فقال الشيخ جادا: عفوا أيها الملك فما قصدت السخرية، ولكني عجبت لقولك إن آلهتنا دمى حجرية رخيصة، وإن كعبتنا كومة من حجارة. فما نعبد الدمى ولا نطوف بكومة الحجارة إلا كما تعبد إلهك في القليس. نحن نتسالم عندها ونتصافى، ونطهر نفوسنا بالتعبد في جوارها كما يتعبد الناس في أركان الأرض، كل على طريقته.
فقال أبرهة في جفاء: لم أبعث إليك لنتحدث في هذا.
فقال الشيخ: فأنا سامع لما بعثت من أجله، فبم بعثت إلينا رسولك أيها الملك؟ أبعثت إلينا لننزل على حكمك؟
فقال أبرهة: أما عندك قول تفضي به فيما قلت آنفا؟ ما بعثت إليك إلا لكي أمد إليكم يد صديق يريد السلام. سلني أيها الشيخ ما شئت تجدني سريعا إلى الاستجابة. أما عندك قول؟
فقال الشيخ بعد لحظة صمت: إذن فاردد ما أخذت من أموالي. هذا سؤالي إن كان لي سؤال.
فنظر إليه أبرهة في دهشة، ولم تخف عنه حركته عندما رفع حاجبيه الكثيفين يلحظه من جانب عينيه، وقال كأنه يتحفز لمنازلة: والكعبة؟ ماذا عندك في شأنها؟ ألا تراها جديرة بأن تحدثني فيها؟
فقال الشيخ: قلت لي أن أسألك ما أريد، وما كان لي أن أتحدث إلا عما أملك. ليست الكعبة ملكا لي ولا ملكا لأحد من قومي، إنها بيت الله لا بيت أحد منا، وما بيوتنا إلا هذه التي تراها هناك، صاعدة في الجبل أو هابطة إلى البطحاء.
وأشار بيده إشارة عامة بغير أن ينظر نحو المدينة.
ثم واجه أبرهة قائلا: ومع ذلك فقد هجرنا هذه البيوت التي نملكها ولا نعبأ بما يصيبها، ولا نقيم اليوم إلا في شقوق الصخر وشعاب الأودية الوعرة.
وأحس أبرهة أنه حيال رجل عنيف يجمجم ما في نفسه، وقال وهو يحاول أن يملك غضبه: أهذا كل ما عندك؟
Page inconnue