380

قد كان أبو الحسن علي بن مأمون لما ورث أباه مأمونا مملكته، وقد كان استضاف «9» خوارزم «10» إلى الجرجانية خطب إلى السلطان يمين الدولة وأمين الملة إحدى أخواته تقوية لعمدة الحال، وتسدية للحمة الوصال، فأوجب إسعافه بما استدعاه، استكفاء إياه، وتوخيا لرضاه، وزف «1» إليه من خطبه، ووصل بأسبابه سببه، ودر التهادي بينهما حتى صارت الديار واحدة، والأسرار لغير الإخلاص جاحدة. وغبرت الحال على جملتها في الاتشاج والامتزاج، إلى أن قضى [216 ب] خوارزمشاه نحبه، ولقي بانقراض الأجل ربه، وورث أبو العباس مأمون بن مأمون مكان أخيه، وولي ما كان يليه، فكتب إلى السلطان يسأله أن يعقد له على شقيقته عقده عليها لأخيه «2» من قبل، فهو تاليه في الطاعة بل أتم إخلاصا، وثانيه في القربة بل أشد اختصاصا. فشفع السلطان فيه «3» داعي الكفاءة، واستجد للحال رونق الطراءة، وعقد له عليها عقدا خلطه فيه بنفسه، وفرغ له فريقا من قلبه وخلبه «4». ومازال الأمر على جملة الاشتراك والاشتباك إلى أن دعا السلطان داعي الاختبار إلى سومه «5» إقامة الخطبة باسمه، وأنهض رسولا يتنجزه العمل بما يقتضيه ظاهر حكمه، فصادف منه حرصا على الإجابة، وافتراضا لحق الطاعة، غير أنه عرض الحال فيه على من حوله من أعيان أشياعه وأتباعه، فأظهروا نفارا، وأصروا واستكبروا استكبارا، وقالوا: نحن أتباعك وأطواعك ما سلم لك الملك عن الاشتراك، فأما إذا وضعت خدك للطاعة، وضعنا السيوف على العواتق خلعا لك، وتمليكا عليك، وجهادا فيك، فعاد الرسول [إلى السلطان] «6» بما رآه عيانا، وسمع بغيا وعدوانا.

Page 396