وقاءت الري أفلاذ أكبادها «5»، فأناخوا قبالة المنتصر، ودس الكفلاء بتلك الحضرة «6» إلى أرسلان بالو، وأبي القاسم بن سيمجور «7»، وغيرهما من أولياء المنتصر من أطمعهم في مال يحمل إليهم سرا على أن يثنوا عنهم عنان المنتصر بوجه من وجوه اللطائف والحيل، فانخدعوا لتسويلهم، وطمعوا في تأميلهم، وتنصحوا للمنتصر بأن قدر مثلك ممن يجله ملوك الشرق من آل سامان على جلالة أقدارهم، ونفاسة أخطارهم، ليجل عن مناوأة قوم يدعون فيك قرابة، ويفترضون لك طاعة ومهابة، موالاة [100 أ] لمن يجر النار إلى قرصه بالتعويل عليك، ومغزاه أن يحترش الأفعى بيديك فله الغنم أن قدرت، وعليك الغرم إن عجزت، فلفتوا المنتصر عن رأيه، وزينوا له ملك خراسان «1» من ورائه، فارتحل من باب الري يريد دامغان، وانفرد ولدا شمس المعالي عنه، فحبس نجم ذلك التدبير، وانحل عقد ذلك التقدير، وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال «2».
وامتد المنتصر طلقا إلى نيسابور، وبها صاحب الجيش أبو المظفر، فأشفق من زلة القدم كالتي حدثت قبل، فاحتاط بالانحياز إلى بوزجان. ودخل المنتصر نيسابور في شوال سنة إحدى وتسعين وثلثمائة، وبث عماله في جباية الأموال، ومطالبة من ظفر بهم من العمال، واستمد صاحب الجيش السلطان يمين الدولة وأمين الملة، فرسم للحاجب الكبير التونتاش والي هراة البدار إليه في معظم جنوده «3» من شجعان الترك وسرعان الهنود «4»، حتى إذا استظهر بذوي الغناء، في حرة الهيجاء، كر عائدا إلى نيسابور. وتلقاهم المنتصر بأرسلان بالو، وأبي نصر بن محمود، وأبي القاسم بن سيمجور، فالتقوا على حرب [100 ب] تحطمت فيها الصفاح المشهورة، وتقصدت الرماح المطرورة، وعريت عندها الكواكب المستورة، ثم شاعت الهزيمة في السامانية، فولوا على أدبارهم نفورا، وكان أمر الله قدرا مقدورا. ودخل صاحب الجيش أبو المظفر [نصر بن ناصر الدين سبكتكين] «5» نيسابور، وقد زينت له كالهدي على زوجها الكفي، وأقيمت له النثارات كما تتهاوى النجوم السائرة، وتتهادى الثلوج المتطايرة.
Page 185