وأما فرض الكفاية فحقيقته هو ما إذا قام به البعض سقط وجوبه عن البعض الباقي، وإن شئت قلت ما إذا علم المكلف أو غلب على ظنه أن البعض قد قام به سقط وجوبه عنه، وله مثالان: عقلي، وشرعي.
أما مثاله في العقل: فمثل قضاء الدين إذا كان من جماعة ثم قضا أحدهم فإنه يسقط وجوبه عن سائرهم، وكرد الوديعة [30أ ] إذا كانت على هذه المثابة.
وأما مثاله في الشرع فهو كالجهاد، وكصلاة الجنازة، والأذان، وتعلم الناس معالم الدين، فإذا قام به البعض سقط وجوبه عن البعض الباقي، ومعرفة الله تعالى متعلقة بكل واحدة من هذه القسم فهي متعلقة من القسمة الأولى بالمعين، ومن الثانية بالمضيق، ومن الثالثة بالعقلي الاستدلالي، ومن الرابعة بفرض العين، وإذا قد فرغنا من الكلام في الواجب تكلمنا في المكلف، والكلام منه يقع في أربعة مواضع:
أحدها: في قسمة الأفعال بحسب ما تعرض منها في المكلف، وحقائق أقسامها، وأمثلتها، وحصرها.
والثاني: في الكلام في الواجبات التي على الله تعالى.
والثالث: في حقيقة المكلف، والمكلف، والتكليف، وذكر الاحترازات فيها.
والرابع: فيما يتناوله التكليف من الأفعال، وشرائط حسن التكليف.
أما الموضع الأول: وهو في قسمة الأفعال وحقائقها، فجملة الأفعال خمسة: واجب، ومندوب، ومباح، ومكروه، ومحضور، وأصلها ينقسم إلى قسمين: حسن، وقبيح، والقبيح ينقسم إلى قسمين: صغير وكبير، وعقلي وشرعي، والحسن يقسم إلى أربعة أقسام: واجب، ومندوب، ومباح، ومكروه.
وأما حقائقها فللقبيح حدان: حقيقي، ورسمي، فالحقيقي: هو ماليس للقادر عليه المتمكن من الاحتراز منه فعله على بعض الوجوه، قلنا للقادر احترازا مما ليس للقادر، وقلنا المتمكن من الاحتراز منه احترازا من الصبيان، والمجانين، والبهائم، فإنه إذا وقع منهم إتلاف مال الغير، أو مايجري مجراه فإنه قبيح في نفسه، وليس قبيح منهم؛ لأنهم غير متمكنين من الاحتراز منه.
Page 51