وجميع الأنهار في جميع السنين لا تقدر أن تذهب بذكراه من قلوبنا.
فقد كان جبلا محترقا في الليل، ومع ذلك كان حرارة لطيفة وراء التلال، وكان عاصفة في الجو، ومع ذلك كان يتحرك بلطف في ضباب البحر.
كان يسوع سيلا جارفا منحدرا من الأعالي إلى السهول ليهدم كل شيء في طريقه، وكان في الوقت نفسه لطيفا كابتسامة الأطفال.
في كل سنة أنتظر زيارة الربيع لهذا الوادي، وفي كل سنة أنتظر الزنابق وبخور مريم، ولكن نفسي تكتئب في أعماقي كل سنة؛ لأنني طالما تقت لأفرح مع الربيع فلم أقدر.
ولكن عندما جاء يسوع إلى فصولي كان بالحقيقة ربيعا لأحلامي، وقد تحققت فيه مواعيد جميع السنين المقبلة، فقد ملأ قلبي فرحا، فنموت كالبنفسج خجولة في نور مجيئه.
واليوم لا تستطيع تقلبات فصول العالم التي لم تصر لنا بعد أن تمحو جماله من عالمنا هذا.
إلا أن يسوع لم يكن حلما ولا فكرة تمخضت بها أحلام الشعراء، بل كان رجلا مثلك ومثلي بالبصر والسمع واللمس، وفي جميع ما تبقى كان يختلف كل الاختلاف عن جميعنا.
فقد كان رجل أفراح، وعن طريق الفرح تعرف إلى كآبة جميع الناس، ومن أعالي سطوح كآبته رأى فرح جميع الناس.
إن الرؤى التي رآها لم نرها نحن، والأصوات التي سمعها لم نسمعها. وكان يتكلم مخاطبا جموعا غير منظورة، بل كثيرا ما تكلم بواسطتنا لأقوام لم يولدوا بعد.
وكان يسوع وحده في أكثر الأحيان، فقد كان بيننا ولكنه لم يكن واحدا منا. وكان على وجه من السماء. ونحن لا نقدر أن نرى أرض وحدته إلا في وحدتنا.
Page inconnue