فكانت خطته ترمي إلى تدبير عصيان من ترانتو إلى فريول وإدخال المتطوعين في إيطالية الحرة لمساعدة الثوار، والتآمر على إثارة الرأي العام بحيث يتعذر مقاومته ويكون من القوة بحيث يجر الحكومة إلى الحرب، ومن الغريب أن الملك مد يده إلى مازيني ليعمل وإياه.
وكان الملك دائم التذمر من القيود الدستورية ويسلك سياسة خفية غير رسمية، وقد أزعجه تريث الوزراء وأراد الاستعجال في الاستيلاء على فنيسيه وإنزال الضربة القاضية على النمسة، وقد شرع في أيار من سنة 1863 يتقرب من مازيني بواسطة وكيل خفي، أما مازيني فبعد أن يئس من نجاح التدابير في فنيسيه رحب باتجاه الملك ووعده بالمساعدة مشترطا بأن لا تتطلب معاضدة فرنسة، وبعد مساومات سياسية مملة يظهر أن الحليفين؛ أي الملك ومازيني اتفقا على أن يدبر مازيني عصيانا ليصبح وسيلة لتدخل الحكومة، فيجهز الملك السلاح للعصاة وكان يعلم بأنه لا يستطيع التغلب على النمسة بمفرده، ولا سيما بعد أن أخذت قضية شلزفيج وهولشتاين بين بروسية تسير نحو التفاهم، كما أن أغلبية الوزارة أبدت عزمها على قمع كل حركة غير نظامية، فألح مازيني على الملك بأن يقصي وزراءه، وأن يعيد ريكاسولي إلى منصة الحكم والرجوع إلى رأي البلاد، وكان يعتقد بأن أكثريتها تحبذ الحرب، بيد أن الملك تردد في قبول هذا الطلب فحنق مازيني عليه وكان ينعي عليه تردده منذ حين بعيد وقطع المفاوضات معه.
ولعل فيكتور عمانوئيل كان منذ بضعة أشهر يعلق آماله على غاريبالدي طامعا في إيفاده إلى غاليسية إذا نشبت الثورة فيها بمساعدة الطليان كي يدير شئونها، لكنه لم يوافق على هذا المشروع سوى بيزوزي وحده، أما غاريبالدي فمنذ عام وهو يتشوق لمثل هذا المشروع، يقصد من ورائه إزعاج النمسة وقهرها أكثر من مساعدته للبولونيين.
وقد تناسى الملك الخصومة الموجودة بين الهنغاريين والسلافيين، واتصل باللاجئين الهنغاريين، واتفق غاريبالدي ومازيني على أن يدبرا معا ثورة في فنيسيه وكان غاريبالدي حينئذ في إنجلترة، ولما تلقى اقتراح فكيتور عمانوئيل قبله وذهب إلى إيشية عقيب رجوعه؛ ليبحر نحو رومانية على سفينة حربية هيأها الملك له، وقد احتفظ بهذا السر جيدا إلى ذلك الحين، بيد أن الشائعات أخذت تدور حول الحملة.
وسعى أصدقاء غاريبالدي الخلص لإثنائه عنها؛ اعتقادا
لمنعه من إدارة العصيان في فنيسيه، فأصدر برتياني وبعض نواب اليسار احتجاجا أذاعوا فيه على الملأ خبر هذا المشروع واعتبروه دسيسة ملكية حيكت لغاية ملكية، ففزع الملك من هذا البيان الذي أفشى سر تواطئه أمام الحكومات الأجنبية ووزرائه أنفسهم، ووردت في الحين ذلك أخبار سيئة من رومانية؛ حيث تحزب الأمير «كوزا» الروماني ضد الملك بعد أن اشترك في المؤتمر وعاد غاريبالدي إلى كاربيره مغتاظا.
وبينما كان الملك والمتآمرون معه يدبرون المؤامرات لتجزئة الإمبراطورية النمسوية وإعادة تأسيس أوروبا الشرقية بحرب ثورية، كان وزراؤه يسعون للحصول على فنيسيه عن طريق السياسة وكانوا يدركون بأن إيطالية ليست في موقف تستطيع به أن تحارب النمسة منفردة، وخيل إليهم أن الموقف السياسي في أوروبا يساعدهم على انتهاز الفرصة للحصول على فنيسيه بالطريقة التي ارتئوها؛ ذلك أن الحكومة الروسية حرضت البولونيين على الثورة؛ فثاروا في كانون الثاني سنة 1863.
ومع أن بيسمارك أظهر عطفه على الأساليب المستعملة من قبل الحكومة الروسية فإن روسية بعملها هذا أثارت شكوك الرأي الأوروبي العام النزيه ضدها؛ لأن إنجلترة وفرنسة كانتا تشعران بعطف شديد نحو البولونيين، فلاح للناس أن الحرب محتملة الوقوع وأن الدول الغربية توشك أن تخوض غمارها ضد روسية وبروسية، وسيؤدي هذا إلى انضمام النمسة إلى أحد الفريقين، ويصعب على إيطالية في هذه الحالة أن تحتفظ بالحياد ، ومن هناك انبعث الأمل في الحصول على فنيسيه مهما كان الفريق الذي ستنحاز إليه النمسة، فإذا انحازت إلى جانب روسية فالحصول على فنيسيه سيكون ميسورا بتحالف إيطالية مع فرنسة، أما إذا انحازت إلى جانب الدول الغربية فيمكن إقناعها من قبل هذه الدول ببيع الإيالة أو بتبديلها بممتلكات في الشرق لمصلحة الحلف.
وكان في إيطالية توجد معارضة قوية متزايدة لفكرة التحالف مع فرنسة، إلا أن الشرف والمنفعة بالأقل توصيان بمعاضدة الجانب الذي يستهدف الحرية ويدافع عنها، فأوفد آريسة إلى باريس؛ ليقترح مشروع حلف بين الدول الثلاث، ووجد أن هذا الإمبراطور يرغب في إيجاد طريقة حل بين إنجلترة والنمسة، وكان يفضل في حالة إمالة النمسة وحدها إلى جانبه أن يبدأ بالحرب حالا؛ فلذلك كان لا يريد أن يقطع الحبل مع النمسة، الأمر الذي جعله يعود إلى مشروعه القديم الذي يرمي إلى إعطاء البوسنة والهرسك إلى النمسة؛ لقاء تخليها عن فنيسيه.
وكان اللورد رسل أشد رغبة بهذه المعادلة من نابليون، فوافق على أن تأخذ النمسة رومانية أو بولونيه لقاء تخليها عن فنيسيه، واستعد بالمرستون لعقد الحلف مع النمسة والإقدام على خوض غمار الحرب، ثم اضطر للكف عن ذلك أمام ميول وزرائه السلمية، وحاول الإمبراطور أن يدعو إلى مؤتمر يعقد في باريس في 1 تشرين الثاني، بيد أن جميع الحكومات - ما عدا إيطالية - أجابت بالرفض البات، وكان موت ملك الدانمارك في ذلك الوقت قد جعل قضية شلزفيج هولشتاين من القضايا اليومية.
Page inconnue