أما أنا فإنني لأستعيذ بالله من اليوم الذي يتوقف فيه شأن الأدب على اعتراف الدولة، ومقاييس الدولة ورجال الدولة.
لأن مقاييس هؤلاء الرجال ومقاييس الأدب نقيضان، أو مفترقان لا يلتقيان على قياس واحد.
فمقاييس الدولة هي مقاييس القيم الشائعة التي تتكرر وتطرد، وتجري على وتيرة واحدة.
ومقاييس الأدب هي مقاييس القيم الخاصة التي تختلف، وتتجدد وتسبق الأيام.
مقاييس الدولة هي عنوان الحاضر المصطلح عليه.
ومقاييس الأدب هي عنوان الحرية التي لا تتقيد باصطلاح مرسوم، وقد تنزع إلى اصطلاح جديد ينزل مع الزمن في منزلة الاصطلاح القديم.
مقاييس الدولة هي مقاييس العرف المطروق، ومقاييس الأدب هي مقاييس الابتكار المخلوق.
مقاييس الدولة هي مقاييس الأشياء التي تنشئها الدولة، أو تدبرها الدولة أو ترفعها الدولة تارة وتنزل بها تارة أخرى.
ومقاييس الأدب هي مقاييس الأشياء التي لا سلطان عليها للدول مجتمعات ولا متفرقات، فلو اتفقت دول الأرض جميعا لما استطاعت أن ترتفع بالأديب فوق مقامه أو تهبط به دون مقامه، ولا استطاعت أن تغير القيمة في سطر واحد مما يكتب، ولا في خاطرة واحدة من الخواطر التي توحي إليه تلك الكتابة.
ومن هنا كان ذلك العداء الخفي بين معظم رجال الدولة ومعظم رجال الأدب في الزمن الحديث على التخصيص.
Page inconnue