ها جريح لا أنيس بقربه
بعيد عن الخلان في موطن قفر
توسد في تلك المهامه صخرة
ودمع فراق العيش من عينه يجري
فحين وقعت عيناي عليه وهو بتلك الحالة مطعونا في قلبه بسكين والدم يحيط به من جميع جهاته كأنما هو نائم على حرير أحمر، ووجهه مصفر من كثرة ما نزف من الدم؛ فصرخت من فؤاد مجروح: وافريداه! وارحمتاه! وامصيبتاه!
ودنوت منه أناديه وأقلبه، ولكن متى يسمع الميت النداء؟
وهنا بكى الرجل وبكينا بكاء شديدا، ثم قال: ولما عرفت أنه فارق الحياة وأن وقت مسير القافلة صار أقرب من قاب قوسين، أرسلت الجمالين ليحضروا لنا فأسا نحفر بها قبرا، ولما ذهبوا نظرت يمنة فوجدت ورقة ملوثة بالدماء ساقطة بقرب الحجر الذي توسده فتأملتها، وإذا هي صورة فتاة جميلة الطلعة باسمة الوجه، والظاهر أنه أخرجها من جيبه ونظر لها قبل مماته النظرة الأخيرة، وتأمل محاسنها ثم سقطت منه، ولما نظرت إلى ظهر الصورة رأيت فيها كتابة حمراء، ظهر لي أنه كتبها بعود أملاه من دمه، وهيئة الكتابة كما ستراها تدل على ارتجاف أعضائه، وسأعطيك هذه الصورة ترى رأيك فيها. وعند ذلك جاء الجمالان بفأس فأمرتهما بالحفر بينما صليت عليه مع رفيقي وفتشت ملابسه فوجدت منديلا مطرزا بالحرير داخل قميصه كأنما جعله أقرب الأشياء إلى قلبه وعليه كتابة إفرنجية لا أعرفها، ولم أجد حزامه الذي كان يحمل فيه النقود، ويظهر أن القتلة المجرمين الذين لا يرحمون صغيرا ولا يوقرون كبيرا ولا يشفقون على الأرواح الطاهرة الزكية، سلبوا ذلك الحزام بما فيه من كثير النقود، وفي الحال واريناه التراب بلا كفن بل بثيابه الحمراء كما تدفن الشهداء، ودموعنا تسيل مدرارا وأفئدتنا تتقطع إربا، ثم بحثنا على حجر كبير وضعناه قرب رأسه وحفرنا عليه بالسكين:
شهيد المروءة والشرف أمين فريد المصري.
وقد أقبل الظلام يجر ذيوله السوداء ولم يبق على مسير القافلة إلا زمن يسير، وكلما رغبت في تركه أمشي قليلا وأرجع للوراء وأقول: السلام عليك يا أمين، السلام عليك يا أمين إلى يوم القيامة.
وهنا بكينا بكاء مرا، وذرفنا الدموع الحرى.
Page inconnue