368

وتوجه الأمير أبو الفوارس فيهم وفي سائر خاصته نحو كرمان، فجلا عنها من كان ولي عليها علما بعجزه عن المقاومة، وافتضاحه إن تعرض للمحاكمة «5»، فملك تلك «6» النواحي ملكه إياها من قبل. وأقام بها أبو سعيد إلى أن قرت تلك الأمور، ودرت للجبايات الشطور. [209 ب] ثم كر «7» وراءه فيمن كانوا برسمه وتحت قيادته، وأتت «8» على ذلك مدة من الزمان تمنع حشمة السلطان يمين الدولة وأمين الملة، وحرمة الناهضين من أتباع رايته في أمر وسمه بعز عنايته أن يقصد بما يوهم خلافا عليه، حتى إذا عاودت تلك الجيوش، وانفرد الأمير أبو الفوارس بالتدبير، وارتاش بعد التحسير، سرب سلطان «9» الدولة عسكرا ثانيا لمواقعته، واستخلاص تلك الناحية عن يده، فتلاقيا على حرب أشابت القرون تحكيما لظبى الصفاح في مخارج الطلى، وتحويما لشبا الرماح على موارد الكلى، حتى تشقرت الأرض من صبيب الأوراد، وتمغرت «10» من رشاش الأكباد. وعندها زلت قدم الأمير أبي «11» الفوارس فولى كسيرا ، لا يعرف قبيلا ولا دبيرا. وانتهى به الركض إلى همذان حضرة شمس الدولة بن فخر الدولة، فقضى فيه حق القرابة إعظاما لقدره، واهتماما بأمره، واغتناما لشكره، واستعدادا لنصره. وأقام مدة مديدة على هذه الجملة، حتى استشعر أو أشعر أنه مغرور ومقصود، وإلى الأمير سلطان الدولة مردود، فنفر نفار الأيم «1» من ضربة القاتل، والوحش من كفة الحابل. وفارق مظنته «2» قاصدا [210 أ] قصد بغداد. وسنشرح إن شاء الله تعالى من بعد حاله، وما انتهى إليه أمره، مما كان عليه أوله «3».

ذكر أيلك الخان وما انتهت إليه حاله

قد كان أيلك الخان بعد الكشفة التي اتجهت عليه بباب بلخ، فركب ظهر جيحون وعاد وراءه يضطرب على نفسه غيظا مما دهاه، وأسفا على ما أعياه، وما زال يعاتب طغان خان أخاه، ويستنصر قدر خان على ما أوهى من قواه، وفوته من «4» مراده ومغزاه، والقدر له معاند، والزمان مناكر ومناكد، حتى طرحه الكمد على فراشه، وفجعه عن قليل بطيب حياته، فأشبعه التراب، بعد أن جوعه الحرص والاضطراب، همة كانت معلقة بالأثير، محلقة على فلك التدوير، غير «5» أن يد القدر فوق يد التدبير «6»، وما يصنع المرء بالجد إذا وافق الجد سافلة البئر؟!

فهبه رحى يجري لها اليم ماءها «7» ... وليس لها قطب بماذا أديرها؟

Page 384