Le ministre Ibn Zaydun avec Wallada bint al-Mustakfi
الوزير ابن زيدون مع ولادة بنت المستكفي
Genres
وزير :
سمعت من هذا المكان إنشاد بيتين، فأسرعت لأقتص عين الأثر بلا عين، فوجدت به بديعة جمال فتان، في أحداقها لسكر الألباب أقداح خمرة الحان، تفسد عقيدة الناسك بما في ورد خديها من الصلاح، وتتعب القلوب براحة لطفها دون راح، فاستعدتها ذلك الإنشاد وطلبت بالخبر تحقيق خبرها المستفاد، فأتلعت جيدها ونفثت من ألفاظها سحرا أو سكرا، وشرحت بلا تورية لكليمها صدرا، ومشت أمامي مشي السحاب لا ريث ولا عجل، وتركتني بما أدارته علي من خمر حديثها أعثر بدموع الخجل، فهل عندك من هذا النبأ العظيم أثر، أقف من رفع مبتدئه على حقيقة الخبر، فقد ذهبت والقلب معها رهين، وخلفتني بلطف شمائلها لا أعرف الشمال من اليمين، فعرفني حديثها المرفوع، واحمل إلي من بيان شأنها ما يجمل به للسرور موضوع، وأزل بتعريف إشارتك ذلك الإبهام، واكشف في مجاز كلامك عن حقيقة أمرها بالتمام.
حسان :
كيف تم لك رؤية الشمس في الأرض، وعرضت نفسك للعناء بما يطول به العرض، ووقعت من أجفان ظبية الأندلس في أشراك، وألقيت فؤادك من غاب أهدابها في براثن كل فتان فتاك، وتركته من وجناتها يصلى بنار تلظى فكان بها الأشقى، ولم تتق بكف النظر مرامي سهام عينيها كما يفعل الأتقى، كيف كان حالك وقد أتلعت نحوك جيد ريم رامه، وما شأن صبرك وقد شهدت شهد مبسمها ولم تذق منه المدامة؟ وأين ذهب لبك وهي ببرد المحاسن تميل، وأنى تكحلت بالكرى وقد أبصرت كحل أجفانها بدون ميل؟ ومن ثبت فؤادك على ما ألقي عليه من وحي العيون وهل بقي لك عقل وأنت مصاب بسهام هاتيك الجفون؟ لله محاسن تلك الأحداق، وتعطف ذلك القوام الذي أقام حرب الهوى على ساق! وتفتح ورود تلك الوجنات الشهية بكف الحياء، ونفحات هاتيك الأنفاس الزكية بما يكبو من عرفه الكباء! ماذا أقول بوصف تلك الغيداء الحوراء اللعساء اللمياء الهيفاء الوطفاء الحسناء؟! وخلاصة ما أقول في نعتها بإجمال الكلام: إن الشمس تشرق من غلالتها ويمتد من سناها بدر التمام.
الوزير :
فصمت عرى اصطباري، وأعدمتني قراري، وأضعت مني الحواس، وأسكرتني بلا كاس، وتركت فرائصي ترتعد ولظى مهجتي تتقد، وجعلت قلبي يخفق كقرط تلك الحسناء البهية، وصيرت حظي أسود كنقطة خالها المسكية، ونبهتني على ما خفي عني من بدائع صفاتها؛ إذ لم أستطع أن أثبت نظري في جنان وجناتها، فمن تلك الرواح الرود، والغادة التي حسنها مشهود، أفصح بالتعريف، وأحسن بيانها بالتلطيف.
حسان :
تلك التي ثلث محياها النيرين، وأبان فرقها ضياء الفرقدين، وسرى النسيم يقض في الرياض المسك من أخلاقها، وفاقت بلقيس على عرش الجمال وإن لم يطمع أحد بكشف ساقها، واستحوذت بقرطيها على ملك الخافقين، وطلعت الشمس والقمر من وجنتيها في المشرقين، مع أدب غض نضير، وطبع تعبر عن لطفه أنفاس العبير؛ وبالجملة لا يرى مثلها على الإطلاق، ولا يطرب الحجاز بغير وصفها في شام ولا عراق.
الوزير :
كفاني ما دار على سمعي من كئوس تلك الأوصاف، وحسبك ما أسلفته من محاسن نعتها التي أسكرتني ولا سكر السلاف، فمن تكون صرح باسمها الكريم، وأنقذ فؤادي بعذب ذكرها من العذاب الأليم.
Page inconnue