لأنني لا أقول: إن الحرية وحدها تكفي الإنسان وتغنيه عن الطعام، ولكني أقول: إن المذهب السياسي أو الاجتماعي الذي يسلبنا الحرية، يسلبنا أعز نعمة في الحياة الإنسانية، بل يسلبنا كرامة الإنسان ويستحق منا المقت والازدراء.
وأنا لا أقول: إن إزالة الفوارق الاقتصادية بين الطبقات ترمي إلى تقييد حرية الفرد، ولكني أقول: إن تقييد الحرية الفردية لإزالة هذه الفوارق نقمة لا يرحب بها رجل كريم.
وأنا أدافع عن الديمقراطية؛ لأنها تؤمن بحرية الفرد، وتصلح الناس إصلاح الأحرار المكلفين، لا إصلاح العبيد المسخرين.
ولكني أمقت المذاهب السياسية الأخرى؛ لأنها تسلب الحرية الفردية ولا تحل المشكلة الاقتصادية، فتحرمنا الكرامة ولا تكفل لنا الطعام، وهذا هو الحرمان الذي لا عزاء فيه ولا موجب لاحتماله والصبر عليه إلى زمن طويل.
فالنازيون والفاشيون والشيوعيون يستغفلون الناس حين يقولون لهم: إننا سلبناكم الحرية ولكننا أرحناكم من البطالة، ودبرنا لكم الرزق بتدبير الأعمال؛ لأنهم في الواقع كاذبون فيما زعموه من تدبير الرزق وتدبير العمل، وإن كانوا صادقين جد الصدق فيما أعلنوه من سلب الحرية، وتسخير الكرامة الإنسانية.
والنازيون اليوم يحتاجون إلى مليون عامل بل إلى مليونين، بل إلى ثلاثة ملايين لو وجدوهم من الألمان أو غير الألمان.
يحتاجون إليهم ويبحثون عنهم، ويغتصبونهم اغتصابا من كل مكان حكموه أو سيطروا عليه.
فهل نسمي حاجتهم هذه إلى العمال نجاحا في كفاح البطالة وتدبير الأرزاق؟
وهل هذا هو العمل الذي يريح الفقراء من أعباء الفقر، ويتيح لهم الاصطياف على شواطئ الإسكندرية؟
فكفاح البطالة على هذا المنوال هو الكفاح الذي يستطيعه النازيون والشيوعيون والفاشيون، وهو الدواء الذي يربي في الشر والبلاء على عشرة أدواء.
Page inconnue