127

فرجع إليه أن اعتماد الرضا إياه [بمنعه عن الجري على ما يهواه] «9» بتأميله حين خذله أبناء دولته، وكفره أنشاء نعمته، يذمم إليه الإغماض دون حيف يجري عليه، وملك يراد انتزاعه من يديه، وأن تغريره بجميع ما يحويه على استغراقه أيام العمر فيه، أحب إليه من سمة الخذلان «10»، واختيار الإساءة على الإحسان. فليقطع طمعه عن الرتاع «11»، حول تلك الرباع، أو فليأذن بحرب تتحطم فيها متون الصفاح، وتتقصد «12» معها عوالي الرماح، وترخص عندها غوالي المهجات والأرواح. فلما علم أيلك جده، وذاق بلسان الاختبار ما عنده، قرع للأمر ظنبوبه «1»، وشد للحرب حيزومه «2»، ورمى أحياء الترك بقداح هي فيما بينهم علامات [70 ب] الاستنفار، فثار إليه الطم والرم:

جيوش تضل البلق «3» في حجراتها ... ترى الأكم فيها سجدا للحوافر «4»

وكتب الأمير سبكتكين إلى الأمير «5» الرضا يستعجله اللحاق به، لتقدمهم هيبته في مناهضته الخصم وفل حده، وزحزحته عن صدر الملك إلى ما وراء حده. وأشفق ابن عزير على نفسه من حركته للهنات التي كانت ألجأته إلى الهرب، واللياذ به من حر الطلب، تنصح للرضا بأن الأمير سبكتكين وعامة ولاة الأطراف عبروا «6» النهر في أحسن عدة وعتاد، وأبلغ استظهار واحتشاد، وأن المحن التي استمرت بك قد نفضتك «7» عن تحمل مثلك، ورحلت بزينة الملك عن رحلك، فقبيح بك أن تجاور من حاله أعلى من حالك، ورجالته أتم استظهارا من فرسان رجالك، والرأي لك أن تستعفيه عن شهادتك بنفسك على أن تحشر إليه وجوه القواد، في جماهير الأجناد، من أطراف البلاد، وتحكمه فيما يراه من مسالمة أو محاكمة، ومكافحة أو مصالحة، ليكون فيصل الأمر بيديه على الوجه الذي هو أخف عليه.

Page 135