مرجع الأمر إليه لا إلى الهجاء، وأقرب شيء أن يخطر على البال أنه استصغر؛ لأنه تكبر، وأنه صبغ هجاءه بصبغته النفسية فاختلف من هذه الناحية؛ لأنها هي ناحية الاختلاف بينه وبين غيره من الهجائين.
على أن الهجاء ضروب، وليس بضرب واحد في اللغة العربية، أو فيما عداها من اللغات.
ومرجع الأمر في تعدد ضروبه إلى تعدد النفوس، وتعدد الأمزجة، وتعدد الشعور الذي يشعر به الهاجي نحو من يهجوه.
فهناك هجاء الرجل الوضيع المهين.
وهناك هجاء الرجل المتكبر العزيز.
وهناك هجاء الرجل المهذب الشريف.
وهناك هجاء المتوقح البذيء.
وهناك هجاء التهكم والسخرية، وهجاء العنف واللدد، وهجاء النقد، وهجاء الإيذاء.
ومناط التفرقة بينها هو النفسيات، وما تشمله من فوارق الحس والعاطفة، وليس المرجع فيها إلى باب في علم النحو يتكلم على مواضع التصغير.
وأعجب شيء يقال هو أن المتنبي لم يستصغر لأنه متكبر، بل أكثر من التصغير لسبب آخر ... ثم لا يدري أحد ما هو ذلك السبب الآخر! لم يمتنع الاستصغار بسبب التكبر؟ ولم لا يكون سببا للاستصغار؟
Page inconnue