كتابة الحديث بين النهي والإذن
كتابة الحديث بين النهي والإذن
Maison d'édition
مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة
Genres
القول الثالث: إن النهي كان متوجهًا عن كتابة القرآن والحديث في صحيفة واحدة فيكون نهيًا خاصًا، وذلك خشية اختلاط القرآن بغير القرآن فلا يراد به النهي المطلق (١)، وذلك أنهم كانوا يسمعون القرآن وتأويله، فربما كتبوا التأويل معه، ويؤيد هذا ما ورد من قراءات شاذة كمن قرأ: ﴿فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ متتاليات﴾ (٢) [المائدة /٨٩] . وهذا القول له وجاهة ولاسيما إذا عرفنا ندرة وسائل الكتابة كما تقدم في الفصل الثاني، ويوجز هذا زيد بن ثابت ﵁ عندما جمع المصحف بتكليف من أبي بكر ﵁ فقال "فتتبعت القرآن أجمعه من العُسُب واللخاف" وفي رواية "القصبَ والعسبَ والكرانيف وجرائد النخل" وفي رواية "من الرقاع" وفي رواية "وقطع الأديم" (٣)، وفي رواية "والأكتاف"، وفي أخرى "والأضلاع"، وفي أخرى "والأقتاب" (٤) .
فإذا كان القرآن الكريم على عظيم مكانته لم يجد الصحابة ﵃ ما يكتبونه عليه إلا هذه الأشياء، وهي كما ترى قطع صغيرة مفرقة، فأنى تتسع لغير القرآن، ولو كتب معه شيء والحالة هذه فهو أدعى أن يختلط معه غيره، وإذا كان الأصل في الشريعة التيسير المبني على قول الله تعالى: ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ [البقرة:٢٨٦] .وقوله: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن:١٦]، فلم يكن في وسع الصحابة ﵃ إلا هذا،
_________
(١) شرح السنة ١/٢٩٥، النهاية ٤/١٤٨، فتح المغيث ٢/١٦٢.
(٢) وانظر القراءات في تفسير ابن كثير /٤٣٣.
(٣) انظر: فتح الباري، فقد ذكر طرقها ٩/١٤، والعُسُب جمع عَسيب وهو جريد النخل، فكانوا يكشطون الخوص، ويكتبون في الطرف العريض، وقيل هو طرفها العريض الذي لم ينبت عليه الخوص، واللخاف
(٤) انظر المرجع السابق.
1 / 58