أما جوابي عن سؤال الأديب: لم لم أكتب عن أبي تمام؟ فأبدؤه بأن أبا تمام في اعتقادي شاعر في طليعة الصفوة من شعراء العصر العباسي وشعراء العربية عامة، وأنه حقيق بكتاب أو برسالة ضافية كغيره من الشعراء الذين كتبت عنهم أو كتب عنهم النقاد السابقون واللاحقون.
ولكنني لم أعرض له؛ لأن الغالب في كتاباتي من هذا القبيل أن ترجع إلى سببين: إنصاف مغبون، أو تجلية ناحية قد نسيها النقاد أو فهموها على وجه آخر.
وأبو تمام ليس بالشاعر المغبون ولا بالمجهول القدر في زمانه وبعد زمانه، بل لعله أصاب من الرعاية والاعتراف بالفضل فوق حقه، أو فوق ما أصابه معاصروه على التحقيق.
كذلك ليس في أبي تمام ناحية غامضة أو ناحية تتنازعها الأفهام والبدائه الفنية؛ وإن جرى النزاع في معنى من معانيه، فهو نزاع لا يتسع حتى يتناول النفس الإنسانية في آفاقها الواسعة، ولا يترتب على البت فيه بت في مشكلة عاطفية أو اجتماعية، أو عقدة من عقد الحياة.
فهو صاحب إجادات وليس بصاحب عالم.
يسأل سائل: وما «صاحب عالم» هذه التي تميز بها بعض الشعراء، وتجعلها ذريعة إلى الكتابة عن فريق وترك الكتابة عن آخرين؟
فأقول: إن التمثيل هنا لازم لتقريب المقصود بالشاعر الذي «له عالم»، والشاعر الذي لا عالم له وإن كانت له إجادات.
فالملكة الشاعرية - بل الملكة الفنية عامة - هي أشبه الأشياء بالزجاجة المصورة التي ترسم ما يقابلها.
فالزجاجة الحساسة الواسعة لا تدع مما يقابلها شيئا إلا رسمته، وجاءت بصورة منه.
والملكة الفنية زجاجة مصورة تقابل العالم بأسره، فإن كانت حساسة واسعة جاءتنا بصورة من العالم كله، وأمكننا أن نعرف ما هو العالم كله كما رآه الشاعر في قصيدته.
Page inconnue