أما مونتانلي فاستعمل نفوذه للحيلولة دون أي قرار لا يفوز برضاء الأمة بأجمعها، ويظهر أن إيطالية لم تتحمس للجمهورية إلا قليلا؛ فطوسكانه مترددة وبيمونته ملكية بينما كانت فنيسيه وصقلية لا تثقان باتفاق روما، أما حركة الارتجاع الملكية في نابولي فكانت هي الفائزة، بيد أن المتحمسين كانوا يتوقعون أن يؤدي إعلان الجمهورية من أعلى الكابتول إلى تحمس الشعب الإيطالي في جميع أنحاء إيطالية وينفخ في الأمة نشاطا عظيما ويغلب العروش الأخرى.
وبعد أربعة أيام من اجتماع المجلس التأسيسي أعلنت الجمهورية بمائة وعشرين صوتا من مائة واثنين وأربعين، ثم أعلن المجلس إلغاء السلطة الزمنية البابوية، وعرض على البابا ضمانات للتمتع بامتيازاته الدينية فقط.
وقد تأثرت سياسة طوسكانه بالاندفاع في روما، وكانت وزارة مونتانلي وجيرزاني تتمتع برضاء عام حتى إن خيرة المعتدلين كانوا على استعداد لمنحها ثقة كبيرة، وكان منهج الوزارة يتضمن إصلاح الاعتماد المالي وتنظيم الجيش والحرس المدني وتطهير الإدارة من العناصر الفاسدة والعمل على استتباب الأمن العام.
وحاول جيرازي تأليف الشرطة وإلغاء التسول وإقصاء المتذمرين وغير اللائقين من المتطوعين، ولكن تنفيذ المنهج لقي صعوبات كبيرة حتى أصبح العمل متعذرا، حاول جيرازي عبثا تنظيم الأعمال وأخذ المعتدلون المتشددون يضعون العراقيل أمام الحكومة، أما الدموقراطيون المتطرفون في فلورنسة فأخذوا يحملون على الاقتراع الضيق، ولما رأى جيرازي كثرة الشعب عليه سعى لتأديب مثيري الفتن، بيد أنه لم يكن لديه أية قوة واعتبره الدموقراطيون خائنا، وفي 10 شباط اجتمع المجلس وكانت أكثريته من المعتدلين، ومع أنها أكثرية قليلة إلا أنها كافية.
ووعد خطاب العرش بإقامة مجلس لطوسكانه وحدث بعد إحدى عشر يوما أن أعلن المجلس النيابي في روما نفسه مجلسا تأسيسيا لجميع إيطالية، فرأى الدموقراطيون القوميون فيه مجلس نواب إيطالي، وفرصة سانحة لجمع طوسكانه وروما في دولة أخرى واحدة، وكانوا يعلمون أن النواب الرومانيين يجعلونهم يكسبون أكثرية دموقراطية لا يستطيعون أن ينالوها في بلدهم، فطالبوا بأن ترسل طوسكانه ممثلين عنها إلى روما، وكان جيرازي قد ضمن مخالفة الأمير للاقتراح بواسطة أخي السفير الإنجليزي، واغتبط المعتدلون لهذه الفكرة وأذعن مجلس الأعيان للفكرة.
وكان الأمير يتردد في الاشتراك في قرار من نتائجه أن يحرم البابا من سلطته الزمنية؛ ولذلك فإنه كي يتخلص من ضغط الرأي العام الإفلورنسي عليه وليكسب الوقت الكافي للاطلاع على أخبار البابا؛ أجل التوقيع على القانون، وفي 3 شباط ترك فلورنسة بحجة تافهة وذهب إلى سيفه، ولما لحقه مونتانلي لحمله على العودة أبدى ارتياحه نحو الوزارة ونيته في العودة، ولكن في اليوم الذي وصل مونتانلي إلى سينه استلم الأمير كتابا من البابا يلح عليه أن يترك البلاد.
وكان راديتسكي شرط عليه أن يترك البلاد ليبادر إلى نجدته حالما ينتهي من أمر بيمونته، فهرب إلى الميناء الصغير «سانتو ستفانو» الواقع على حدود دولته الجنوبية، وأعلن للطوسكانيين بأنه فر؛ لكيلا يوقع على قانون يجر عليه الحرمان الديني.
ولما شاع الخبر في فلورنسة تظاهرت الجماهير داعية إلى خلع الأمير، وطلبت إلى المجلس بأن يقرر تأليف حكومة مؤقتة وبالفعل فإن المجلس بزعامة كابوني وريكاسولي قرر بالإجماع إناطة مهمة تأليف الحكومة بجيرازي مونتانلي ومازيني.
وقد أيد الدموقراطيون هذا القرار لأنه خطوة نحو الجمهورية، ورأى فيه المعتدلون الوسيلة الوحيدة للحيلولة دون الجمهورية، وقد أبرق جيرازي إلى ليفورنه نبأ خلع لئوبولد، وأرسلت الأوامر إلى الإيالات لتجنيد المتطوعين والتعاون مع الأندية، ولما وصل مازيني إلى ليفورنه استطاع بصعوبة أن يقنع المدينة بأن تكف عن عزمها على إعلان الجمهورية، ولكن وجود الأمير في سانتا ستفانو قد شجع المخلصين له وجميع عناصر الشعب الذين استفادوا من اسمه فأحرق عمال السكة الذين سبق فأخرجوا من العمل محطة أمبولي، وسعى القرويون بالقرب من فلورنسه إلى اقتحام المدينة، فقوبلوا بالقوة، ويعود الفضل إلى جيرازي في إنقاذ طوسكانه من الحرب الأهلية.
وأعد مازيني في 18 شباط اجتماعا آخر وتظاهر الجمهور حينئذاك لتأييد الجمهورية والوحدة مع روما، وقد قبل جيرازي بعد جدال عنيف مع مازيني القول باسم الحكومة المؤقتة بالجمهورية، وفي اليوم التالي أصدرت الحكومة المؤقتة بيانا أشارت فيه إلى الجمهورية التي عادت إلى دارها بعد 318 سنة.
Page inconnue