أصحاب المعاني، وقُدْوة أهلِ البديع! لكن ما سمعتني أشترطُه في صدْر هذه الرسالة أنه يُحْظر إلا إتباع الحق وتحرّي العدل والحكم به لي أو عليّ. وما عدوْت في هذا الفصل قضية أبي تمام، ولا خرجت عن شرطه أن يقول في يوصف السراج شاعر مصر في وقته:
فلو تُبش المقابر عن زهير ... لعوّل بالبكاء وبالنّحيب
متى كانت مَعانيه عِيالًا ... على تفسير بُقراط الطبيب
وكيف لم يزل للشعر ماءٌ ... يرِفّ عليه ريحانُ القُلوبِ
فخبّرني هل تعرفُ شعرًا أحوج الى تفسير بقراط وتأويل أرسطوليس من قوله:
جهميّةُ الأوصاف إلا أنهم ... قد لقّبوها جوْهَرَ الأشياء
وقوله:
يومٌ أفاض جوى أغاضَ تعزِّيا ... خاض الموى بحْرَيْ حجاه المزبِد
وأيّ شعر أقلّ ماء، وأبعد من أن يرِفّ عليه رَيْحان القلوب من قوله:
خشُنْتِ عليه أخت بني الخُشَيْن ... وأنجح فيك قول العاذِلَيْنِ
ألمْ يُقْنعك فيه الهجرُ حتى ... بكَلْت لقلبه هجرا ببَيْن
1 / 20