Que tombe Sibawayh
لتحيا اللغة العربية يسقط سيبويه
Genres
والاستثناء العربي له وجود بالفعل على أرض الواقع، فنحن أصحاب ميراث ثقافي يندر أن يتواجد لدى أي حضارة أخرى في العالم. وثقافتنا تعطي أهمية كبرى للروحانيات، والأخلاقيات، والعواطف الإنسانية، والترابط الأسري، والتراحم، وكلها مثل عظيمة توارثناها جيلا بعد جيل، ويكون من الجنون أن نفرط فيها، بل علينا أن نتمسك بهذا الاستثناء الإيجابي الذي يميزنا عن باقي حضارات العالم.
لكن أن يكون الاستثناء العربي هو استثناء من تقبل الديمقراطية ومثل الحرية، وحقوق الإنسان، والمساواة بين الرجل والمرأة، ومساواة الجميع أمام القانون، فهذا استثناء سلبي يجعل من العرب جماعة خارجة على القانون الدولي والأعراف التي اتفقت عليها الإنسانية مع بداية القرن الحادي والعشرين. وقد أصبح واضحا اليوم أننا لا نستطيع أن نعيش في جزيرة معزولة اسمها العالم العربي.
ورفضنا لأي تطوير ملموس في قواعد النحو والصرف العربي نابع من حاجتنا وحاجة اللغة إليه، هو دليل صارخ على أن فهمنا للاستثناء العربي هو فهم سلبي يعوق أي تقدم للعقل، وبالتالي أي تطوير للمجتمعات العربية.
وإذا كان علينا أن نرفض بشدة أن يتحكم أحد في عقولنا، وأن يملي علينا أسلوب تفكير معين، فإن علينا بنفس القدر أن نرفض من ينادون من بيننا بالتحجر والانغلاق، ورفض كل جديد.
فعلى مر عصور الدولة الإسلامية لعب تجار الدين على وتر الإيمان العميق للشعوب العربية وجهلها بتعقيدات اللغة الفصحى، فاستخدموا كلاما مبهما وتعمدوا استخراج أصعب الكلمات والتراكيب اللغوية ليبهروا الناس فيصدقوهم، ويتبعوا ما يقولون من منطلق إيمانهم الراسخ بالدين. ولازال البعض في العالم العربي اليوم يستخدم نفس الأسلوب، عامدين إلى تسييس الدين واستمالة أبناء الشعب البسطاء المسحورين بالكلم.
ونحن نعتبر اللغة من ثوابت العقل العربي التي نفخر بها. والواقع يملي علينا أن نفخر بتراثنا الأدبي والفكري واللغوي، لكنه يملي علينا أيضا أن ننتفض ثائرين على قواعد النحو والصرف والتعقيدات اللغوية التي تغلق أبواب العقل العربي وتحبسه في الماضي البعيد، وفيما أملاه السلف من آراء وأفكار لم تعد تناسب العصر الذي نعيش فيه.
لقد تأخرنا أكثر من ألف عام عن إحداث تطوير حقيقي في اللغة العربية؛ بسبب ميل العقل العربي إلى التمسك بالقديم وتقديس كلام السلف. فعلينا أن نتدارك دون إبطاء كل هذا الزمن الذي راح هباء، وجعل الآخرين يتفوقون علينا ويتحكمون بالتالي في مصائرنا. •••
ولا يمكن اعتبار اختيار السياسة اللغوية لأي مجتمع على أنه من ثمار الصدفة، أو أنه اختيار محايد؛ فوراء هذا الاختيار سياسة عامة لكل مجتمع تقوم على مفهومه العميق لهويته.
وبالنسبة لنا في مصر فإن كنا نرى أن مصر للمصريين وحدهم، وأنه علينا أن نقتطع أنفسنا عن الجسد العربي، فإنه من الممكن عندئذ أن نتجه إلى اللهجة المصرية ونعطيها الأولوية. أما إذا كنا مقتنعين بأن مصر جزء من ثقافة أوسع، ومن عالم أكبر هو العالم العربي، فإنه يتعين علينا في هذه الحالة أن نتمسك باللغة التي تربطنا بجذورنا التاريخية كما تصلنا بامتدادنا الجغرافي الطبيعي.
ولا شك أن هناك من يتربص بعالمنا العربي ويتمنى تقطيع أوصاله وتفكيك الروابط بين أقطاره ومن أقواها اللغة.
Page inconnue