العاشر: العلم بأحكام الأفعال من حسن وقبح ووجوب، وغير ذلك من الأحكام العقلية.
وأما الموضع الثاني: وهو الدليل على صحة ماذهبنا إليه ابتداءا ثم تتبع أقوال المخالفين بالإبطال.
أما الذي يدل على صحة ماذهبنا إليه فوجهان:
أحدهما: أن العقل لو كان أمرا زائدا على هذه العلوم لجاز أن سبب مع عدمها؛ لأن هذا هو الواجب في كل أمرين لا عقلة بينهما من وجه معقول، فكان يلزم أن يكون عالما بهذه المعلومات، وأن لا يكون عاقلا بأن لا يحصل العقل عند حصولها، أو أن يكون عاقلا وإن لم يعلم بها بأن يحصل مع ابتغائها، والمعلوم أن ذلك لا يجوز إذ لا يصح أن يكون عاقلا وهو لا يعلم ماذكرنا، ولا أن يعلم ما ذكرنا، ولا أن يعلم ما ذكرناه وهو غير كامل العقل.
الوجه الثاني: أنا نقول حال العقل لا يخلو إما أن يكون مخالفا لهذه العلوم، أو مضادا لها، أو مماثلا، ولا يجوز أن يكون مضادا ولا مخالفا إما أنه لا يجوز أن يكون معادا لها، فلأنه لو كان مضادا لها للزم فيمن اختص بها أن يستحيل كونه عاقلا، وفي العاقل أن يستحيل كونه عالما بها؛ لأن القيدين لا يجوز اجتماعهما بحال، وأما أنه لا يجوز أن يكون مخالفا لها فلأنه كان مخالفا بحال انفصاله عنها؛ ولأن هذا هو الواجب في كل مختلفين لا عقلة بينهما، فكان يجوز أن يكون عاقلا غير عالم بها، أو عالم بها غير عاقل، والمعلوم خلافه، وفي هذا الوجه رجوع إلى الدليل الأول؛ لأنا أبطلنا أن يكون مخالفا له بمثل ما ذكرناه في الدليل الأول فيكون الدليل الأول هو أحد [45أ] أقسام الدليل الثاني، وهذا لا يصح من طريق الجدل، وإن كان مماثلا لهذه العلوم فهو الذي يقول وصح أن العقل إلى هذه العلوم المخصوصة فهذا هو الدليل على صحة ما ذهبنا إليه إبتداء، وإما ما يتبع أقوالهم بالإبطال.
أما الذي يدل على إبطال قول المطرفية من أن قولهم العقل هو القلب فوجوه ثلاثة:
Page 98