وأما لطف العصمة فهو مأخوذ في اللغة من العاصم، وهو المانع، ومنه قوله تعالى: {سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله} أي لا مانع، ومنه سمته، وكالقربة عصاما، وسمته اللطف عصمة مجاز على سبيل التسمية، وليس مانعا حقيقيا؛ لأنه لو كان كذلك لبطل التكليف في المعصومين، ولكن لما كان بتركه عنده لأجل سببه بالمنع اللغوي، وحقيقة العصمة في الاصطلاح هو ما كلف تركه عنده لأجله مالم يبلغ حد الإلجاء، واللطف المطلق هو مايكون المكلف معه أقرب إلى فعل ما كلف فعله، أو ترك ماكلف تركه أو إلى مجموعهما، وقد تقدم الكلام فيه.
وأما قسمته بإعتبار وجوبه........ فهو على ثلاثة أضرب:
لطف من فعل المكلف للمكلف، ولطف من فعل المكلف نفسه، ولطف من فعل بغير المكلف، والمكلف لمكلف آخر.
أما اللطف الذي من فعل المكلف للمكلف فهو على ثلاثة أضرب منه ما يتقدم على التكليف، ومنه ما يتأخر عنه، ومنه من يقارن فيما يتقدم أو يقارن فهو غير واجب عليه تعالى؛ لأنه منفصل بالتكليف فكذلك ما تقدم على التفصيل أو قارنه فهو يفضل.
وأما المتأخر فإنه واجب عليه تعالى، لا أن يعلم أن المكلف يفعل من دونه أو أن غيره تعالى يفعل ما يقوم مقامه من باب اللطف، فإن لم يعلم وجب عليه فعله، فإن كان في مقدوره تعالى فعل آخر يقوم مقام هذا في اللطفية، وحثنا عليه تعالى وجوبا مجبرا وأن يغير [48أ] في فعل دون غيره، وكان واجبا معناه اللطف واجب عليه تعالى سواء كان اللطف في واجب أو مندوب فاللطف واجب عليه فيهما أجمع، وإنما وجب عليه تعالى وإن كان في المندوب بخلاف اللطف من فعلنا؛ لأن اللطف واجب عليه تعالى؛ لأنه إراحة لعلة المكلف، وقد كلفنا بالواجب والمندوب جميعا، فيجب عليه أن يراع علمنا فيهما، وليس كذلك في الواحد منا.
وأما اللطف الذي من فعل المكلف لنفسه، فهو على ضربين:
Page 86