عمر جلبي الحلبي بالطاعون، من كتاب المحكمة العسكرية، عن وظائف كتبها كلها على ولده عبد الرحمن أفندي الحلبي، ودفن بتربة باب الفراديس.
محمد شاهين
وفي يوم الجمعة تاسعه، توفي بالصالحية محمد جلبي ابن شاهين، ترجمان المحكمة العربية، وهو من ذرية الحاجب الأمير درويش محمد، صاحب الجامع بالصالحية، قبلي المدرسة العمرية، وصاحب الخانقاه الكاينة فيه، وصلي عليه بالسليمية، ودفن بالسفح أعلى العجمية، عند تربة الحاجب، وقام مقامه ولده إبراهيم جلبي، وكان عاقلًا كاملًا كثير النصت، وهو متولي الجامع المذكور.
الشيخ إبراهيم الخلوتي
وفي حادي عشر الشهر، الثلاثاء، توفي مولانا الشيخ إبراهيم بن الوجيه أيوب الخلوتي، صاحب الطريقة الخلوتية، وشيخ السلطنة العثمانية، وصلي عليه بالأموي، ودفن بتربة الفراديس الشرقية عند والده العارف أيوب، رحمه الله تعالى، وكان صاحب ثروة، وعليه تدريس المدرسة الحافظية قبلي الشبلية، ومدخولها حسن جدًا.
وكان حسن الصوت. أخذ طريق الخلوتي عن السيد محمد غازي الحلبي، خليفة إخلاص دده الخلوتي، وأذن لبني أيوب بالخلافة، فجلس الشيخ إبراهيم وبايع، ثم بعد مدد طويلة كبر سنه، وتعب من المداراة وأخذ الخواطر، فأجلس مكانه أخاه الشيخ أبو السعود الخلوتي المبايع لغازي، وبايع وأقام طريقته إلى أن توفي. عفي عنهم آمين.
1 / 16
قاسم آغا
وفي يوم الاثنين، ثالث صفر الخير، توفي الشاب الكامل قاسم آغا ابن قاسم آغا متولي السنانية بالطاعون، وأُعلم له، وصلي عليه بالجامع الكبير عن ولد صغير، فأُقيم وكيل في التولية، يقال له السيد حسن، ولم يعلم لمن تتوجه، بل بني قاسم مشروطون في التولية بشرط الواقف.
دخول المحمل ١٠ صفر
وفي التاسع منه وهو الأحد، وصل الوفد عند العصر، ودخل يوم الاثنين المحمل والباشا بموكب عظيم، ونزل الباشا بالميدان الأخضر، وأخبروا أن الباشا سلب مقرر أكري بوز وحطه في القيد في قلعة تبوك وصب في قيده الرصاص، وكان كتخدا عنده في طريق الحج، قيل بلغه أنه يسبه وشتمه، وقيل إنه أراد أن يكتب لبعض عرب صبرا، وكانوا جعلوا له مالًا.
زيدان يهاجم الجردة
وفي قلعة معان خرج على الجردة زيدان أخو الدبيس، ونهب ما فيها وأراد الرجوع بعد ذلك على الحج، فبلغ كليب فركب هو وأميرها ابن القواس فكسروه. ولما دخل الباشا إلى معان كان عسكر الجردة راكبًا على زيدان، فصبر الباشا حتى يجيء الخبر، وإذ بالبشاير وردت بالكسرة لزيدان، لأن الباشا بمجرد ما وصل أراد اللحوق بهم فصبروه إلى العشي، فعند العصر جاء الخبر بالنصرة على الجلالية، ورجعوا بالغنيمة، ولله الحمد.
محمد الاسطواني
ربيع الأول، وأوله الأحد، توفي مولانا القاضي محمد أفندي ابن الاسطواني، الباش كاتب بمحكمة الباب، ودفن بمقبرة الفراديس.
سليمان القادري
وفيه، ربيع الأول، الأربعاء رابع ربيع الأول، توفي بالمرض العام السيد سليمان خادم الشيخ رسلان بن سليمان القادري، ومدرس جامع السلطان سليم بالصالحية، وخطيب التكية السليمانية، عند الميدان الأخضر، وكان عليه وعظ بالسنانية نحو أربعين عثمانيًا، وغير ذلك، بل قيل كان عليه ألف عثمانيًا.
درس بعد العصر في الثلاثة أشهر عند محراب الشافعي مدةً ثم ترك، ودرس مدةً بين العشاءين في الحديث والرقائق مدةً ثم ترك ذلك، فوجه التدريس لمولانا الشيخ عبد الغني، والوعظ للفاضل البارع الشيخ عثمان بن الشمعة الشافعي، والخطابة وبقية الوظائف على ولده مولانا السيد أحمد.
الشاب محمد عويدات
وفي يوم الأربعاء أواسط شهر ربيع الأول، توفي الشاب الطالب العلم الشيخ محمد بن الحاج عبد المحسن الشهير بابن عويدات الصالحي الحنفي بالمرض العام، بالصالحية، وكان تولى كتابة الصكوك بالعونية، خدم الطلب مدةً، فقرأ طرفًا في النحو على الشيخ خالد، وشرح القطر إلا كراس، والقواعد الهشامية، في المنطق لحسام كافي، وحاشية البردعي عليه، وملا جلال وشرحه للقاضي، وحصة من شرحه الكبير للكلائي، وحصة من شرح الفنري للتمري الهندي إلى بحث الجنس، ورسالة ملا حنفي في آداب البحث، وفي شرح المختصر إلى حد الفصل والوصل، وكان يعرف العربية والتركية والفارسية، وله نظم، ومن نظمه قوله: شعره:
عليك بعلم المنطق البهج الذي ... به الإنسان إن قام أو دعا
يقلّد نحر النّاس عقدًا منظّمًا ... ويلبس للأفكار تاجًا مرصّعًا
وله:
النّحو يرضع للأذهان من لبنٍ ... لو شابها نور ذاك البدر لانكسفا
فكلّ من يرتوي من شربه أبدًا ... من الأفاضل معدودٌ من الشّرفا
وأنشد في بعضهم له مواليا قوله:
ما حرّك العشق إلا قدّك الميّاس ... يا من ضيا ورد خدّه فاق على الماس
من عانقك يا مهفهف بعد ردّ الكاس ... حظي على عزّ ما نالو بنو العباس
وصلي عليه بعد العصر، ودفن بقاسيون في الروضة.
عسكر التجريدة
وفي ثاني عشرينه دخل جلبي يوسف باشا، باشة حلب، ونزل صدر الباز، وكان أميرًا حليمًا من خيار الناس، ومعه نحو الألف خيال وزعماء حلب، وذلك للركوب على جلالية العرب، وهو سردار على سبعة باشاوات، وبعده بثمانية أيام، ورد قرا بولاد العبد، ومعه نحو الخمسمائة.
فتنة كبرى في العاصمة
1 / 17
ثم وردت الأخبار بحصول فتنة عظيمة بإسلام بول من العسكر والرعية، لكون أن شيخ الإسلام أشار على السلطان مصطفى، بقطع علايف القول ممن لا يصلح للسفر لصغره أو كبره، ومن أجل أن شيخ الإسلام جعل مالًا للنصارى ومكنهم من عمارة قلعة شمالي إسلام بول، ومن كونه شاع عنه الرفض، فقام القول والرعية على السلطان، وأن يسلمهم شيخ الإسلام، فهربا إلى محروسة أدرنه.
قضية شيخ الإسلام
وكان النصارى طلبوا المال، فضاق الحال، فعمل شيخ الإسلام الحيلة في قطع العلايف. كذلك ولعدم السفر، واستيلائه على مناصب المملكة: فالوزير صهره، وقاضي استنبول ابنه، والآخر قاضي مكة، وقاضي العسكر والنقيب وقائم مقام من أقاربه، ويعزل من شاء، ويركب من شاء. فقامت عليه الرعية والدولة، وهم ثمانون ألفًا ومعهم جميع أهل إسلام بول، فخيموا الخيام ليركبوا على أدرنة بعساكر وأجناد لا تحصى مع التوابع من الرعية، فقالوا للسلطان: لو علمنا أن علينا للنصارى جوالي ما تركنا القتال. فقال هم: ما المراد؟ فقالوا شيخ الإسلام وكانوا قتلوا من أولاده ومن جماعته بإسلام بول، حين المواجهة بأدرنة مع أهالي استنبول فقيل: ما المراد؟ قالوا العزل أو تسليم شيخ الإسلام.
الفوضى في استانبول
وحصل بسبب شيخ الإسلام اختلال وطمع بالغ فيما وضب لهم من المال والإذن لهم بعمارة قلعة وغير ذلك من الاستيلاء على أكثر المناصب، فإن القائم مقام، والوزير، وقاضي العسكرين، وقاضي إسلام بول، كلهم أصهاره وأقاربه.
والحاصل في هذه الفتنة، نسوا أمر الحج الشريف ولم يرسلوا جوابًا لمن تعين ووصل إلى دمشق من العسكر والباشات لتلك الشغلة. فعاد يوسف باشا سافر إلى حلب، ومعه الزعماء رجعوا أيضًا لأنهم أرسلوا كم عرض ولم يأت الجواب. فسافر يوم الجمعة شروق الشمس، وكان خرج قبله بيوم زعماء حلب، وأما محمد باشا فعلى حاله، وذلك في أواسط ربيع من السنة المذكورة.
حكاية الباشا والدائن
ومما وقع في تاريخه، أن امرأةً دخلت بعرض حال على محمد باشا ابن بيرم، محصله، أن زوجها محبوس على خمسماية غرش، فأمر بإخراجه وأرسل إلى غريمه وأوقفهما، فقال للرجل الداين: لم حبسته؟ قال إن لي عليه دينًا بموجب حجة، فأخذ الحجة منه فنظر فيها وأطال التأمل، ثم قال للمحبوس: أعطه دراهمه، فقال: أنا فقير ولا أقدر على الوفاء، وهذا الباقي علي من مال الفائدة لا من أصل الدراهم، فقال للغريم: ما تسمح له بشيء، فأبى، فقال أنا أعطيك مائتي غرشًا، وإنه لم يبق له عنده شيء، لأنه جعله صلحًا على تلك الخمسمائة فتناول الحجة وذهب واقتضى المديون، وذهبت المرأة وزوجها. فبعد ثلاثة أيام أرسل الباشا بخلف الغريم المداين وقال له: أنت تدين بالفائدة فأعطني كيسًا، فأبى، فقال: أُعطيك رهنًا فأبى، فأخرج له رهنًا إبلًا نحو المائة وقال خذها إلى أن أُعطيك الدراهم فأبى، فأودعه الحبس بالقيد ثم أطلقه على كيس فأتى له بها حتى أطلقه، وله ماجريات كثيرة.
حكايته مع أهل حرستا
ومما حكي أن أهل حرستا، كان عليهم اثنى عشر كيسًا لرجل يقال له حسن جاويش من أهالي قلعة دمشق، فشكوا إليه حالهم، وأنها وصلته ما عدا ستة أكياس، ولم يقدروا على وفائها، والحجج باقية معه لم يعط ما وصل منها، فأرسل وراءه وأودعه الحبس، وأخذ أرسل الحجج وأبطلها، وطلب منه المال الذي أخذه من الفلاحين، فخرج تحت كم كيس، وخلص أهل حرستا من دينه، وكانوا زمنًا طويلًا عجزوا حتى صارت تكبر وتزيد عليهم، ثم خلص أهل القرية بحجة شرعية برضا حاطره وإبراءً من عند القاضي، ووزن صاحب المال للباشا مالًا كثيرًا.
حكاية ثالثة
1 / 18
ووقع لابن خطيب القلعة الشيخ عبد الرحمن أخذ فلاحة تساوي عشرين كيسًا بدون ثمنها من رجل يقال له محمد آغا بن قرندل، كان له عنده دراهم، فطلب منه الفلاحة فأبى أن يعطيه إياها، فألح عليه فباعه إياها في ذمته، وكانت رهنًا عنده بحجة، فلم يسلمه إياها، فاشتكى عليه للباشا ليتسلمها في حضرته، فأفسد الباشا مشتراه، وخرب تلك الحجة وسلمه الفلاحة التي لم يستغرقها في قيمة دينه، وأخذها منه بدون ثمنها، فرفعها لصاحبها، وخرج من عند الباشا على مال بعد أن وضع في القيد بالشمس، وكان يعذب في ذلك، وما خرج وتخلص إلا بخمسة أكياس مال. وكان رام قتله وضبط ماله، وكان ذا ثروة باذخة، ربما يتكلم على مائتي كيس، وألغى دينه الذي كان له على ابن قرندل بحضور نائب القاضي.
حكاية رابعة
وسمع بفرس نواحي قرية سكيك لشيخها صبرة الشيعي، فجاؤوا بها، فأرسل للفلاح وكتب من أجلها عرض حال، مضمونه أنها ليست له، أوله شريك، الأمير منصور الدرزي وتقدم ذكره من جهة القصة التي صارت في الميدان. زمن أصلان باشا فلما سمع بذكر الأمير منصور غضب غضبًا شديدًا وقال: تخوفني بالأمير منصور، لو كان عندي لقتلته وقطعته إربًا إربًا. ثم إنه قيد الفلاح ووضعه في الشمس، وكان يسمى بالميطاح، ولولا أستاذه صادق آغا لقتله، فما خرج وتخلص إلا بها وخمسمايةً غرش، استدانها وأتى بها إليه.
عدل الباشا وهيبته
وكان ربما يحمي الداعي والمدعي. وركب على الدروز، وإن غالب الدروز رفعت فلاحتها من البقاع ورحلوا إلى الجبل، وكان جماعته تهابه كثيرًا، فلا يقدر أحد يجيء إلى المدينة، بل خارج المدينة، لا يأوي أحد منهم، وكل من رأوه قتلوه وضربوه ضربًا كثيرًا حتى يتلفوه، وأهرب العرب الجلالية، ولم يحصل منه للفقراء شيء.
محاصرة ابن القواس في معان
وفيه حوصر الأمير ابن القواس نواحي جنين بقلعة هناك لأنه تحارش بالنوايلة، وطلب منهم مالًا كان عليهم أيام كفالته عليها، وقصده كان تحريك الفتنة لوجود الباشا، لأنه يستعين به في قتالهم، لكن عارض ابن القواس باشة القدس ونابلس حالًا وهو سفر محمد باشا، وأرسل مصطفى باشا يقول له: احذر أنك لا تشوش عليهم بوجه من الوجوه فلم يمكن، فعجز عنهم، وهرب إلى القلعة وهو إلى الآن محاصر فيها، وقيل ضربه باشة القدس برمح في صدره فحمل إلى القلعة، وهو وجماعته إلى الآن محاصرون حتى أرسل طلب عونةً من باشة الشام محمد باشا ابن بيرم، فأرسل له عشرين بيرقًا من الصارجية.
وكان بيرم تولى نابلس والقدس ومسك من أهلها أُناسًا دخل بهم إلى الشام مجنزرين حين تولاها وذلك سنة أربعة عشر بعد المائة وألف، ونسأله سبحانه اللطف.
تولية السلطان أحمد
وفي يوم الأحد خامس عشر جمادى الأُولى في السنة المذكورة، وردت الأخبار من الروم أنه جلس في الخلافة السلطان أحمد أخو السلطان مصطفى، وأن مصطفى خان خلع من الملك، لشدة اعتماده على شيخ الإسلام فيض الله أفندي، ولم يمكن أن يسلمه لهم لأنه أهمل أمر الخلافة، وأن شيخ الإسلام مستولي على عقله، ومن جهة المال الذي رتبه للنصارى على الأروام، ومن جهة الإذن بعمارة قلعة شمالي الروم، ومن جهة ما شاع عنه من الرفض، والله أعلم بحقيقة ذلك.
وكان شيخ الإسلام كلمة السلطان مصطفى ولا يفعل شيئًا إلا برأيه، حتى كان ينفذ كلامه على السلطان بل أمضى من كلمة السلطان، حتى يقدموا كلامه عليه، فلا ينفذ إلا رأيه، واستولى على أمور السلطنة كلها، فلذا جلس السلطان أحمد، وكان الجلوس نصف ربيع الأول من السنة المذكورة.
1 / 19