وانصرف عسكر أبي الفوارس بن عضد الدولة إلى كرمان، وعاد فائق إلى بلخ، واستقر أبو علي بهراة. وكان ابن عزير يستحث أبا الحسن «3» على قصد جرجان، ويؤنبه على التقاعد عنها، وهو يستمر على المعلوم من عادته في استشعار الحلم، واستحباب السلامة والسلم، إشفاقا من عثرة قدم تفضي «4» إلى ندم، كالتي عرضت لأبي العباس تاش بجرجان من الكشفة التي جلبت على الدولة من الوصمة ما سار في البلاد خبره إلى أن أقيم أبو علي محمد بن عيسى الدامغاني «1» للوزارة، وذلك في جمادى الآخرة [45 ب] من سنة سبع وسبعين وثلثمائة. ونفي ابن عزير إلى خوارزم، فجهد أبو علي في تسديد الأعمال، وحفظها على الاعتدال، فأعياه ما أراد لانسداد الولايات، وتراجع الارتفاعات، واستشراء الحشم، وضراوة الأتراك، وتسحبهم «2» على الوزراء، واحتكامهم في المطالب خلعا للجام المراقبة، وأمنا من مر السياسة وصدق المؤاخذة. فصرف بأبي نصر بن أبي زيد «3»، وهو الشهم الذي يصيب المحز في أقواله، ويطبق المفصل في أفعاله، ويبذ الكفاة بغنائه ومضائه، وصواب تدبيره وآرائه.
ثم بدا لهم في أمر أبي علي، فرد ثانيا إلى مكانه، من صدر ديوانه. واتفقت لأبي الحسن بن سيمجور بين هذه الأحوال نهضة إلى خرمك «4»، بعض منتزهاته بواحدة من حظاياه، فخانته نفسه خلال الرفث إليها، وخر إلى الأرض عن صدرها ميتا. وأخفي خبر وفاته، إلى أن رد إلى داره، واستعد لإظهاره.
وورث أبو علي رئاسة بيته وإخوته وجيشه، فسد الثلمة «5» الحادثة بأبيه برفق سياسته، وحسن رعايته، وحفي إيالته وولايته. وحسنت طاعة أبي القاسم أخيه، وسائر إخوته له، وعم رضاهم [46 أ] به.
Page 88