54

وسمعت صوته كأنها في حلم، فرفعت رأسها وقالت في صيحة مكبوتة: عفوك يا ولدي!

فقال سيف هادئا: بل عفوك أنت، فقد أحدثت لك حرجا يا مولاتي!

فقالت في ألم: أبهذا تناديني؟

وقامت إليه فضمته بين ذراعيها وألقت رأسها على كتفه باكية.

فقال سيف: لا يحزنك شيء أيها الأم النبيلة.

فقالت: بل تكلم يا ولدي وانطق بما في نفسك، ولا تخفف من عنفه شيئا. قل إنني كذبت وإنني ضعفت وإنني أسأت، فإنه خير عندي أن أسمع منك ما يصك أذني ويصدع قلبي؛ لعله يخفف من حزني.

فقال سيف: ليس في قلبي لوم ولا حاجة بي إلى مزيد من القول، لقد برح الخفاء، وما كنت تستطيعين أن تكوني أكرم نفسا.

فقالت ريحانة في ضراعة: دع لي فرصة لأبين لك عذري. إنما عذري إليك محبتي وإشفاقي وضعف الأم التي تحس ذنبها. لم تكن هذه الأكاذيب التي كررتها عليك هينة عندي، كان كل لفظ منها يجفف ريقي ويطعن قلبي، وكان ضميري في كل مرة يصيح بي قائلا: «اجهري بالحقيقة»، ولكني ضعفت ولم أطع صوت ضميري كما تفعل المرأة التي تحس ذنبها، وكان ذنبي أنني لم أقتل نفسي عندما كنت أحملك بين ذراعي. ألا فاعلم يا سيف أنك ابن الأكرمين كابرا عن كابر، أنت ابن سادة اليمن، وأنا ريحانة ابنة ذي جدن، كان أبوك زين الفوارس؛ أبو مرة ذو يزن.

ففتح سيف عينيه وقال في همسة مدهوشة: ذو يزن!

ومضت ريحانة قائلة: إنهما اسمان لا يزيدان عندك على لفظين، ولكن استمع إلى قصتي لتعرف من كان هذان.

Page inconnue